في أول حوار له بعد الانتخابات الرئاسية.. فيصل بن شملان لـ«النداء»:

في أول حوار له بعد الانتخابات الرئاسية.. فيصل بن شملان لـ«النداء»:

* أزعجني حديث الرئيس عن الوحدة وكأنه دعوة إلى غزو جديد
* الحكم الفردي يجب آن يتغير لصالح الوحدة ولضمان المستقبل
* المبالغ التي حصلت عليها اليمن في مؤتمر المانحين ليست هينة والقضية كيف ستدار
    وكيف نلبي شروط الآخرين
*  التحرك بمنطق انفصالي يضعك رهناً للقوى الخارجية.. وعلى الناس أن تناضل لتصحيح الأوضاع في إطار الوحدة وليس في أي إطار آخر
 

 
لا شيء تغيَّر في طباع المهندس فيصل بن شملان مرشح المعارضة إلى الانتخابات الرئاسية الماضية. هذا ما أكده لي ظهيرة الثلاثاء قبل الماضي عندما زرته في منزله بمدينة البريقة في عدن.
الرجل الذي حاصرته الأضواء والشائعات وطوقته الميكرفونات والقلوب على مدى 4 أشهر، بدا لي -ساعة حاورته- متصالحاً مع قيمه وأفكاره وقناعاته وعاداته، وحتى مع «ساعته البيولوجية» التي استعادها على الأرجح فور انفضاض العرس الديمقراطي، أو «المأتم» الذي بات الآن فصلاً من الماضي.
في فردوسه (وهذا اسم الشارع الذي يقطنه) ينعم بن شملان بالحياة التي ألفها دوماً: اتصال بالسياسة بروحية هاوٍ  ليس لديه ما يخسره؛ ومتابعة الشأن العام بعدسة مجمعة تمكنه من رصد حركية الأحداث وإنزالها في مواقعها داخل مشهد وطني مضغوط بالأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
«المختار» الذي أرسلته الأقدار، في تمثيلات محبيه ومؤيديه، يقدِّم نفسه في هذا الحوار بوصفه شخصاً عادياً نذر نفسه لمهمة وطنية، موقناً من نجاحه بالرغم من التلاعب بالأصوات، آملاً أن تلتقط الأجهزة، التي تقدمت عشية الاقتراع لإدارة عملية الفرز، الرسالة التي وجهها الشعب لحكامه.
في اعتداد، ولكن أيضاً في تواضع، يتحدث عن دوره في الانتخابات، مفصِّلاً موقفه من بعض محطاتها، واصلاً بين المقدمات والتحولات التي شهدتها والنتائج التي أفرزتها، وصولاً إلى تبيين أسباب تشبثه بعدم تهنئة منافسه الرئيس علي عبدالله صالح.
عدا ذلك فقد أجاب في اقتضاب، وربما بشيء من الإنقباض، على أسئلة لـ«النداء» ذات طابع شخصي. وهو قال إنه لا يميل إلى التحدث عن نفسه، ولا ينوي كتابة سيرته الذاتية، كما أنه لا يكتب مذكرات يومية، فكتابة اليوميات تضخم لدى صاحبها شعوراً زائفاً بالأهمية!

*عدن -سامي غالب
 
- أثيرَ مجدداً موضوع المُرافق عبر تصريح للقيادي في المشترك محمد الصبري يدعو إلى تحقيق جدي وشفاف في القضية، وينتقد التكتُّم حيال الموضوع من قبل الحكومة والأجهزة المختصة. كيف تواكب هذا الملف؟
- الموضوع كله استُهل من البداية استهلالاً آنياً ومتسرعاً. ويبدو لي الآن أن الغرض كان محض استغلال للحادثة في محطة محددة. المسألة كانت آنية لخدمة غرض انتخابي، ولو كان هذا الشخص على علاقة بالإرهابيين، فكيف نفسر هذا السكوت حتى الآن!
> تعلم أنه رُبط بمجموعة إرهابية، وقبل أسابيع صدر بيان منسوب لجماعة تطلق على نفسها تنظيم القاعدة جناح اليمن، تتبنى فيه محاولة تفجير منشآت نفطية، أليس من شأن هذا المستجد أن يغير من توصيفك لقضية هذا الحارس؟
- تعرف أنه في قضايا كهذه تصدر تصريحات لا ندري من أين تصدر ولا كيف تصدر. لا أدري إذا كانت القاعدة حقاً من فعل هذا، ولا معلومات لديَّ عن المرحلة التي بلغها التحقيق، وإن كنت أرجِّح أن يكون البيان الذي جاء على لسان القاعدة مفبركاً أيضاً. على الدولة أن تحقق جدياً في هذه المسألة وتقدم إجابات مقنعة إلىالناس.
