صباح الخير يا مقبل

صباح المجد يا مقبل!
صباح الصبح الذي آليت إلاَّ أن تكتب قصيدته مع الفجر
ولا ترحل.
صباح الصبح الذي قررت أن تكون عنوان فاتحته، وألا تغادرنا إلاَّ إلى صبحك الأجمل.
صباح العشق الذي شددت الرحال إليه، بعد أن توارى الجمع من حولك.
وبقيت أنت أنت..
مثل السيف أنت
بقيت بشوشًا صبوحًا كوجه الشهيد.
تقف على شرفة التاريخ
تسامر الرؤى الحالمة.

* * *

فجر أنت أطل على أيامنا المتعبة فأزال ما علق بها من غبار.
عبوسًا كان ليلنا حتى هللت علينا مؤنسًا وحدتنا، مفككًا طلاسم وحشتنا.
الله ما أقسى فراقك يا مقبل على شجن القلب.. شجر العمر.. تعب الروح.
أخي ورفيقي وصديقي، وأستاذي..
معك وبالقرب منك تهجيت أبجدية الصبر وهو يعانق ذرى الفعل البطولي.
فكنت أنت
وكنا مريديك
في "الجبة"
حاملي "الخرقة".
كنت أحد شهود ذلك الصباح المزدحم بالإرادة.
صباح استهللته بتقريع رعاة الليل.. حراس التفاهة..
كنت حاضرًا..
شاهدًا..
وأنت تزيل عتمة الغسق بمصباح كلماتك النَّبِيِّة
ملوِّحًا إلى النعمان/ الأستاذ..
وكأنك تقول للمعنيين بالقتل
من تعودوا اغتيال الصباح
اعتقال الفرح
تقول لهم:
من يؤبن من؟!
من يكرم من؟!
هل يحق للقاتل أن يكفن الضحية؟!
حينها أدركت أنكما:
النعمان وأنت وجهان لصباح واحد

* * *

علمت وتعلمت وأنا على مقربة منك أن الصبر فعل بطولة..
روح فداء ومقاومة..
وهو ما كنته بفعلك طيلة ستين ربيعًا من التطريز على درب الحكاية.
سورة مقاومة كنت
سِفْر رواية أنت من كان يكتب فصولها حرفًا حرفًا..
بدأت
حين أبيت مهادنة المحتل ومقايضته بالشعارات السلاموية، وقلت إجابتك القاطعة لدعاة المفاوضات مع المستعمر.
معلنًا أن الله لا يحب التواكل.
ويحب الفجر أكثر.

* * *

صباح الخير يا مقبل.. صباح مجدك المقبل.. صباح حرفك الموقد لنور الفعل.
صباح الفل وهو يحكي عن هديل حمام قلبك المتعب.
صباح النرجس يطوق اسمك من جهات الروح ويقول لا تقلق.
جميعنا حولك.

* * *

وأنا في ذروة الانهماك في انتظار من يغسلون أريج جسدك بعطر العشق
قلت للسائرين خلف رفاتك:
مثل هذا الصبح لا يأفل
مثل هذا الجسد المكحل بنور الله لا يغسل
إلا بماء المسك.
مثل هذا "المقبل" لا يوارى
مثل هذا الياسمين لا يقطف.
هكذا دون طقوس يغادر
إلى جهات الأرض يحلق بجواز مقاومته، وجزالة معاني كلمه.
هكذا يذهب بطهارة مواقفه، وأصيل هويته.

* * *

لا يخطئ كتابة الجملة الصوفية.
مواقفه تسبق أقواله
هو في شغف المودة منتشر
في شجن المحبة مقيم

* * *
المقاومون هم البشارة راية الفداء
لذلك لا يموتون إلا بالمعنى المجازي.. فصباحاتهم تلاحقنا لتدل عليهم

* * *
وهو في ذروة صعوده الجسدي إلى الأعلى قلت عنه بعض البعض مما يلزم من القول..
وفي ذلك الصباح وأنا بقربه سمعته وهو مستلقٍ على سجادة الفرح.. ويهم بالرحيل إلى الآتي.. سمعته يهجس هامسًا:
لا تتعجب يا رفيقي إن قلت لك إني عائد إليكم
ستجدونني بينكم أدل إلى بعض ما نسيته من القول، وأذكر نفسي الأمارة بالنسيان بالكثير مما يجب أن ينجز من الفعل.
هذا ما يجب أن يكون!
وأنا في "غيبتي" في "سرداب" الخفاء والتجلي كمقاوم، وليس "كمهدي معصوم".
وما عليكم رفاقي إن تأخرت بعض الوقت، سوى شحذ صارية الفعل المقاوم، الذي
"أفقنا على صبحه".. وهي وصيتي..
مع أنني لا أميل للتعاطف مع ثقافة الوصية، ففيها اشتقاق لغوي من معنى الوصاية، أو شيء من ذلك القبيل، لأن مهمتي -كما كان يقول ويفعل- ليست هندسة تصاريف قواعد النحو والصرف، بل تحويل الكلمة إلى فعل تغيير.

* * *
صباح الخير يا مقبل
صباح مجدك المقبل
صباح حرفك المشعل لنور الحق.
كنت أمينًا على كل صباحاتنا ولم تهن.
في قمة الوجع حملت ثقل "الأمانة" على كاهليك
وكنت الصادق الأمين
لم تتعب.
ولم تخذل مريديك، فالأمين الصديق
لا يكذب أهله.
الأمين القادم من صلب أصلاب الشعب، وليس من وَهْم مشجر الأنساب.
مثل حد السيف أنت
مثل الواحد المتعدد كنت
رمزًا عشت..
عظيمًا رحلت
هكذا أنت.