جامعة صنعاء تجبر منتسبيها على المشاركة في مسيرات ودورات عسكرية

جانب من المسيرات التي يشهدها الحرم الحامعي(منصات التواصل)
جانب من المسيرات التي يشهدها الحرم الحامعي(منصات التواصل)

فرضت جامعة صنعاء على كافة منتسبيها من طلبة وموظفين وأكاديميين، المشاركة في الوقفات والمسيرات التي يشهدها الحرم الجامعي، صباح كل أربعاء، وكذا الانخراط في دورات عسكرية تنظمها الجامعة للموظفين، على دفعات.

وقالت مصادر مطلعة في إدارة الجامعة إن قرارًا غير معلن لرئاسة الجامعة، يفرض على الطلبة والموظفين والأكاديميين، الخروج الأسبوعي في الوقفات والمسيرات التي تنظمها كل كلية على حدة، ويتم فيها ترديد الشعارات المؤيدة لفلسطين، والمنددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة، والمؤيدة لاستهداف السفن الإسرائيلية والأمريكية في البحرين الأحمر والعربي.

جانب من مسيرة للطلاب والأكاديميين والموظفين(النداء)
جانب من مسيرة للطلاب والأكاديميين والموظفين(النداء)

وأضافت المصادر، في أحاديثها لـ"النداء"، أن المسيرات المتفرقة، والتي تنطلق من أمام الكليات بالتزامن، تلتقي أمام رئاسة الجامعة، حيث تلقى الكلمات، ويردد المشاركون فيها "شعار الصرخة" وعبارات التفويض لزعيم جماعة الحوثي، عبدالملك الحوثي، لاتخاذ الإجراءات والقرارات والخطوات التي يراها حيال العدوان الإسرائيلي على غزة.

وتابعت أن القرار تضمن إجراءات تحفيزية وأخرى عقابية، تتمثل في إضافة عشر درجات في كل مادة للطلبة المشاركين، وخصم أقساط من مستحقات الموظفين، والخصم من المقابل المادي للساعات الدراسية للأكاديميين المتخلفين عن المشاركة. مشيرة إلى أنه يتم إخراج الطلبة من قاعات المحاضرات، والموظفين من مكاتبهم، من التاسعة والنصف صباحًا حتى الحادية عشرة، لغرض دفعهم للمشاركة في المسيرات.

وبخصوص الدورات العسكرية، أفادت عدة مصادر أن قرارًا آخر لرئاسة الجامعة، يجبر الموظفين على الخضوع للتدريب على استخدام السلاح الخفيف، ضمن دورات تقيمها الجامعة على شكل دفعات، بعد الدوام الرسمي. موضحةً أن الجامعة بصدد إقامة دورات مماثلة للموظفات، متوقع البدء فيها خلال الأيام القادمة.

وذكرت المصادر التي طلبت عدم ذكر أسمائها لدواعٍ أمنية، أن الغرض من الدورات العسكرية، إكساب منتسبي الجامعة معلومات عن السلاح، ومهارات وقدرات متعلقة باستعماله، وكيفية تفكيكه وإعادة تركيب أجزائه، وتعلم الرماية باعتبارها من ضمن عادات المجتمع اليمني، موضحة أن دورات تعلم أساسيات استخدام السلاح، تعود بالفائدة على المشاركين فيها، لجهة تمكنهم من "الدفاع عن أنفسهم"، و"الاستعداد لمواجهة الغازي الأجنبي" في حال قرر التدخل المباشر في الداخل اليمني، حسب تعبيرها.

ولاقت هذه الإجراءات ردود أفعال متباينة؛ فمن ناحية يرى البعض أن المسيرات الأسبوعية تأتي كواجب ديني وأخلاقي وإنساني، نصرةً لفلسطين، ورفضًا للعدوان الإسرائيلي على غزة، وتعبيرًا عن الموقف المبدئي والثابت للشعب اليمني مع القضية الفلسطينية، حسب تعبيراتهم، ومن ناحية أخرى يعدها البعض الآخر كأنشطة إجبارية لا تراعي قناعات الجميع، ولا تأتي بأي مردود فعلي وذي جدوى إزاء ما تتعرض له غزة خصوصًا وفلسطين على العموم، من قبل قوات دولة الاحتلال.

مشاركة الطلاب من الكليات المختلفة في المسيرة(النداء)
مشاركة الطلاب من الكليات المختلفة في المسيرة(النداء)

وفيما شكا طلاب من حرمانهم من حقهم في تلقي المحاضرات ومراجعة أساتذتهم خلال الساعات المكتبية، بسبب إرغامهم على الخروج في الوقفات والمسيرات، أبدى موظفون امتعاضهم من إجبارهم على ترك الأعمال وتأجيل إنجازها، وما يسببه ذلك من تأخر المعاملات وتراكمها، وما يترتب عليه لاحقًا من إجراءات عقابية على الموظف بذريعة التقصير، والإضرار بمصلحة الطلاب.