> هل شعرت في فترة الذروة الانتخابية بخطر مادي مباشر على حياتك، وبخاصة في اللحظة التي جرى فيها الحديث عمَّا قد يكون توظيفاً من قبل الدولة للورقة الأمنية؟
- لا، لم أشعر في أية لحظة من اللحظات بذلك. ما كنت حتى أحبذ وجود حراس (لي)، والسبب بسيط إذ أن النظام كان من مصلحته أن يوجد مرشحون حتى نهاية الانتخابات، وبخاصة مرشح المعارضة، أحد شروط إنجاز الانتخابات بالشكل الذي أراده النظام كان وجود مرشح المعارضة. وضمان سلامة هذا المرشح تمثل في رغبة النظام في بقائه، على الأقل إلى أن تنتهي الانتخابات.
من زاوية أخرى أنا متأكد أنه لم يخطر في بال النظام أن يتخلص جسمانياً من أي شخص خلال العملية الإنتخابية. أنا نذرت نفسي لهذه المهمة، ولم أبال بهذه المسألة.
> في مرحلة الدعاية الانتخابية اعتمدت خطاباً هادئاً: رسالة قوية بلغة هادئة، خلاف بعض قيادات اللقاء المشترك وبعض وسائل إعلامه، لكنك قوبلت بحملة ركزت على شخصك. وأنا أتساءل ما إذا كانت هذه الحملة قد ولَّدت لديك شعوراً بالمرارة؟
- ليس شعوراً بالمرارة، بل بالرثاء لهؤلاء الذين يلجؤون إلى الكذب. عندما تم التركيز على عمري لم أنزعج، لأن ذلك شيء صحيح، لكن الكلام الذي قيل عن سيرتي المهنية وعن إدارتي (لمؤسسات عامة) لم يكن له واقع من الصحة.
> هل توقعت عند ترشحك هذا التركيز على البعد الشخصي فيك من قبل حمْلة المرشح المنافس، خصوصاً وأنك حرصت على أن تضع مسألة ترشيحك في سياق تكريس العملية الديمقراطية، لا السجال مع الرئيس علي عبدالله صالح؟
- توقعت ذلك بكل تأكيد. فلعلك تذكر باقة الأكاذيب التي بثها موقع «المؤتمر نت» ضدي مطلع هذا العام بعدما قلت في ندوة لNDI إنه لا توجد إرادة سياسية للإصلاح. استغربت حينها هذا التجرؤ على الكذب، ولذلك فإنني عندما أعلنت ترشحي توقعت هذا وأكثر منه.
شخصنة وممارسات ضارة
> ما أكثر شيء أزعجك في حملة مرشح المؤتمر؟
- حديثه عن الوحدة. في خطاب الرئيس في صعدة في بداية الحملة بدا حديثه عن الوحدة وكأنه دعوة إلى غزو جديد.
> تقصد حملة عسكرية أخرى؟
- نعم، لم يعجبني حديثه عن الوحدة عموماً. كأن الوحدة لا تزال محل شك في أذهان القائمين على حملة الرئيس وهذا شيء مؤلم رغم مرور كل هذا الوقت على قيام دولة الوحدة.
أزعجني أيضاً حرف العملية الانتخابية باتجاه الشخصنة. القضية برمتها هي تحويل النظام من الفردية إلى المؤسسية، من يكون رئيساً ومن لا يكون، ليس مهماً، ليست القضية فيصل بن شملان وعلي عبدالله صالح، أبداً. الشخصنة أضرت بالانتخابات.
حدثت ممارسات ضارة أخرى كمنع الناس من حضور مهرجانات المشترك، على أن هذه المنغصات لم تمنع من أن تمر هذه المرحلة بشكل جيد، فالمهرجانات أخذت وظيفتها بالكامل، وكل مرشح قال ما يريد.
> بعد شهرين من إعلان نتائج الانتخابات، هل تحصلت على معطيات جديدة من شأنها إعادة النظر في قراءتك لها ساعة إعلانها؟
- السلطة قالت إنها تريد انتخابات تنافسية مفتوحة، وقلنا إن (مصداقية) هذه النية تتوقف على منح الناس فرصة حقيقية للتعبير عن آرائهم. وأقله إن لم تُعطَ الناس فرصة، سيكون أمام السلطة ذاتها فرصة إدراك مقدار الرغبة في التغيير لدى أكثرية الناس، وإذا أخذ هذا في عين الاعتبار سيكون مكسباً كبيراً. بدأ الفرز وبدأت العملية تخضع لإشراف جهات أخرى بدلاً من لجنة الانتخابات. وكان التقدير أن هذه الجهات ستدرك رغبة الناس في التغيير، لأننا لا نريد للنظام أن يبقى واهماً بأن الناس راضون عن الأوضاع الراهنة. أردنا لهذه الرسالة أن تصل، ولا بد أن الأجهزة قد أدركت ذلك.
