رامبوي.. إيه يا رامبوي

رامبوي.. إيه يا رامبوي

* منصور هائل
ما أحوج اليمن لشخص مثل هيرمان فان رامبوي البلجيكي البارع في لعبة البولينج، وفي إبداع شعر «الهايكو» الياباني، والمبدع أكثر في صبره وصمته، وفي ابتكار صيغة متجددة ومنتجة للتوافق والعيش المشترك في بلاده التي تلاطمت بها أمواج الفرقة والشرذمة، وكادت أن تنقسم وتنهار في لحظة من أسوأ لحظات تاريخها، وقبل أن يدخل رامبوي على الخط، وليس رامبو البطل السينمائي الأمريكي الهوليودي قاهر البراكين وآسر الأسود والنمور والطواحين والثعابين.
ولمن لا يعرف، فرامبوي أصبح أول رئيس للاتحاد الأوروبي اعتباراً من 19 ديسمبر الماضي، بعد أن كان رئيساً للحكومة البلجيكية، وبذلك فقد كسبته وخسرته بلجيكا وندم عليه شارعها الذي استطعم الراحة والهدوء خلال فترة لم تزد على 11 شهراً.
والمهم أنه قبل أن يتسنم رئاسة الوزراء في بلجيكا مطلع هذا العام، بتكليف من الملك ألبيرت الثاني، كان قد انخرط في حوار شاق ومضن استغرق الكثير من جهده ووقته، بقصد إخراج بلاده من واحدة من أسوأ أزماتها السياسية والعرقية، وهي أزمة عاصفة، كادت أن تؤدي بالفعل إلى تقسيمها إلى أكثر من دولة، وإلى نقل مقر السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي من عاصمتها بروكسل إلى مدينة أوروبية أخرى تحفظ، في الشكل على الأقل، وحدة المشروع وتضمن استقراره.
وبعد أن كانت كافة المساعي الداخلية ووساطات دول الجوار الكبيرة والصغيرة قد وصلت إلى طريق مسدود، وبعد أن كانت دبت في أوساط بعض تلك الدول المخاوف من انتقال فيروس الانقسام إليها، برز إلى السطح فان رامبوي المبتكر لصيغة التوافق الحيوي، وليس التلفيق الآني الملغوم، والعيش المشترك بين القسم الغني بثرواته والقسم العريق بثقافته، وتمكن من قيادة بلد فيدرالي معقد فيه 6 برلمانات و3 مجالس وزارية، ومجتمع أكثر تعقيداً في تكوينه وصيرورته بسبب اختلاف اللغات والأصول و... الخ.
وبدلاً من الاسترسال في سيرة رامبوي نرجع ونقول إن الحاجة ماسة لهكذا أفراد في بلاد كاليمن التي تتنازعها أنياب الذئاب والكلاب، وتغتلي وتتمزق في أتون المحارق والخنادق، وفي حلوق الهاويات.
ما أحوج اليمن للشخصية، بل الشخصيات العابرة للقبائل والعشائر والطوائف والمذاهب، والمجسرة للمسالك المشتركة والمتعالقة مع الأفق الذي يتوسل الإنسان ويحتفي به ويستعيده ويعيد اكتشافه وتحليقه في فضاء تكتنفه المحبة ويتأثث بجمال من خلال الإعلاء من قيمة العيش المشترك والرهان على تسميك المشترك على مستوى المصالح والتطلعات والانتظارات والأشواق.
ما أحوجنا للتطير بهذا الضرب من الأحلام، وإن أجدبت الأرض من المتطيرين وأمراء الفانتازيا واليوتوبيا، وفتحت صدرها فقط وحصراً للتوحش والتناهش والهذيان والفوبيا.