عشرات من اليمنيين عالقون في قطاع غزة تحت ضراوة وهول قصف الطيران والصواريخ وقذائف الدبابات والمدافع الإسرائيلية. العالقون اليمنيون -كإخوانهم الفلسطينيين- يتعرضون لحرب إفناء وإبادة أكثر توحشًا وهمجية وتقتيلًا من كل حروب التاريخ التي عرفتها البشرية.
في الرقعة الضيقة من الأرض التي يسكنها أكثر من مليونين، يُدفع مليون وثلاثمائة ألف إلى مدينة رفح، ويلقى عليها من القنابل الذكية التي تدمر القنبلة الواحدة حيًا بكامله. يلقى على المليونين المحاصرين لأكثر من ستة عشر عامًا، أضعاف ما ألقي من قنابل على هوريشيما وناجازاكي من قوة تدمير وتقتيل.
محاولات السفارة اليمنية في القاهرة في إنقاذهم دون جدوى بسبب الصلف والتعنت الإسرائيلي كإصرار على إبادتهم مع إخوانهم الفلسطينيين.
يقدر عدد العالقين بنحو 100 شخص، معظمهم من أبناء الزيجات المختلطة. حصلت صحيفة «النداء» على كشوفات بأسماء عدد منهم، وغالبيتهم من النساء والأطفال، كما تلقت «النداء» مناشدات من آخرين يعيشون في العراء وداخل مخيمات مهترئة في خان يونس ورفح، وفقاً للتقرير الذي أعده الزميل عادل عبدالمغني، ونشرته الصحيفة مطلع الشهر الحالي.
المأساة أن بعضًا من هؤلاء العالقين هرب من الحرب اليمنية قبل تسعة أعوام إلى غزة، ليعيشوا ظروفًا غاية في البؤس والخوف من القتل بالقصف أو المجاعة، وقسوة التشرد في العراء وبرد الشتاء وأمطار الأبيض المتوسط.
ومن يقرأ شكاوى الأطفال والأمهات والمسنين ينفطر كبده حزنًا على هؤلاء اليمنيين المشردين الذين يقفون في طوابير طويلة تنتظر الحصول على ما يسد الرمق، ويبقي على الحياة، ويحز في أنفسهم، ويضاعف الحزن والشعور بالغبن رؤيتهم مواطني دول أخرى يغادرون إلى بلدانهم فيما هم عالقون.
هؤلاء اليمنيون العالقون يعيشون بلا مأوى ولا طعام كافٍ، حيث يحصلون على خمسة كيلو من الطحين بعد ساعات طويلة من الزحام والتدافع والمهانة حد الإذلال، ثم تبدأ معاناة ومتاعب البحث على الحطب، ولا نجاة من التنمر والاعتداءات الكثيرة التي تصنعها ظروف الحرب، وكثيرًا ما يجري سطو الجائعين على الخبز قبل إنضاجه في تقرير الزميل عادل عبدالمغني، يشير إلى الآتي:
المعاناة الشديدة والمتواصلة وسط القتل والرعب على مدار الساعة. الأمطار وبرد شتاء الأبيض المتوسط المصحوب دومًا بالثلج يزيد الأمور سوءًا وخطورة.
قالت الأم الأربعينية: إن طفلتها كتبت على يدها اليسرى وقدمها اليمنى اسمها؛ ليتم التعرف عليها في حال قتلها أو موتها. الأمهات لم يعدن يخشين الموت، بل هو أمنية غالية في ظل رؤية ما يشاهده أطفالهن، ضحايا الجوع والبرد والأوبئة الفتاكة والقصف المتواصل.
طوابير طويلة تنتظر الحصول على ما يسد الرمق، ويبقي على الحياة، ويزيد حزنهم حد القهر عندما يرون مواطني عدد من الدول يغادرون بتدخل قوى حكومتهم، ولا يرون اهتمام بلادهم بشأنهم.
يحكي أحدهم أنهم يعيشون بلا مأوى في ظروف غاية في القسوة، ويحصلون على خمسة كيلو من الطحين بعد ساعات طويلة من الوقوف في الزحمة الشديدة، والتدافع، ثم تبدأ محنة البحث عن الحطب. ولا منجاة من التنمر والاعتداء والسطو على خبز قبل الانتهاء ومن تحضيره.
الحرب جعلت البعض يستقوي على الآخرين. يموت العديد منهم، ومن تبقى ينتظر الموت. يقول مسؤولو الحكومة: إنهم أولوا موضوع العالقين اهتمامًا عاليًا، ومازالت تُبذل مساعٍ دبلوماسية لإجلاء الرعايا.
يشرح المستشار الإعلامي في السفارة اليمنية في القاهرة الأستاذ بليغ المخلافي، في حديثه لـ"النداء"، أن السفارة أعدت كشفًا بأسماء العالقين في قطاع غزة، حيث إن عددهم 85 شخصًا: 37 يحملون الجنسية اليمنية، و48 يحملون وثائق فلسطينية، وتربطهم علاقات من الدرجة الأولى بحاملي الجنسية اليمنية: أزواج، زوجات، أبناء، وأنهم يتواصلون مع الأشقاء في قطر للتدخل كوسطاء لدى الجانب الإسرائيلي، وأن السفارة تواصلت مع الخارجية الأردنية لذات الغاية، ولكن التعنت الإسرائيلي هو العائق.
كما سلمت السفارة كشفًا بأسماء العالقين للجانب المصري، ولكن الاحتلال الإسرائيلي هو المتعنت، وبذلنا جهودًا مع السفارة الفرنسية، والاتصالات مستمرة؛ معربًا عن الأمل في تحقيق نتيجة.
ويضيف المخلافي: ندرك الصعوبات التي يعيشها اليمنيون العالقون في غزة، والوضع يتطلب جهدًا مكثفًا لإنقاذ العالقين. ويقترح التقرير دعوة المنظمات الحقوقية والإنسانية للتحرك، وتوفير الدعم والمساعدة لهم وإنقاذهم من الهلاك.
نكرر النداء والمناشدة للمسؤولين اليمنيين، وللدول المعنية، ولذوي الضمائر الحية، والمنظمات الإنسانية، والعفو الدولية والمجلس الأعلى لحقوق الإنسان التدخل والعمل على إنقاذ حياة هؤلاء العالقين الضحايا المهددين بالإبادة.