الحشرات المحظوظة!

في القرن الرابع عشر الميلادي، أقام سكان قرية "شور" السويسرية، دعوى ضد "الدودة البيضاء"، وعندما تخلفت الدودة عن المثول أمام المحكمة، نص قرار القاضي على أن "الدودة المتهمة هي من مخلوقات الله، ولها الحق في العيش، ومن الخطأ أن تُحرم من الحياة والوجود".. وتنفيذًا لقرار المحكمة، قام سكان البلدة بتخصيص منطقة مزروعة بالأشجار لهذه الدودة المحظوظة لتعيش بسلام، ودون أن تتسبب في إيذاء الناس.

وفي محاكمة مشهورة للحشرات العام 1945م، في سويسرا أيضًا، وبعد فصاحة محامي الدفاع ومرافعته الذكية، أقرت المحكمة تخصيص أراضٍ مناسبة للحشرات كي تعيش بأمان، وتشكلت لجنة مختصة أمضت وقتًا طويلًا في اختيار مناطق مناسبة لتنتقل الحشرات إليها.. فهي كذلك مخلوق من مخلوقات الله، ولها الحق في العيش الكريم.. لكن يبدو أن المكان الجديد لم يعجب الحشرات، فلم تنتقل إليه.

وفي البرازيل، العام 1713م، أُحضر النمل الأبيض إلى المحكمة بتهمة التهامه الطحين وقضمه الدعائم الخشبية لإحدى الكنائس.. وصدر في نهاية المحاكمة قرار يقضي بمغادرة النمل الأبيض جميع المناطق التابع للكنيسة، وحُددت له منطقة يعيش فيها، غير أن النمل الأبيض لم ينتقل إلى المنطقة الجديدة، ما اضطر رهبان الكنيسة إلى مغادرتها، وترك النمل يعيش وحيدًا.. فرغم كل شيء، النمل الأبيض مخلوق من مخلوقات الله، وقتله أو طرده بالقوة مسألة ينبغي إعادة النظر فيها.

نماذج محاكمات الحشرات، وانتشار جمعيات الرفق بالحيوان في بلاد الله الأخرى، بقدر ما تؤشر للفروقات الحضارية (بيننا وبينهم)، فإنها تصيبنا بكم هائل من الدهشة والذهول، وبكم مضاعف من الحزن والأسى.. والمفارقة المحزنة أن الإنسان عندنا وهو أيضًا -كما الحيوان تمامًا- مخلوق من مخلوقات الله، وله الحق في الحياة.. إلا أن هدر دمه وقتله، دائمًا ما كان أسهل من دهس صرصور.