> تعتقد أن الرسالة وصلت فعلاً إلى المعنيين؟
- نعم. هل سيأخذها النظام في الاعتبار أم سيستمر في وهمه؟ لا يمكن أن نوافق النظام على تجاهلها، ويهمنا أن تؤخذ الرسالة بعين الاعتبار، وليس مفيداً البكاء على اللبن المسكوب، كما يقول المثل الانجليزي.
> من متابعتك الشخصية، أو من خلال المشترك، هل طرأت معطيات جديدة أظهرت أشياء لم تكن في الحسبان تتعلق باتجاهات التصويت لدى الناخبين، فعلى سبيل المثال كنت شخصياً تقدر أن 70٪_ من الناخبين سيصوتون لصالحك...
- (مقاطعاً) لم أقل لصالحي، وإنما لصالح التغيير. الناس يريدون التغيير، وتقديري أن 80٪_ منهم يريدون ذلك، ليس أنصار المشترك فقط. من يقوم بالتغيير وكيف، هذا موضوع آخر. لم يجر التصويت لشخص ولكن للتغيير الذي يطلبه الناس، هذه مسألة مهمة بالنسبة لي. ومن وجهة نظري فإن إجراءات الانتخابات كانت خاطئة، وتم إهدار إرادة الناس وأصواتهم الحقيقية.
> دعني أثير معك مسألة التهنئة. المعارضة في مؤتمرها الصحفي يوم الثلاثاء 26 سبتمبر أعلنت أنها ستتعامل مع الأمر الواقع، ما فُهم أنه قبول بالنتائج المعلنة، في كلمتك بالمؤتمر تجنبت تهنئة الرئيس بالفوز فأثار حزب المؤتمر في وسائل إعلامه هذه المسألة، وبعد عدة أسابيع قلت صراحة في خطاب التكريم إنك لن تهنئ لأنك لاتريد أن تخذل إرادة الناس. أهذا موقف نهائي؟
- طبعاً، فأسباب عدم التهنئة قائمة. طالما بقي السبب فالتهنئة غير واردة.
> لكن من الزاوية الواقعية، ألا ترى في هذا الموقف عامل توتر وشحن، أم أنك تعزو هذا التوتر في العلاقة بين السلطة والمعارضة إلى أمر آخر والتهنئة مجرد مشجب؟
- ما أظهرته العملية الانتخابية حتى الآن يقطع بأن النظام لا يتحمل وجود معارضة. المفترض أن الانتخابات انتهت. وما قُبلت نتائجها إلا بالقوة، يعني في التعبير الفقهي هذا حكم مغتصب.
يريد النظام أن يستمر الناس في الطاعة العمياء، وهذه في اعتقادي المشكلة الحقيقية. المفروض أن يتقبل موقفي بعدم التهنئة، لأنه بُرِّر بكل الإجراءات الخاطئة التي صاحبت العملية الانتخابية. على النظام أن يبدأ بإشراك المعارضة في القضايا الأساسية للدولة والمجتمع، خصوصاً وأننا قادمون على أوضاع شديدة التعقيد في المنطقة، وتذكر أنني قلت في حفل التكريم إن اليمن لها حقوق وعليها واجبات، ويجب أن نساعد الدولة فيما يخص العلاقات الخارجية ومصالحها الاقليمية والدولية.
> تريد أن تقول إن عدم التهنئة موقف موضوعي يتعلق بالانتخابات وليس موقفاً شخصياً من الرئيس صالح؟
- أبداً أبداً، ليس عندي موقف شخصي منه.
> نحن في اليمن، والموقف العام يدخل على الشخصي؟
- لا، لا، لا.
> مواضيع من هذا النوع لها حساسية كبيرة عند الحكام عموماً، وفي بلدان العالم الثالث خصوصاً، ألا ترى إمكان وجود شيء من هذا القبيل؟
- لا، لا يوجد شيء من هذا.
> وقعت ردات فعل شديدة على موقفك، ومعروف أن السلوك السياسي للقادة والرؤساء يتصل أحياناً بمسائل من قبيل الكبرياء والكرامة.
