قبائل الجعاشن في مواجهة شيخهم للسنة الثانية ولذات السبب

قبائل الجعاشن في مواجهة شيخهم للسنة الثانية ولذات السبب

نزحوا قبل أسبوعين، وشيخهم يتهم قيادات إصلاحية بتأليبهم عليه ومحاولة تشويه صورته، فيما يعتبرهم جماعة تابعة للفضلي ويقول إنهم يدعون إلى الانفصال، وإن الإصلاح يشجعهم على التخريب مثلما شجع الحوثي سابقاً
> هلال الجمرة
يعيش مهجرو الجعاشن حياة بائسة في مخيّم نزوحهم في العاصمة صنعاء، منذ أسبوعين، منتظرين حضور السلطة في بلادهم لتؤمّن حياتهم كي يعودوا إلى بلادهم بأمان. هم يتجرعون قسوة البرد في مخيمات يرون أنها أكثر أمناً على حياتهم من العيش تحت تهديد السلاح في منطقة لا تحضر فيها الدولة.
قبل أشهر بذل هؤلاء المهجرون جهداً جباراً مع محافظة إب لإقناعها باستلام الزكاة منهم بدلاً عن الشيخ محمد أحمد منصور، عضو مجلس الشورى، الذي يلزمهم بتسليمها له سنوياً، ويفرض عليهم مبالغ بعلم من الدولة. وعلى مضض وافقت على طلبهم، وبدأوا في تسليم الزكاة إلى الحكومة متجاهلين الشيخ.
اعتبر الشيخ ذلك نقصاً في حقه، وبدأ بمواجهة هؤلاء، ما أدى إلى تهجيرهم من بيوتهم. ومنذ أسبوعين وهؤلاء يناشدون رئيس الجمهورية اتخاذ الإجراءات اللازمة لإيقاف اضطهاد الشيخ لهم.
فجر الاثنين 5 يناير، استيقظ عبده قايد عبده علي وأسرته، على أصوات "المدافع والرشاشات تضرب بشكل عشوائي" على قريته (الشقة)، أعقبها انتشار واسع لعساكر الشيخ محمد أحمد منصور، عضو مجلس الشورى، في أحياء قرية الشقة و3 قرى أخرى هي: المؤجرة والزرائب والكبّة، للبحث عن الرجال والشباب.
كان الرجال والشباب قد فروا من منازلهم للاحتماء من سطوة العساكر، توزعوا على "مزارع القات والأماكن البعيدة عن النظر والأجرف والشعابـ". كانوا يراقبون تحركات هؤلاء من أماكنهم الخفيّة على أمل أن ينتهي بطشهم أو يعودوا إلى أدراج الشيخ ليعودوا إلى ديارهم آمنين. بقي البعض 3 ساعات فيما قرّر آخرون الهرب قبل أن يكتشف العساكر مواقعهم وينزلوا عليهم أشد العذاب.
يومئذٍ، بدأ سكان 4 قرى من منطقة الجعاشن بالتسرب من ملاجئهم خلال جبال وشعاب المنطقة، صوب مديرية العدين، بعد أن فلتوا من أيادي العساكر الذين يبحثون عنهم في المنازل و"يوجهون لنسائهم أقذع العبارات والشتائم".
كابد عبده قايد عبده علي، 45 عاماً، عناء السفر (سيراً على الأقدام) خلال انتقاله من قرية الشقة إلى مديرية العدين رحلة العذاب: "كنت أسير من بقع تعبه (وعرة جداً) عشان ما يشوفونيش عساكر الشيخ، وكنتو جاوع بدون صبوح، ومشيك رجل (نحو) 10 كيلومتر، وما وصلك إلا وقد حالتي حالة". وقال إنه وصل ومجموعة من أبناء قريته إلى مديرية أمن العدين، وسجلوا بلاغاً بما أحدثه أعوان و"عصابة الشيخ بنا وبمنازلنا". واتصل بابنه الأكبر ذي ال12 عاماً، وطلب منه نقل أمه و3 من إخوانه إلى مديرية العدين، وجاء بهم في اليوم التالي.
