انتصار الحمادي.. عارضة الأزياء التي حول الحوثيون حلمها بالشهرة إلى كابوس

دون محاكمة عادلة أو معاملة إنسانية، مثلت انتصار الحمادي (20 عامًا) أمام المحكمة الابتدائية في صنعاء الخاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين)، مطلع 7 فبراير 2021م، بتهمة ارتكاب "فعل فاضح"، وأصدرت المحكمة قرارًا بسجنها خمس سنوات مع زميلتها يسرى الناشري وأخريات، وهو ما أيدته محكمة الاستئناف بعد عامين، في 12 فبراير 2023.

وفي 19/9/2023، قدم المحامي صقر السماوي (الذي وكلته انتصار في الأشهر الأولى بالدفاع عنها أمام المحكمة) طعنًا في الحكم إلى المحكمة العليا، وعلى الرغم من مرور خمسة أشهر على تقديمه، إلا أنها لم تبت فيه حتى بعد دخول انتصار عامها الرابع وهي خلف قضبان السجن تنشد الحرية.

إنتصار الحمادي(منصات التواصل)
إنتصار الحمادي(منصات التواصل)

انتصار الحمادي، الممثلة وعارضة الأزياء اليمنية، اعتقلت بطريقة تعسفية، وتم تلفيق عدد من التهم ضدها، وتعرضت للإهانة والتعذيب الجسدي والنفسي، ولاتزال تنتظر العدالة الغائبة حتى اليوم.

في 20 فبراير 2021م، كانت انتصار وزميلتها يسرى الناشري في سيارة في حي شملان، شمالي غرب صنعاء، عندما تم إيقافهما من قبل نقطة عسكرية مستحدثة، وتم تفتيش حقائبهما الخاصة التي لم تكن تحتوي سوى على هواتفهما الشخصية وأدوات تجميل. وتم اقتيادهما إلى سجن تابع للبحث الجنائي، غير المختص مكانيًا، دون أن يصدر أي أمر قضائي بذلك، في مخالفة صريحة لنصوص الدستور اليمني الذي يحظر الاعتقالات التعسفية، وينص على حقوق المقبوض عليهم.

تنص المادة 48 الفقرة (ب) من الدستور اليمني على أنه "لا يجوز القبض على أي شخص أو تفتيشه أو حجزه إلا في حالة التلبس أو بأمر توجبه ضرورة التحقيق وصيانة الأمن يصدره القاضي أو النيابة العامة وفقًا لأحكام القانون".

لم يكن ذلك هو الخرق القانوني الوحيد الذي ارتكب في حقهما، فقد تم نقلهما إلى النيابة المناوبة بعد منتصف الليل، وتم التحقيق معهما وإجبارهما على التوقيع والبصم على أوراق لم يعرفا ما هو مكتوب عليها، وتم إخفاؤهما عن أسرتيهما لمدة عشرة أيام، حتى تم نقلهما إلى السجن المركزي بصنعاء، حيث تم إبلاغ والدة انتصار التي تعاني من مرض مزمن، وعانت ويلات غياب ابنتها عنها دون معرفة مكانها لعدة أيام.

قضية انتصار لفتت انتباه وسائل الإعلام المحلية والدولية، وحظيت بالدعم والمناصرة من قبل المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، التي استنكرت الانتهاكات التي تعرضت لها، وطالبت بالإفراج عنها وعن زميلاتها. ولكن هذا الدعم كان له تأثير عكسي على انتصار.

وهو ما كانت شاهدة عليه المحامية سماح سُبيع، حيث قالت إنه وعند حضورها إحدى جلسات المحاكمة، رأت كيفية تعامل السجانة مع انتصار حينما قامت بسحبها من مؤخرة رأسها بطريقة عنيفة وسيئة، وهو ما جعل سبيع تقوم برفع شكوى ضدها آنذاك، وقد تم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق السجانة بحسب ما أبلغت   به وزارة الداخلية المحامية سُبيع.

وعلى الرغم من الدور الإيجابي الذي لعبته وسائل الإعلام تجاه قضية الحمادي، إلا أن بعض الإعلاميين والناشطين كانوا ينشرون أخباراً غير صحيحة عن قضيتها، مثل خبر حلق شعرها أو تعرضها للاغتصاب، مما زاد من معاناة والدتها وأسرتها، الذين كانوا يتلقون أخبارًا مغلوطة يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي دون التحقق من صحتها.

جلسات المحاكمة
كانت انتصار تنتظر مصيرها في محكمة غرب الأمانة بصنعاء التي عقدت أول جلسة لها في يوليو 2021م، بحضور فريق قانوني تابع لمنظمة مواطنة. وفي تلك الجلسة، أخبرت المحكمة انتصار أنهم سيجرون لها "كشف العذرية"، وهو إجراء يعتبر شكلاً من أشكال العنف الجنسي والتعذيب بموجب القانون الدولي، حسب بيان منظمة العفو الدولية. وقد رفض هذا الإجراء المحاميين المتواجدين.

من جهتها، قالت المحامية سماح سُبيع، في حديثها لـ"النداء"، إنها قامت بالتواصل مع سلطات أنصار الله (الحوثيين) منها وزارة حقوق الإنسان والنائب العام وإدارة السجن المركزي، وأكدت لهم أن إجراء "كشف العذرية" مخالف للقانون، كونه لا يوجد أي نص قانوني، كما أنه مخالف للأعراف والعادات في المجتمع اليمني.