- كلا.كنت مدرساً وكنت مديراً وكنت وزيراً، ولم أزعل من أي نقد، سواء من طالب أو عامل أو غير ذلك. وأنا أفترض أن غيري من الناس هم كذلك. نحن نتكلم عن قضية بلد وعن مستقبله، ولا يجب أن تُقحم الأمور الشخصية والكبرياء في هذه القضايا.
> ربما هذا ما تراه من جهتك، لكن الأمر يبدو وكأنه موضوع ثأر شخصي. وأنا شخصياً صادفت شخصيات قريبة من مراكز القرار تتحدث عن المسألة وكأنها تقع في صميم الكرامة الشخصية، بأكثر مما قد يتصوره المرء.
- هذا كلام يؤسف له. بالتأكيد سيمحوه الزمن،والمسؤولية تتطلب تجاوز هذه المسألة.
لم ولن أهنئ
> هل حصل نوع من التباعد، أو حتى التمايز، بين موقفك الشخصي، الذي تؤكد علىأنه سياسي متصل بشأن عام، وبين مواقف قيادات اللقاء المشترك؟
- لم يطرح موضوع التهنئة منذ ذلك الوقت (حفل التكريم). أنا تعمدت أن أقول لن أبارك كشخص، ولم أقل لن نبارك (ضاحكاً).
> ألم يخطر في بالك أنك ربما تحملهم...
- (مقاطعاً) هذه أحزاب سياسية، وأنا فرد. (...) السياسة فن الممكن، لكن فيما يخصني هذا كلام نهائي، والتراجع عنه سيمثل خذلان لكل الناس. وإذا لم تقبل به (السلطة) سيُفهم أنها مصرة على الخطأ وعلى عدم إشراك المعارضة في قضايا تخص حاضر البلد ومستقبله.
> ألم يصدر من قيادات المشترك، وبأي شكل من الأشكال، تعبير عن تحفظ على موقفك هذا؟ لا أريد أن أقطع هنا، ولكني من موقعي كصحفي لاحظت عدم ارتياح لدى بعضهم، وأن كان ذلك ليس صراحة؟
- قيادات في المشترك؟
> نعم. ربما قلقوا من أن إعلانك الصريح بعدم التهنئة يُبقي الشد في العلاقة بالسلطة مستمراً، وربما لأنهم يعرفون كيف يتعاطى الطرف الآخر حيال مسائل كهذه.
- لم تناقش هذه المسألة (مع المشترك). لم أشعر بشيء من هذا، ولم يتحدث معي أحد منهم في هذا الأمر.
> قلت مراراً إن الانتخابات خطوة باتجاه التغيير، وقد خضت معركة قاسية في بعض مراحلها، والنتائج التي أعلنت وصارت رسمية لأنه لم يتم الطعن فيها...
- كيف لم يتم الطعن فيها؟ طُعن فيها.
> لم يُطعن فيها لدى القضاء.
- (ضاحكاً).. يعني باتروح القضاء، أيش بيحصل في القضاء؟
> أقصد أنها صارت رسمية. الآن هل تحققت الخطوة نحو الأمام في هذه الانتخابات، وسيكون اليمنيون بعد 7 سنوات أكثر جاهزية لممارسة العملية الانتخابية بما يؤول إلى تداول سلمي للسلطة؟
- هذا يعتمد على الإرادة السياسية للنظام الذي يمسك بكل مفاصل البلد. الشعب أدى رسالته، وعلى النظام أن يلتقط الرسالة. النظام صمم نتائج الانتخابات مسبقاً (...) ما دام يفبرك النتائج ما كان سيضره أن يعلن حصول المعارضة على 40٪_ أو 45٪_، ليظهر بأنه قابل بالمعارضة، مفسحاً المجال أمام تقدم الحياة السياسية.
> عند 45٪_ تدخل العملة الانتخابية مرحلة الخطر، عندما ندنو من هذه النسبة مالذي يضمن عدم ارتفاعها إلى 50٪_؟
- إذاً أنت ما عندك نية للتغيير.
> بناء دولة الوحدة، كانت واحدة من قضايا الانتخابات الساخنة. قبل يومين حضرت أحد المنتديات في عدن، وعرض متحدثون لدورك في طرح مسألة الوحدة في سياقها السليم، لكني أيضاً سمعت وجهات نظر لأشخاص ربما يميلون إلى تيار إصلاح مسار الوحدة (داخل الاشتراكي)، تعتبر أن الحديث عن دورك هذا، وبخاصة في المهرجانات الانتخابية، ينطوي علي مبالغة، فالقضايا هي ذاتها ما تزال، ولم يستجد شيء يقتضي إعادة النظر في مطالب الجنوبين من أنصار إصلاح المسار.
