صنعاء على هامش كابل

صنعاء على هامش كابل

*منصور هائل
قبل أن نأتي على المؤتمر الدولي حول «اليمن» الذي تقرر انعقاده في 28 يناير القادم بموازاة مؤتمر دولي حول أفغانستان، وتحت ظلال وعلى هامش ذلك المؤتمر الذي سينعقد في نفس اليوم، يتوجب التنويه إلى أن الذهاب إلى مؤتمر لندن سوف يندرج في سياق إسناد نظام صنعاء بل وإنجاده من طوق الأزمات الحادة التي تحاصره من كل اتجاه بوسيلة تدعم نهجه الدائم والثابت و«المبدئي» القائم على الهروب إلى الأمام عبر حبل نجاة، اسمه هذه المرة: المؤتمر الدولي.
وليست بخافية على أحد تلك المآلات التي طالما أفضى إليها أسلوب الأخذ بالنتائج والتعامي على الأسباب، وليس بخافٍ على أحد ما يعنيه اليوم تجاهل الأسباب التي جعلت اليمن قاعدة لـ«القاعدة»، ومركزاً لتنسيق وتصدير الهجمات الخارجية والدولية لتنظيم «القاعدة».
ذلك أن «القاعدة» ليست برانية ولا غريبة عن اليمن واليمنيين، فهي منهم وإليهم، وهي منتج محلي، بالدرجة الأولى، وقد كان ميلادها في اليمن أسبق من موعد ميلادها المعلن في العالم، وحتى في أفغانستان.
ولئن كان دور أفغانستان يدعونا إلى التواضع والقبول بمنطق التوأمة السياسية، أو بالمنافسية على الحق بالأسبقية، فإن مقتضيات الحال الراهن تدعونا إلى الإقرار بأن «القاعدة» في اليمن تعتبر جزءاً أصيلاً من النسيج الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والذهني، وجزءا من الانقسام الأهلي والتناحر والتشظي، بالإضافة إلى أنها تشكل التجلي المتطرف لانقسامات المجتمع وحرائقه وحروبه.
من هذه الزاوية، كان من الأحرى النظر إلى الأسباب الأعمق والأبعد المولدة لـ«القاعدة» التي غدت قناعاً من أقنعة الحروب الأهلية المتواترة، والدورية والمستدامة في اليمن، وهي حروب كانت ولا زالت تدور بمسميات وعناوين مختلفة -جمهورية، ملكية، يسارية، يمينية... الخ- في الظاهر، رغم أنها عبارة عن حرب واحدة ممتدة كانت وما برحت تتغذى من التذرر والتمزق، ومن ثقافة وقيم وتعليم وتربية وخطاب يقوم على الإقصاء والإلغاء والتقتيل.
من هذه الزاوية، أيضاً، كانت «القاعدة» هي العلامة العصرية وبطاقة اعتماد صنعاء للدخول في نادي حروب الكبار مع مطلع العام الأول للعقد الثاني من الألفية الثالثة.
ولكم أن تقولوا إن «القاعدة» كانت هي الشيطان الرحيم بهذا النظام وخشبة خلاصه بعد أن استنفد صلاحية البقاء حتى بالاعتماد على قوة قصوره، وعلى الصدف التي تمطر بها السماء.
وفي المحصلة ارتمى النظام في أحضان التدويل بغرام تستنكره القبائل، وأصبحت اليمن برسم الوصاية والتدويل.
وبقطع النظر عن التصريحات التي تصدر عن صنعاء بقصد تمويه هذا المعطى، فقد كان جوردن براون رئيس الحكومة البريطانية، شفافاً وسباقاً حينما دعا إلى اجتماع رفيع لمناقشة أفضل طريقة لمحاكمة التشدد في اليمن.
وفي 4 يناير حذرت صحيفة «الاندبندنت» البريطانية القوات الدولية من الوقوع في براثن أفغانستان أخرى، «فاليمن كأفغانستان، ولديها نظام قبلي قوي، وسلطة الحكومة المركزية محدودة كسلطة «نظام حامد كرزاي» في كابول و... ».
وفيما كان الأجدر بالمعنيين والحريصين على استقرار اليمن والمنطقة داخل اليمن وخارجها، الدعوة لعقد مؤتمر حوار بين فرقاء المسألة اليمنية قبل عقد المؤتمر الدولي، وفي حين لازال النفق يتوفر على آخر خفقة ضوء يمكن أن تشعل جذوة الأمل بالإمساك بمدخل أفضل، يبدو أن الأمور تسير نحو إفلات مقود الحصان والهرولة إلى الركوب على عربة عمياء وتكريس عام 2010 كعام للكوابيس الواقعية السوداء.
وكان لافتاً أن صنعاء تلقفت الدعوة لعقد مؤتمر دولي بغيرما تحسس لما يعنيه تجاهلها وعدم الأخذ برأيها عند طرح فكرة المؤتمر وتحديد موعد انعقاده، وبدت على درجة كبيرة من الحماس وقلة الكياسة عندما صرحت بأن فكرة عقد مؤتمر للحوار الداخلي ستؤجل إلى ما بعد انعقاد مؤتمر لندن بيومين: تهافت على الغنيمة.
وبدت صنعاء كمن استعاد بعض البريق والمعنى، واستفادت كثيراً من التحشيد الأمريكي ضد «القاعدة»، وبالتالي ضد اليمن، وانحصر همها في الهروب إلى الأمام من مواجهة استحقاقات لا تحتمل التأجيل.
في الأثناء كانت جميع الإحصاءات وتقارير المؤسسات الدولية تجمع على أن اليمن هي الدولة الأفقر عربياً، والأشد فساداً في العالم، والأكثر احتمالاً للانفراط والسقوط، وهي الصومال الذي تأجل بتأثير شيء سوريالي أو قريب من الواقعية السحرية.
.. الغريب والمريب في أمر صنعاء اليوم أنها تهرب حتى من صنعاء، وتنتحر دونما أي قدر من البهاء التراجيدي.
mansoorhaelMail