عالق يمني في قطاع غزة: نعيش أهوال القيامة

هل سبق لأحدكم أن بحث عن أطفاله تحت الركام، وفمه ممتلئ بالتراب، وعيناه يغطيهما الغبار والدخان، فضلًا عن الظلام الدامس إلا من وهج الانفجارات أو النور القادم من الحرائق المشتعلة؟

هل صحوتم ذات يوم مفزوعين من أصوات القصف، وصفير الصواريخ والدانات وهي تتساقط على منازل الحي الذي تقطنونه؟

هل تذوق أحدكم مرارة الإحساس بفقدان أفراد أسرته جميعًا أو عدد منهم، وظل يبحث تحت نيران الطيران الحربي الإسرائيلي الذي يرى الجميع أهدافًا مشروعة؟

ثم بعد ذلك، هل تدركون هول المأساة حين تعيش شريدًا بلا مأوى أو طعام أو شراب، لا دواء ولا غطاء ولا رحمة؟

وفوق كل ذلك، مرارة الخذلان من حكومة بلادك وناشطيها وإعلامها، الذي صم أذنيه عن صرخاتك ومناشداتك والعشرات من أبناء بلدك وأطفالهم ونسائهم.

لقد عشنا كل ذلك، ومانزال نعيشه في قطاع غزة المحاصر والمدمر.

أنا شاب يمني متزوج بفتاة فلسطينية، أعيش في قطاع غزة منذ سنوات، ومثلي نحو 100 يمني، أغلبهم من النساء والأطفال.

نعيش منذ السابع من أكتوبر الفائت، جحيمًا لا يطاق، ومعاناة لا يمكن وصفها.

كان لي منزل في مدينة غزة يجمعني بأفراد أسرتي، أمي وزوجتي وأولادي وإخواني، وكنت أعمل في تصدير الخضروات، وكانت حياتنا تسير بشكل جيد. لكننا وبلمح البصر فقدنا كل شيء، وانقلبت حياتنا رأسًا على عقب، جراء العدوان الإسرائيلي على القطاع المستمر حتى اليوم.

لا يمكننا أن ننسى تلك الليلة المرعبة التي استيقظنا فيها على صوت القصف والصواريخ وصرخات الأطفال والنساء.

لقد تعرض الحي الذي كنت أسكن فيه مع عائلتي، إلى قصف عنيف، تدمرت منازل فوق رؤوس سكانها، وتكسرت نوافذ وأبواب أخرى من ضغط الانفجارات.

كان الناس يتحركون بلا وعي، ويصرخون دون توقف، ويصطدمون ببعضهم في الأزقة والشوارع بلا شعور، وكانت الأشلاء والدماء هي الحاضر الأبرز، ومثلها القتلى والمصابون.

كنت أبحث عن أطفالي، واحتمالات أن أجدهم جثثًا هامدة، كانت تقتلني. والحمد لله وجدتهم في الواحدة بعد منتصف تلك الليلة، التي اعتقدناها يوم القيامة من شدة أهوالها.

نزحنا بعد ذلك إلى مدينة خان يونس، عند أحد أقرباء زوجتي الفلسطينية، لكن الحي الذي كنا نقطنه تعرض أيضًا للقصف، ونجونا بأعجوبة، لنبدأ رحلة نزوح أخرى إلى أحد المخيمات في مدينة رفح.

ما أكثر الأهوال التي عشناها ولانزال..

في رحلة النزوح كنا نشاهد أشلاء وأجزاء من جثث القتلى في الشوارع، وكنا نرى الطائرات الصغيرة التي تستهدف أي شخص في أي وقت. وكم هي صعبة مهمة توفير مياه للشرب أو غذاء أو ملابس، بما في ذلك حفاظات الأطفال والنساء، التي وصل سعر الباكت الواحد منها إلى ٦٥ دولارًا، بينما لم نكن نملك نقودًا، بعد أن فررنا بأنفسنا، تاركين كل شي. كان لدي مبلغ من المال في أحد محال الصرافة، ومن سوء الأقدار تعرض هذا المحل للقصف، وقُتل صاحبه.

يمرض الأطفال ولا نستطيع إسعافهم، خوفًا من القصف، وعدم توفر المواصلات أو الأدوية أو الأطباء في المستشفيات الممتلئة بالجرحى والشهداء.

مات أطفال إحدى شقيقاتي، أحدهم فصل رأسه عن جسده في إحدى الغارات، واستشهد اثنان من أزواج شقيقاتي.

وصل بنا الحال حد تمني الموت بدلًا من انتظاره في ظل هذا الوضع.

وأمام كل ذلك، يتملكنا شعور بالقهر والعجز، وخذلان الجميع لنا وإهمالنا.

منذ ثلاثة أشهر وأنا في تواصل مستمر مع الحكومة اليمنية ومع السفارة اليمنية في القاهرة، لكن لم أجد تفاعلًا من أحد، باستثناء إحدى الموظفات في سفارتنا لدى القاهرة.

أما البقية فكانوا يتعاملون معنا بتثاقل كبير، أحد المسؤولين الذي تمكنت من الوصول إليه ومناشدته عبر الواتس، قام بحظري.

وكذاك الحال بالنسبة للإعلاميين والناشطين الذين بحت أصواتنا جراء مناشداتنا لهم دون جدوى.

وحدها صحيفة "النداء" التي أعادت لنا بصيص أمل بإمكانية التعريف بقضيتنا، من خلال تغطيتها التي أثلجت صدورنا، والتي أسهمت بشكل إيجابي في لفت الأنظار إلينا، ونتطلع إلى مزيد من تسليط الضوء على معاناتنا التي لا تحتمل مزيدًا من التأخير.

ومن خلال متابعتي للردود على تقرير الصحفي عادل عبدالمغني في صحيفة "النداء"، آلمني أولئك الذين استكثروا علينا مناشداتنا بإجلائنا من القطاع، وطالبونا بأن نجاهد ضد الإسرائيليين.

وهنا أحب التوضيح بأن غالبية اليمنيين العالقين في غزة هم من النساء والأطفال، وبنسبة تزيد عن ٩٠%.

ثم إن الانخراط في صفوف المقاومة الفلسطينية، ليس بالسهولة التي يعتقدها البعض، الأمر شبه مستحيل، فضلًا عن كوننا مسؤولين أمام الله عن أطفالنا ونسائنا الذين سيموتون جوعًا وعطشًا لو لم نكن بجانبهم.

مرة أخرى، أناشد باسمي وكل اليمنيين العالقين في غزة، إيصال أصواتنا وصرخاتنا إلى المعنيين في الحكومة اليمنية والمنظمات الإنسانية، للتحرك العاجل والسريع لإجلائنا وإخراجنا من قطاع غزة، كما فعلت بقية الحكومات مع رعاياها.

سنموت إن بقينا، سيموت أطفالنا أمام أعيننا، ومثلهم نساؤنا، فهل تستكثرون علينا المناشدة طلبًا للخروج من الجحيم والعودة بأطفالنا إلى الحياة؟