- الوحدة مشروع نهضوي يمني، له امتداد عربي وإسلامي، والامتداد العربي أقوى.الوحدة ضرورة وحق لليمنيين، ومابداخل هذه الوحدة يجب أن يصحح.
> هل ساهم خوضك الانتخابات الرئاسية في تعزيز وجهة النظر هذه؟
- هذا موقفي من وقت مبكر. حتى من قبل حركة الانفصال كانت هذه وجهة نظري، وقد تناقشت مع الأخوان في هذا،ونبهت إلى أن (التحرك بمنطق الانفصال) يضعك رهناً للقوى الخارجية، وهذه دائماً تتحرك وفق مصالحها.
> هل عززت الانتخابات منطقك هذا؟
- أنا في حملتي الانتخابية أكدت على هذا.وكما ذكرت سابقاً، ضايقني (مقاربة) الرئيس علي عبدالله صالح لهذا الموضوع في بعض خطبه، إذ أنه في حديثه عن الوحدة بدا وكأنه يشكك في وجودها. وانتم في «النداء» نشرتم تعليقاً حول هذه النقطة، كان الوحيد الذي التقط هذه القضية.
قرأت مقالاً للأستاذ (محمد حيدرة) مسدوس يناقش هذه المسألة. والحق انني لا أفهم طرحه. هنالك أخطاء يجب أن تصحح، لكن أن نعود إلى الانفصال لكي نتباحث مجدداً حول الوحدة، فكلام يصعب القبول به. على الناس أن تناضل لتصحيح الأوضاع في إطار الوحدة، وليس في أي إطار آخر.
مؤتمر المانحين
> قبل أسبوعين انعقد مؤتمر لندن للمانحين، وقد سبق المؤتمر طلب حكومي من البرلمان بالموافقة على اعتماد إضافي بحوالي ملياري دولار. معلوم أن لك وجهة نظر في النهج الحكومي بطلب اعتمادات إضافية على مدى السنوات الخمس الماضية، كيف تابعت هذين الموضوعين؟
- نظرياً لا يوجد تعارض بالضرورة بين الموضوعين (المؤتمر والاعتماد الإضافي). لكن الاعتمادات الإضافية تطلب دائماً نهاية العام، ومعنى هذا أنها قد صرفت، وإلا لا معنى لأن تطلبها أصلاً.
فيما يخص المساعدات والقروض، فإن قدرة استيعاب البلد (محدودة)، حتى نهاية 2005 يوجد نحو مليار دولار لم يتم استيعابها. في حركة القروض يبقى دائماً مبلغ كبير غير مستوعب.
> يعني لا توجد كفاءة في الاستخدام؟
- نعم. لماذا تلجأ إلى الاعتمادات الإضافية؟! لديك فائض (في الموارد) خصصه لميزانية العام المقبل بشكل طبيعي، و«مشي الميزانية الحالية إلى نهاية العام». لماذا تقفز على الإجراءات الدستورية والقانونية وتصرف بدون تفويض خارج الميزانية؟ العام الماضي بلغ التجاوز 54٪_ من الميزانية.
> وهذا العام نحو 35٪_؟!
- لأن الميزانية تريليون ومائتي مليار ريال. ما تفعله (السلطة) أنها تضخم ميزانيتها الجارية على حساب إيرادات غير متوقعة أو فجائية، وهذا لن يدوم. كان يجب خلق اقتصاد مواز للنفط حتى تنتظم ايرادات الدولة وتستقر وتتنامى. إذا لم تتحقق اكتشافات نفطية جديدة، وإذا انخفض سعر النفط أو تناقصت كميات إنتاجه، ماذا ستفعل؟ هل ستخفض أجور الناس من جديد؟!
> تعتقد أن الحكومة فوتت فرصاً عديدة لضمانات مستقبلية؟
- ليس هذا فحسب. هي لم تبنِ سياسة حقيقية لدولة. كأنها تعيش في معزل، وليست مسؤولة عن الناس، هذا أمر مخيف.