في مخيم مهجري الجعاشن في صنعاء، التقت "النداء" بعدد من النازحين واستمعت إلى مأساة قالوا إن عمرها عمر الثورة، واستثنى آخرون، غالبيتهم من المسنين، فترة الرئيس إبراهيم الحمدي. أوضحوا أن مفاد تلك المأساة: "انتهاك وتعسف الشيخ محمد أحمد منصور وأتباعه في القرى، أي من يسمون عدول أو أعيان، لأبناء المنطقة، ومعاقبتهم، والتصرف في المنطقة كحاكم في دولة إقطاعية لا تعترف بالقانون والدولة". إضافة إلى استلام الزكاة منهم منذ قيام الثورة.
على باب المخيمين، اللذين قدمتهما لهم جمعية كنعان التي يرأسها العميد يحيى محمد عبدالله صالح، كان 4 نازحين يقفون على الباب، وحين طلبت منهم البوح بمأساتهم قال أحدهم إن عليه أخذ الأذن من "العدل أو الشيخ صادق غازي"، وسار نحوه لطلب ذلك. بعدها عاد رفقة صادق وسمح للجميع بالحديث.
تنهّد عبده قايد وقال: "رقدك وأنا بأمان الله، وقمك والاّ وقد الرصاص فوق البيوت ساع الجراد". وأضاف: "وعندما سألت المرة مابه قالت لي قم اهرب عساكر الشيخ بيرمو على القرية، وبعدين هربك وجلسك وسط الحول أتأمل وكان العساكر بلا حسابـ".
وواصل ابنه الأكبر مجاهد، 12 عاماً، سرد القصّة وكيف عبث العساكر في بيتهم أثناء البحث عن والده: دخل عسكري من حق الشيخ اسمه عبدالقوي السيد، ورش برميل الذرة بالرصاص لما فكه. وأضاف مبيناً ما أخذوه من محتويات البيت: بزّوا الشمط حق النسوان والدباب الغاز. وكشفت والدة مجاهد مفقودات أخرى ثمينة: بزّوا ال50 الألف حق بنت أخت زوجي، كنت بزيكهم أخبئهم في قطمة وطرحكهم بالسفل (مكان البقر)، وزد بزيك 20 ألف و30 ألف ومقاطب و2 خواتم ذهب، وجوا بزوهن كلهن. متهمة عساكر الشيخ بالنهب والسلب.
فؤاد أحمد ناجي مرشد، 35 عاماً، يقول: يوم الاثنين قبل الماضي أصبحنا على نيران محمد أحمد منصور تضرب منازلنا من الجبال لأننا دفعنا الزكاة إلى الدولة. ويصف انتشار عساكر الشيخ قائلاً: نزلوا على 3 فرق؛ فرقة لاقتحام البيوت، وفرقة لمحاصرة الناس وتشريدهم، وفرقة لمطاردة المواطنين. واتحاصرنا يوم كامل، وبعدين نزحنا على مجاري السيول حتى وصلنا مدينة العدين. وزاد: ومن عندما وصلنا إلى العدين ما عاد عرفنا شي عن أموالنا وبيوتنا.
مواقع المدافع عند ضرب قرى الجعاشن
أمّا أحمد قايد علي، 60 عاماً، الذي كان يومها يشتغل في يافع بمحافظة لحج، فلم يعرف بالأمر إلا عندما وصل إلى مدينة القاعدة القريبة من منطقة الجعاشن في اليوم التالي، ووجد عدداً من أبناء قريته نصحوه بألا يصل إلى بيته. "علمك أنهم شايمسكوني وجلست في القاعدة 5 أيام. وبعدين طلعك هنا عند أصحابي". وقال إن أصحاب قريته أبلغوه لاحقاً بأن عساكر الشيخ نصبوا معدّلاً في سطح منزله لغرض ضرب القرية المقابلة.