وأدت كل تلك الضغوط إلى توقف الإجراءات، وبالتالي تمت حماية انتصار وزميلاتها من هذا الانتهاك.

بعد هذه الجلسة، انتشرت أخبار عن احتمال إطلاق سراح انتصار وزميلاتها، ولكن الصدمة كانت عندما أصدرت المحكمة الابتدائية، في 7 نوفمبر 2021م، حكمها بالسجن خمس سنوات على انتصار وزميلتها يسرى، وثلاث سنوات على محلية، وسنة واحدة على أخرى، بتهمة ارتكاب "فعل فاضح".
وعند سماع الحكم، انهارت انتصار بالبكاء، لأنها كانت تأمل في الخروج من السجن والعودة إلى أحضان والدتها المريضة وشقيقها الذي يعاني من مشاكل في الدماغ، والعودة إلى حياتها الطبيعية، وطموحها في أن تصبح عارضة أزياء مشهورة.

وكان المحامي الأسبق لانتصار، خالد الكمال، نشر بياناً توضيحياً حول الحكم الابتدائي، إذ عبر عن أسفه، ووصف الحكم بالجائر والظالم في حق موكلته، مشيراً إلى أنه لم يستند إلى أي أدلة حقيقية تثبت تورط موكلته بأي عمل مخل بالآداب أو غيره، مؤكداً أن الحكم سياسي بامتياز.

الأب المسن والضرير يبكي ابنته
لم يكن والد انتصار "عبد الرحمن" الرجل المسن والضرير بمنأى عما حدث لابنته رغم بعده وإقامته في إثيوبيا. وقد ظهر قبل عام في فيديو يتحدث عن ابنته بحرقة قائلًا: "ابنتي صغيرة لا تعرف هذه الأشياء، والله المستعان".

وعبر والدها عن حزنه الشديد لما تمر به ابنته، وقال إنها ستتعقد من الحياة، ولن تكون جيدة في دراستها، وحياتها ستدمر، معبرًا عن ألمه بتلك الدموع التي حبست كل كلماته.

تأييد الحكم ورفض الإفراج
بعد تأجيل عدة جلسات، ومرور ما يقارب العامين منذ إصدار الحكم الابتدائي، عقدت محكمة الاستئناف جلستها في 12 فبراير 2023م، وأقرت تأييد الحكم الابتدائي.

كانت انتصار وحيدة خلف القضبان، تتلقى قرار تأييد الحكم بسجنها. أفرجت السلطات الأمنية، في مايو ٢٠٢٢، عن زميلتها يسرى الناشري التي اعتقلت معها، وفقًا لتقارير استخرجتها والدتها (سورية الجنسية) وقدمها محاميها، تفيد بأن ابنتها مصابة بمرض "السرطان". وهذه الأخيرة ظهرت بعد خروجها من صنعاء على عدة قنوات فضائية تتحدث فيها عن الانتهاكات التي طالتها وزميلتها انتصار منذ اختطافهما.

وتعقيبًا على تأييد الحكم، أكدت الصراري أن القضاء لم يضمن لانتصار إجراءات محاكمة عادلة، ولا عونًا قانونيًا يتابع الإجراءات.

متابعة الإجراءات
واستمرارًا لمتابعة الإجراءات، قامت المحامية سماح سبيع، وبموجب التوكيل الذي عملته لها موكلتها انتصار في 2022م، بالتحرك في عدة اتجاهات، منها متابعة السجن المركزي، وذلك للنظر في الشكوى التي كانت تصلها من انتصار حول تعرضها للانتهاكات من قبل السجانات، وكذلك الذهاب إلى وزارة حقوق الإنسان ومكتب النائب العام، والتواصل مع قيادات تابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين).

الأم تناضل من أجل إطلاق سراح ابنتها
ولاتزال والدة انتصار هي الأخرى تتابع خلف قضية ابنتها، ولم تفقد الأمل، رغم كل الوعود التي تجدها من كل الجهات المعنية، على رأسها وزارة حقوق الإنسان. وتقول الأم إن انتصار هي المعيلة الوحيدة لأسرتها التي تعيش ظروفًا اقتصادية سيئة جدًا. وتضيف: "انتصار بنتي الوحيدة، وهي بريئة من كل هذه التهم. أناشد كل الجهات الحقوقية والإنسانية التدخل لإنقاذها من هذا الظلم".

العقوبة المجحفة
تواجه انتصار الشابة اليمنية الإثيوبية، عقوبة السجن لخمس سنوات بتهمة ملفقة، حولتها إلى ضحية للظلم والاضطهاد من قبل سلطات أنصار الله (الحوثيين).
الفتاة العشرينية الحالمة كانت تتطلع لأن تصبح عارضة أزياء مشهورة، وأن تعرض تراث بلدها، لكنها وجدت نفسها وحيدة خلف القضبان تنتظر العدالة الغائبة.
انتصار تطالب كل المنظمات والجهات الحقوقية والإنسانية بالتدخل لإنقاذها من هذا الظلم والمعاملة اللاإنسانية. وتأمل في الحصول على الحرية والعدالة، والعودة إلى حياتها الطبيعية.