> ما تقييمك لنتائج مؤتمر المانحين؟
- المبالغ التي حصلت عليها اليمن ليست هينة. القضية الآن كيف ستدير هذه المبالغ، وكيف ستلبي شروط الآخرين؟
نتكلم الآن عن وعود من المانحين، والتجربة في أفغانستان والعراق، وفي مناطق الكوارث الطبيعية، وحتى في فلسطين، علمتنا أن هذه الوعود قد لا تتمخض عن شيء. وقد نأتي إلى النهاية ذاتها: تجمع الدولة إيرادات، وهذه الإيرادات لا توظف لصالح مستقبل البلد. ما هي الأداة التي ستدير هذه الأموال، وهل ستمكنك من تطوير وضعك الداخلي والإمساك بالمستقبل، أم أنك ستظل عالة على الآخرين في عالم يتغير؟ جيد أن تحصل على أموال. هذه الوعود جاءت من تقدير الآخرين إلى أهميتك، طيب هل ستتصرف بوازع من هذه الأهمية، أم ستستمر على نفس المسلك! وفي هذه الحالة تقلِّل من شأنك.
> أنت شخص أحدث تأثيراً هائلاً لدى الناس. كمستقل، وأثناء حكم الاشتراكي، وبعد الوحدة، وفي اللحظة الراهنة، كيف تعرِّف نفسك؟
- أنا يمني عربي مسلم.
> هذه دوائر طبيعية، لكني أقصد من ناحية أيديولوجية. أنْ تقول: أنا عربي أو مسلم، يختلف في دلالته عن القول: أنا قومي عربي أو إسلامي؟
- أنا أعرِّف نفسي هكذا.
> من خلال متابعتي خطابك، وحتى في هذا الحوار، لحظتُ نوعاً من المزج بين الفكرة القومية والفكرة الاسلامية.
- العروبة لسان وليس عنصراً. الاسلام حينما مزج شعوب هذه المنطقة لم يلتفت إلى (كون) هذا كردياً وهذا فارسياً وهذا عربياً. واحدة من المضار الأساسية التحزُّب القومي (الضيق). والعربي هو عربي لسان وليس جنساً. وأنا لم أنتمِ لأي حزب.
> حتى في مطلع حياتك؟ أعرف أن حضرموت ماجت بحركات سياسية نشطة في الخمسينيات. الحركات القومية، وبخاصة البعث، كانت نشطة في حضرموت، وكذلك حركات إصلاحية ذات طابع إسلامي.
- لا، لم أنتمِ حزبياً، لا للبعث ولا للقوميين العرب ولا للإخوان المسلمين.
> لكنك بعد الوحدة شاركت في تأسيس حزب «المنبر» مع عمر طرموم ومحمد عبدالقادر بافقيه؟
- صحيح.
> من المثل العليا لهذا الحزب يتضح أنه ذو طابع إسلامي.
- نعم، إسلامي معتدل.
> معتدل أم ذو ملامح ليبرالية؟
- نحن نؤمن أن الاسلام يعطي الحرية أهمية كبرى، وبالتالي فإن الحكومة الإسلامية حكومة مدنية بحتة. لم يرد في الاسلام نص يخص الحكم عدا الشورى، وهذه مقيَّدة بخبرة وتجارب الناس.
> لكن معروف أن المرحوم عمر طرموم كان من أهم قيادات حركة الأخوان المسلمين في اليمن، وبالنسبة للدكتور محمد عبدالقادر بافقيه كان الملمح القومي ظاهراً فيه؟
- كان في وقت من الأوقات ناصرياً، لكنه لم يكن قومياً بالمعنى الضيق. كان يحب عبدالناصر كثيراً.
> لماذا لم يستمر حزب «المنبر» رغم أنه بدأ كحزب لديه ما يضيفه إلى الحياة السياسية؟ أيمكن عزو السبب إلى قيام التجمع اليمني للإصلاح كقوة أكثر كفاءة في التعبير عن التيار الاسلامي الذي أردتم أنتم الاشتغال عليه؟
- فعلاً، السبب المباشر قيام التجمع اليمني للإصلاح. وفي واحدة من جلساتنا طُرح هذا الأمر، وناقشنا (الموقف في ظل وجود الاصلاح) كحزب يتميز بالامكانات. في هذه الجلسة اقترح البعض حلَّ حزب المنبر، وطُرح اقتراح بالانضمام إلى المؤتمر الشعبي العام أو حزب آخر. وتوافقنا على أنه لم يعد هناك إمكانية لاستمرار «المنبر» في وجود حزب آخر قام كبيراً.
> وإذاً أنت لم تمارس السياسة بالمعنى الاحترافي؟
- كلا.
> على مدى 5 أشهر، كنتَ في قلب العملية السياسية، أضواء وانفعالات وبرنامج يومي مختلف، هل تنعم بأوقات أفضل الآن؟
- نفسياً لم يتغير شيء.