وأوضح المواقع التي استخدمها العساكر لضرب 4 قرى باستخدام الأسلحة الثقيلة: كانوا يضربوا من شعب الجبل على الصفح ومن الصفح على شعوب الجبل ومن سوم قوز الحبلة إلى الظهرة وإلى رأس شعب الدار ومن سوم الصفة إلى الشقة.
ولخص مشكلتهم مع الشيخ، وأرجع سبب السخط والحملة التي يشنّها عساكر الشيخ على منطقتهم إلى تخلفهم عن دفع الزكاة له ودفعها للدولة بدلاً عنه، وقال: "لنا 37 سنة وإحنا ندفع العشور إلى يده، وهذه السنة دفعناها إلى الدولة". مشيراً إلى الجهد الذي بذلوه من أجل أن تقبل الحكومة استلام الزكاة منهم: "قد اعتصمنا عدة مرات أمام مبنى المحافظة وكانوا يرفضوا يستلموا مننا، وبعدين لما انخفض المال عند الحكومة وافقوا يستلموا مننا، وذلحين طاردنا الشيخ والدولة تتفرج". مضيفاً أنه دفع للدولة زكاة سنتين مبلغ 60 ألف ريال خلافاً للشيخ الذي كان يلزمه بدفع "175 ألف في سنوياً".
لم يكن مهيوب حسن أحمد، 70 عاماً، موجوداً في قريته، صباح الاثنين، حيث كان في عزلة بعيدة، في عزلة القاهرة عند أخته. لكنه لدى عودته يقول: "مشينا بالسيارة على باب دار الشيخ، وهو مسكني ونزلني من فوق السيارة، قال لي انزل حارب مع الدولة، ونزلت من فوق السيارة وهربك البيت". بدا الحاج مهيوب متباهياً وهو يسرد روايته مع الشيخ وكيف استطاع أن يفلت من بين يديه: خليك الشيخ التفت بيحاكي واحد وأنا مشيك سكته.. اتروحك إلى البيت ورقدني المكالف (النساء) في الزوة وخبأني وكان به 4 معدلات حطوهن بالسقف". وواصل: رجعك القاهرة وكان به 2 أطقم من حق الشيخ يدوروا بعدي، وبعدين جزعك (قرية) الجوالح وهم ساروا شلوا عليا 2 بقر وثور، وبعدين نكعك (قفز إلى) صنعاء".
هزاع قاسم أسعد، 70 عاماً، قال إن أسرته هربت إلى بيت إحدى بناته المتزوجة إلى مأرب، فيما هرب هو إلى مخيم المهجرين في صنعاء. وأضاف: عساكر الشيخ خربوا بعض بيوت.. البيوت حقنا سع ديم الكلاب، لكن والله لو خربوا بيتي ما أقدر أصلحه. واعتبر أن ما يقوم به الشيخ وأعوانه من ممارسات "ظلم كبير، نهبوا عليا 10 حبات ذهبـ". وقال إنه مطارد من بيته "والله ما هربك من بيتي إلا بهذم اللي فوقي (أي ما عليه من ملابس)".
خالد علي أحمد قاسم، 19 سنة، الشاب الذي تخرج العام الماضي من الثانوية العامة، بدا متحمساً للحديث، وتلا عديداً من المطالب، قال إن على الحكومة أن تنفذها: نطالب بلجنة للنزول إلى الجعاشن لتقصي الحقائق، نزع أسلحة الشيخ وإيقافه عند حده، إحضار عصابة الشيخ وتقديمهم للعدالة، رد الاعتبار للناس مما تعرضوا له من انتهاكات واعتداءات وإعادة حقوقهم. ولأنهم يفتقدون إلى قوة الدولة وتواجدها في المنطقة كما يؤكد الجميع، طالب خالد الحكومة ببناء مركز للشرطة وعدم تدخل الشيخ، وإعادة النازحين إلى أراضيهم، وتوفير الحماية اللازمة لهم.
