للمصينعة ألف سلام وتحية

في تقليد سنوي ليس لنا من قول عليه إلا وصفه بالجميل والرائع كجمال وروعة القائمين عليه ممن عاهدونا كما عرفنا منهم على قيامه سنويًا.

ففي لفة غاية في الأهمية يتداعى بعض محبي الفنون والتراث الشعبي المشقاصي على إحياء جلسة سمر. وتكون هذا الجلسة نهاية شعبان من كل عام، تحديدًا آخر جمعة من هذا الشهر، في منطقة المصينعة مديرية الريدة وقصيعر، في منزل الشيخ صالح سعيد العدلي بن العديلي. هذا الرجل الذي لم أعرفه عن قرب إلا من خلال اللقاء به هذه الليلة، فأخجلني بطيبته وكرمه في عصرية الجمعة ببيته العامر.

ومن ينظر لهذا التقليد السنوي الجميل، سيعرف أن له من الإيجابيات والمحاسن الأشياء الكثيرة، ففيه يتم التلاقي بين من فرقتهم مشاغل الحياة طيلة عام كامل.

كذلك المباركة بقدوم شهر رمضان الفضيل، ضف إلى كل هذا هو تلاقي بعض الشعراء ممن تتم دعوتهم، ومن هذا اللقاء يظهر هؤلاء الشعراء ملكاتهم ومهارات الشعرية، ويبقى من بين جميع الشعراء الشاعر الكبير سالم بن عمرو العرابي، الملقب العكر، الدائم الحضور مع بعض الإخوة من مؤسسي هذا اللقاء السنوي الذي كما حدثني البعض ممن درجوا على حضوره، أنه يزداد ألقًا وحضورًا من عام لآخر، وهذا يدل دلالة واضحة على أن هذا اللقاء في حالة تصاعدية جميلة تنم عن أن منسقيه والقائمين عليه يعرفون مدى رغبة الناس بمثل هكذا لقاء يجمعهم تحت سقف واحد في أجواء فرائحية.

فادحة بل كبيرة هي خسارتي في عدم حضوري للقاءات الأعوام الماضية، إلا أن الحظوظ مازالت مواتية إن امتد بنا العمر لحضور اللقاءات القادمة.

لقاء هذه الليلة أبهرني كثيرًا، وامتلكتني الدهشة والإعجاب الكبير، وما جعلني هكذا هي أشياء كثيرة، وأولها هو الانتقاء الرائع في اختيار أحد الأصوات الجميلة من رقصة الهبيش الساحلية المسماة لدينا "حفة"، فالصوت جميل، ومؤدي الصوت الأخ المغني سالم بن شطيفة كان هو الآخر جميلًا في تلاعبه الأخاذ صعودًا ونزولًا مع كسرات اللحن، وأضفى الشاعر الكبير العكر بجماليات شعره الجميل إضافات شعرية على روعة المغني. ولا أنسى ما قدمه بقية الشعراء المشاركين في جلسة الليلة؛ علي عمر المعاري باعقبان، محمد حسن الشنيني، سليم القرادي، وأبو أفنان.