> يعني لم يتغير شيء في طباعك؟
- لم يتغير شيء في طباعي. أنا دخلت الانتخابات من أجل التأكيد على أن الوحدة اليمنية يجب ألا تكون موضع نقاش وتساؤل، وأن الأخطاء في النظام السياسي اليمني كنظام فردي يجب أن تُصحَّح، ليس لاستمرار الوحدة فقط، ولكن لضمان مستقبل الشعب اليمني. شعبنا جَلْدٌ وعامل، ليس كسولاً، إذا أُتيحت أمامه الفرص.
> هذه نلمسها في المهجر، حيث يظهر اليمني جدارته إذا وجد الفرصة؟
- نعم. بإدارة صحيحة (يكون) لهذا الشعب مستقبل حتى بموارده البسيطة. أردت في الانتخابات أن أوصل للنظام رسالة بأن الناس ليسو راضين عنه، ويريدون نظاماً مؤسسياً، لا فرق في أن يبقى علي عبدالله صالح أو يأتي شخص آخر. ولا مجال لهذا البلد أن يتقدم وينفسح المجال أمام اليمنيين لأن يبدعوا وأن يتقدموا إلا بتغيير هذا النظام.
> تعتقد أن رسالتك وصلت؟
- نعم.
> والآن أنت تنعم بالاسترخاء هنا؟
- (ضحك).
> لعلَّك قرأت «الرجل المنسي» لناظم حكمت. الشخص الذي يكون في بؤرة التركيز الاعلامي ونجوميته ذائعة، ثم لأسباب عديدة، يُلقى في بئر النسيان. أنت تصديت لدور مهم، وكنت محاصراً بالعدسات والأضواء. الآن وبعد شهرين، هل حياتك تسير بشكل اعتيادي؟
- الأمور عادية جداً بالنسبة لي. أتابع الشأن العام، وسأظل كذلك، لأنني أتابعه من قبل (ترشحي للرئاسة).
> في فترة ما بعد الانتخابات، ومن خلال متابعتك للشأن العام، هل تمنيت لو كنت في موقع المسؤولية لحل مشكلة ما، ليست بالضرورة في المجال السياسي، ولكن أي همَّ من هموم الناس؟
- هذا النظام يسيطر بقبضة حديدية على كل الأمور. مثلاً الجمعيات والمنتديات والصحافة والنقابات سواء محامين أو صحفيين أو عمال أو غير ذلك، جميعها ينظر إليها بمنظار من الشك، ويعمل على السيطرة عليها. هذه الذهنية يجب أن تزول.
> هذا أمر يبعث على الانقباض.
- في الحقيقة يبعث على الحنق. ماذا يبقى للناس من مجال إذا الدولة ستستمر بهذا النهج؟
> ماذا تقرأ هذه الأيام؟
- أتابع الصحف الأسبوعية. أقرأ «النداء» و«الوسط» وصحف اللقاء المشترك، والصحف الأخرى التي يمكن أن تقرأ فيها شيئاً. الصحف الحكومية لا تقرأ فيها شيئاً.
> ماذا عن الكتب؟
- أقرأ في الاقتصاد. قرأت مؤخراً كتاب «العولمة وإحباطاتها» جوزيف ستيكلس. كان المستشار الاقتصادي لكينيدي، ثم تولى منصب الاقتصادي الأول في البنك الدولي. أقرأ أيضاً لجلال أمين في الاقتصاد. المناقشة الأساسية لهؤلاء أن البنك الدولي ومنظمة التجارة والصندوق، بالنهاية جميعها تأتمر بأمر وزير المالية الأميركي. وقرأت أيضاً «خيالات العولمة» لجون كراي، استاذ الاقتصاد في جامعة لندن.
> هذه الكتب تقرأها بالانجليزية طبعاً؟
- أنا أقرأ بالانجليزية، لأن الترجمات لا تؤدي في الحقيقة المعنى الذي يريده الكاتب. وبعض المترجمين ليس متخصصاً في الموضوع الذي يترجمه، فلا يحسن العمل، ويشوِّه المعنى.
لب أفكار هذه الكتب أنها تلحظ أن كل وصفات الصندوق والبنك الدوليين لم تأت بفائدة إلا في الدول التي كان لديها الاستقلالية في أن تقرر من ذاتها ماذا تأخذ من هذه الوصفات، وكيف تتعاطى مع هذه الوصفات. الدول التي كان عندها موقف مستقل، وأكبر مثال عليها الهند، ترعى فيه مصلحتها وتقرِّر أولوياتها، هي التي أفادت من وصفات المنظمات الدولية. قضايا الفقر والعمالة وتماسك المجتمعات، مسائل مهمة جداً جداً. خذ مثلاً ما يجري هنا: أصبح التجار وأصحاب الشركات يعيشون في جيتوهات (معازل)، في أماكن منعزلة تماماً عن الناس، ومحاصرين بالحراسات. لا يجب أن نعمل حلولاً لا تؤدي إلى تقوية المجتمع وتنميته حتى يستطيع أن يقوم بإدارة نفسه.