عساكر الشيخ نبشوا قبر ميت
بمبرر أنه دفن ومعه السلاح
وفي جلسة الاستماع التي نظمتها منظمة صحفيات بلا قيود ومنظمة سياج لحماية الطفولة، صباح الخميس، للاستماع إلى شهادات مهجري الجعاشن، قالت كاملة محمد أحمد إن عساكر الشيخ "تهجموا على منزلنا وأحرقوا ملابسنا ونهبوا حقنا الذهب ودباب الغاز وذبحوا الغنم والبقر وشردونا إلى صنعاء". مضيفة: حتى الأموات لم يسلموا من مليشيات.. (حيث) خرجوا ميت من القبر بدعوى أنهم دفنوا معه السلاح، وأنهم يقومون بمطاردة الإرهابيين. معتبرة "الإرهابي هو من يعمل على تخويف الناس، ويسلب ممتلكاتهم ويهتك عرضهم". آسفة على الحكومة التي تقف عاجزة عن عمل شيء.
وعبرت لبنى القدسي، عن أسفها أن تكون "بداية العام الميلادي الجديد مترافقة مع تشريد نساء وأطفال الجعاشن من منازلهم وقراهم، وأن تعاني هؤلاء النساء من العنف والقهر كل يوم". وقالت في كلمة ألقتها عن منظمة صحفيات بلا قيود: من المخزي والعار أن تنتهك حقوق هؤلاء الناس ومنظمات المجتمع المدني بهذا الكم الهائل في بلادنا ولم تحرك ساكنا.
واعتبرت مأساة مهجري الجعاشن "ظلما كبيرا يوجب علينا التصدي له وإيقافه". وأضافت: وأن ما يقع اليوم على أبناء الحعاشن يشعرنا بأننا مازلنا في زمن العبودية والجاهلية الأولى. متسائلة عن الدور الذي يقوم به هذا المجتمع ما الذي يجب علينا ونحن نشاهد أطفال الحعاشن محرومين من أبسط حقوقهم الصحية والاجتماعية؟".
"النداء" حاولت أخذ رأي الشيخ محمد أحمد منصور، فرد: "لا تسألنيش على الكذب، اسألني عن الصدق" وأقفل السماعة.
وكان محمد أحمد منصور -شيخ الجعاشن- اتهم في تصريح لـ"نيوزيمن" قيادات التجمع اليمني للإصلاح بمنطقة الجعاشن وذى السفال، بالوقوف وراء التشهير به، والزج بالمواطنين في صراعات معه. نافياً موضوع تشريده لأبناء الجعاشن أو إحراق منازلهم، ودفع إتاوات بالغة الكلفة عليهم.
ولفت إلى أن مجموعة من أبناء المنطقة قامت بقطع الطريق وقتل امرأة، وادعوا أنهم من أتباع طارق الفضلي، وأوصلوا رسائل للفضلي بأنهم من أتباع الحراك الجنوبي، وعلى أتم الاستعداد لتنفيذ أية مهام. مشيراً إلى التحرك الأمني في القضية، عقب ذلك، إلى مكان الحادثة، واعتقالها عدداً من الأشخاص، ويتم التحقيق معهم حالياً.
وأشار إلى إبلاغه رئيس الجمهورية بما قام به هؤلاء، مؤكدا أن "البلاد يحكمها نظام ودستور، والأمن يعمل على تطبيقه، وجميع مواطني الدولة تحت حمايته، ولا تمييز بين رعية محمد منصور بالجعاشن أو أي مواطن بأية محافظة".
وإذ اتهم الشيخ منصور أعضاء الإصلاح بتحويل الجعاشن إلى صعدة أخرى، لتشجيعهم أعمال قطع الطرقات وسلب المواطنين والاعتداء عليهم، وعدم خضوعهم لدستور وقانون البلاد الذي يحمي الجميع من أي ابتزاز، قال إن الإصلاح "مثلما وقف مع الحوثي أثناء ممارسته لتلك الأعمال، اليوم يقف مع مواطني الجعاشن".