ونبَّه أحد الطلبة إلى أن تلك الفعاليات تؤثر سلبًا على تحصيلهم العلمي، وتشغلهم عن الاهتمام بمقررات دراستهم الجامعية، وتنفيذ التكاليف والأبحاث المطلوبة، وتأتي على حساب صناعة مستقبلهم العلمي والعملي الذي يعتمد على جودة وكثافة ما يتلقونه من معارف وأنشطة علمية وأكاديمية، حد تعبيره.

والردود نفسها تتوجه بالتأييد والنقد للدورات العسكرية، إذ شدد بعض ممن التقتهم "النداء"، على أهمية اكتساب معارف وتطبيقات عملية متعلقة باستعمال السلاح، في إطار ما سموها "التعبئة الشعبية العامة"، و"الاستعداد لخوض المواجهة المباشرة مع العدو"، وتحسبًا لمواجهة "الأعداء المتربصين باليمن هوية وأرضًا وشعبًا"، في حين أكد آخرون أن لا حاجة لمثل تلك التدريبات، التي أشاروا إلى أن "أغلب محتواها يقتصر على الاستماع لخطابات عبدالملك الحوثي وحسن نصر الله"، وشرح مضامينها، إضافة إلى "إلقاء أسئلة على المتدربين لمعرفة مدى استيعابهم واقتناعهم بما تلقوه".

وقال مصدر في نقابة موظفي الجامعة، إن "فرض المشاركة في المسيرات وإخضاع الموظفين والأكاديميين لدورات عسكرية، يمثل انتهاكًا لحقوق منتسبي الجامعة، الذين يعانون من توقف الرواتب، وشحة المكافآت والحوافز نظير الأعمال والمهام الهائلة التي يؤدونها في ظل أوضاع معيشية صعبة".

وأضاف المصدر النقابي أن "ممارسات وإجراءات رئاسة الجامعة تتعمد تجيير الوظيفة الإدارية والأكاديمية لمصلحة توجهات جماعة الحوثي، تحت شعارات الواجب الوطني والإنساني، ولافتات الوطنية ومواجهة العدوان"، حد تعبيره.

ولفت مراقبون إلى خطورة ما يتم من وراء هذه الفعاليات المفروضة على منتسبي جامعة صنعاء، لجهة جعلها "معيارًا للتقييم الوظيفي والتصنيف السياسي والفرز الوطني، والبناء عليها كأساس في التعامل مع الكادر الأكاديمي والإداري في الجامعة، شأنها شأن كثير أو معظم مؤسسات ومرافق الدولة التي تنطبع أنشطتها وفعالياتها بطابع الجماعة التي كرست مناسباتها الخاصة لتنميط المجتمع، ثقافيًا ومذهبيًا".

وأكد المراقبون أن الدورات العسكرية في الجامعة الأعرق في اليمن، إلى جانب تخريج دورات قتالية عسكرية وشعبية، وفعاليات ما تسمى "التعبئة العامة"، تعد "مظهرًا بارزًا وصارخًا من مظاهر عسكرة المجتمع، وخلق احتياطي شعبي لا يُستبعد أن تستخدمه الجماعة لتدعيم قوتها وترسيخ سيطرتها ونفوذها، ومواجهة أية انتفاضات أو تمردات أو حراكات مجتمعية ضدها، لا مجرد التهديد بهذا الكرنفال القتالي في وجه الإجراءات الأمريكية والغربية -السياسية والعسكرية- الداعمة لممارسات الكيان الصهيوني"، حسب تعبيرات متطابقة.

يذكر أن أكثر المصادر التي التقتها "النداء"، تهربت من التجاوب، أو كانت حذرة في تعليقاتها وردودها على الأسئلة المطروحة، خشية التداعيات المحتملة جراء الحديث في هذه المسائل التي تحيطها الجماعة بالفرض والإجراءات المشددة.

وتحظى هذه الفعاليات باهتمام بالغ من قبل جماعة الحوثي، التي تحرص على "تجذير منطلقاتها الأيديولوجية، وتعميمها على أبناء المناطق التي تسيطر عليها، وتسعى إلى تكريس مفاهيمها الخاصة للحكم والسلطة، من ناحية، وتعريفها الخاص للعلاقة بين الدولة والمجتمع، وللعلاقات الدولية عمومًا"، بحسب مراقبين.