> هل تقرأ في السير الذاتية لزعماء وسياسيين؟
- قرأت في السابق مذكرات ديجول (بالترجمة العربية)، وقرأت مذكرات نلسون مانديلا، وبن جوريون (...).
> تنعم، كما أرى، بالعيش في مكان هادئ (البريقة)، هل تمارس رياضة المشي هنا؟
- المشي بالنسبة لي ضروري بسبب عملية القلب، على الأقل ساعة في اليوم.
> هل تقوم بذلك خارج المنزل؟
- عادة في الحوش، لأن المشي ينبغي أن يكون في مكان مسطَّح. أحياناً أتحرج في المشي خارج البيت، لأنني دائماً ما أُستوقَف من المعارف والناس الذين يُسلِّمون عليَّ، فالمشي يكون متقطعاً.
> ألا يوجد لديك مشروع كتابة سيرة ذاتية؟
- لا لا.
> أنت لا تكتب يوميات؟
- أكتب أحياناً أشياء لنفسي، لكني لا أكتب يوميات. أشعر أن الواحد كأنه يريد أن يضخم نفسه أو شيء من هذا القبيل.
> هذا تواضع زايد عن الحد؟
- (ضحك) وبعدين أنا أستثقل الكتابة، وحتى في أي مناسبة أو فعالية ما أحب أقرأ من ورقة.
> سمعت أنه خلال الحملة الانتخابية، كانت ترد إليك أوراق أو مقترحات برسائل معينة ينبغي أن تصل إلى الجمهور بحسب قادة المشترك، وكنت لا تحبذ ذلك، وتتجاهلها؟
- في شيء رئيسي، هو قضية التغيير. كل منطقة من المناطق لها مواضيع مهمة بالنسبة لها. في قضايا لا تشعر أن إثارتها صحيحة، وتتناولها من جانب قد يكون مضراً، لازم تكون ملتزماً بعدم المساس بحريات الناس وحقوقهم، وقضية الوحدة ومساواة الناس.
> ومع ذلك، ألا ترى الموضوع متصلاً بالاعتداد بالذات، واعتقاد المرء بأنه يعبِّر عمَّا يراه فعلاً وليس مضطراً للتعبير عن الجماعة في مفاصل معينة، أو مجاراة تفضيلاتهم التي يرونها في صالح الحملة الانتخابية؟
- أنا أقول إذا أردت أن تقنع الناس بشيء يجب أولاً أن تكون مقتنعاً به (ضحك). في خبيرين جاءا أثناء العملية الانتخابية: الأول جاء لغرض التصوير، وكيف تلتقط الصور وماذا تلبس وكيف شكل النظارة، وكان هذا مسؤولاً في حملة الرئيس الصربي الجديد. وشخص آخر عمل في حملة كلينتون. وفي لقاء معهما تكلمت بالطريقة التي أريدها. كان انطباعهم جيداً، وقالوا إنهم يشعرون بأنهم صدقوني فيما أقول.
 جرت محاولة ثانية، وقدمت إليَّ اقتراحات، كلٌ يقترح أن أقول شيئاً أو أركز على مسألة. وعندما تكلمت، قالوا: لم يعد عندنا الانطباع الأول. السبب طبعاً معروف (أضاف ضاحكاً) رغم أن هؤلاء لا يعرفون عربي أصلاً، الكلام لم يخرج بنفس الروح الذي خرج به الكلام الأول. النبرة هي الأدارة التي تصنع وقعاً لدى المستمع.
> لنضيف أيضاً بأنك لا تحترف السياسة، لأن المحترف لديه استعداد عالٍ لمجاراة الجمهور والجماعة لتحقيق مكاسب، بينما أنت تمارس السياسة من باب الهواية؟
- أنا أديت مهمة.

< تعيد «النداء» نشر مقتطفات من هذا الحوار الذي أجرته مع المهندس فيصل بن شملان في نوفمبر 2006 وتم نشره على جزأين في 29 نوفمبر و6 ديسمبر 2006، وفيه تكثيف لشخصية بن شملان الثرية في أبعادها، كما فيه استشراف مذهل للكثير مما يجري الآن في اليمن.