وحتى لا نطيل عليكم أكثر، سندخلكم مباشرة في ما قاله الشعراء، والبداية كانت للشاعر علي عمر المعاري باعقبان، إذ يقول في فصل جديد على الصوت:
ذا خرج فصل ع حسب العوائد
عند شيخ الكرم مول الشروع الطويلة
جيت نا معتني
والزيارة لبوعادل كما سادس ركن في الدين
العكر:
ربنا ع قلوب الناس شاهد
عندنا الشيخ بوعادل يساوي قبيلة
والمقدم علي
قائد القوم باعقبان وافي وشهره ثلاثين
محمد حسن الشنيني:
في سماء الجود حنات الرواعد
ضوت البارقة لي هي تسوق المخيلة
يا سحب دلهمي
ع مطارح بها الجاويد حلو جوار المحبين
سليم القرادي:
في طرق سعفكم حادر وناجد
يا المحبين والجودات ما هي قليلة
نا بنادم وفي
وإن دعوني صحابي ما عذر والخواطر ميادين
علي المعاري:
يا حكيم الزمن هرجك فوائد
في لسانك دواء يشفي الصواب العليلة
صيت لك من بطي
أنت تستاهله يا راس في قوم تسوى ملايين
محمد الشنيني:
للسلا عند بوعادل قواعد
راسخة فوق جدران الحصون الدويلة
في الزمن الأولي
المعزة لقاها وسط برواز من راخي الطين
العكر:
من بلي بالهوى ما بات راقد
شي يجيلك وشي أنته برجلك تجي له
عند من نشتكي
من هوى الآدمي لي واقفة ع بوابه شياطين
محمد الشنيني:
عشر الشوق في قلب المعاند
لاطفينا الظرف حظا بجنب فتيلة
تابع المربعي
في الشعوب العكية لي يربي جبلها سراحين
أبو أفنان:
الجفاء قد كتب هو والتباعد
ليلكم يا عرب عندي كما ألف ليلة
والزمان القسي
كلما زان لي حينين يقسي عليا محايين
العكر:
يا كريم العطاء تم المقاصد
والمطاليب لي عند العرب مستحيلة
ما تمنيت شي
في زماني خلاف الجبر بين الخوة والمظانين
محمد الشنيني:
الهوى لي شربته كاس بارد
بوعوض طيره فوق الحصا والصليلة
نا شربت الخمي
من كؤوس الصبابة لجل خاطرك يا داير الصين
العكر:
لي دخل بينكم شيطان مارد
ما نفع فيه بأصلعه ومول الدويلة
والموانس غبي
شل في خاطره ضيعه بين الحوم والمعايين
سليم القرادي:
الليالي تمر والوقت شاهد
والمحبة بلا من حب حد يعتني له
والهوى يا علي
من وقع في بحوره ما سلم كم غيب ربابين
العكر:
نا تركت العرب من أجل واحد
في قديم الزمن وسكنت تحت الظليلة
ما حسبت الذي
حبه القلب يخدعني ويطعن في ظهري بسكين
محمد الشنيني:
السدد قفلوهن والنوافذ
ما بغوا من قدى الأحباب نسمه عليلة
القنع ما يجي
غير بعد الغثاء لي ما مسحتوه من دفتر الدين
علي المعاري:
ع بواب الهوى كمين حاسد
واليماني حسد وائل فعشق الجليلة
عشقة الباطلي
باتخلي الدواسر في ربيع وشتا فالمراصين
سليم القرادي:
ما معي ع العرب قسم زايد
صابرين الزمن وصبرت ع كل ميلة
يوم قلبي غني
ما تخبرت ع مال الدواعن وملك السلاطين
العكر:
كلما طاب للعشاق مورد
كدروه العرب أهل القلوب البخيلة
والذي هو وفي
مثلنا ضيعوه المسابيب في بحر ستين
محمد الشنيني:
الزمن ناقدينه ما تناقد
يوم سقت الدعية ما عطانا مهيله
والهوى معتدي
لصدر حكم ضده جاب ستة يحلفون يامين
أبو أفنان:
طاب الزمن لي رغم الشدائد
الصبر طال جم هو والليالي الثقيلة
بافرح وستلي
عند من هو حكيم القول صاغ الكلم والتلاحين
في الختام، هناك أكثر من رسالة شكر أحببت توجيهها لمن أراهم يستحقون هذه الرسائل:
الأولى للأخ صالح سعيد العدلي، الذي غمرنا بطيبة أخلاقه وبكرمه الحاتمي المعروف به في أماكن كثيرة، وأولها المشقاص.
الرسالة الثانية للأخ باسم عبدالله باوزير، هذا الرجل المخلص للتراث الشعبي، وهو يعد إلى جانب عدد محدود من الأشخاص المهتمين بالتراث من خلال تدوينهم لكثير من جلسات السمر التي يتلاقى فيها شعراؤنا الكبار.
الرسالة الثالثة هي رسالة جماعية ولأكثر من شخص مهتم بالتراث المشقاصي الغزير والثري، وهم كل من كلف نفسه حضور جلسة هذه الليلة الماتعة والأكثر من رائعة.