فشل جديد

فشل جديد

> محمد الغباري
مرت 15 سنة على تبني ما عُرف بمشروع الإصلاحات الاقتصادية في اليمن برعاية البنك الدولي، وها هي الحكومة والمؤسسات الدولية تعترف بأن اليمن فشل في تحقيق أي من الأهداف التي وضعت في البرنامج، وإن كان المواطن قد دفع غاليا ثمن تلك السياسات.
عدا رفع الدعم البسيط عن المواد الغذائية ورفع جزئي لأسعار المشتقات النفطية، لم تنجح الحكومات المتعاقبة في تنفيذ
> محمد الغباري
مرت 15 سنة على تبني ما عُرف بمشروع الإصلاحات الاقتصادية في اليمن برعاية البنك الدولي، وها هي الحكومة والمؤسسات الدولية تعترف بأن اليمن فشل في تحقيق أي من الأهداف التي وضعت في البرنامج، وإن كان المواطن قد دفع غاليا ثمن تلك السياسات.
عدا رفع الدعم البسيط عن المواد الغذائية ورفع جزئي لأسعار المشتقات النفطية، لم تنجح الحكومات المتعاقبة في تنفيذ أي شيء من البرنامج، حتى أتفه الخطوات، وهي إيجاد بطاقة وظيفية لمواجهة الازدواج الوظيفي، فشلت، واتضح أننا صرفا قرضا دوليا لزيادة مساحة الفساد فقط، والأمر كذلك في ما يتصل بالإجراءات المتصلة بجذب الاستثمارات وتحويل مدينة عدن إلى منطقة اقتصادية حرة، حيث تم نهب الأراضي والعبث بالممتلكات وزيادة الدخل الشخصي للأفراد، وانتهت الحكاية بأننا لن نستطيع تحقيق هذه الأمنية.
اليوم، عدن تواجه مشروعا جديدا لتحويلها إلى محطة اقتصادية، وأقسم بالله إننا وبعد 10 أعوام سنعترف بأننا فشلنا، وأننا سنقترح مشروعا من شأنه أن يزيد قائمة الأثرياء من الفساد المتعاظم في كل مفاصل وبنية الدولة، وأن ما ستنجزه هذه الحكومة وغيرها هو رفع أسعار المشتقات النفطية عن الفقراء وزيادة مخصصات كبار المسؤولين، مدنيين وعسكريين، من هذه المادة، هذا إذا ما بقي اليمن دولة واحدة إلى ما بعد عقد من الزمن.
لا يقبل شعب حي على نفسه أن يصبح حقل تجارب لفشل متواصل من الأداء، ولم يحدث أن غرق البنك الدولي وحتى المؤسسات الدولية بوحل الفساد إلا في اليمن، إذ إن مصر مثلا سبقتنا في تبني الإصلاحات الاقتصادية، ومنذ حكم الرئيس السادات الذي يعود إليه الفضل في ظهور عصر اللي يسرق يسرق بس ما نمسكوش، ومع هذا قطعت البلاد شوطا مهما في مجال الإصلاحات، وصمد سعر رغيف الخبز واللبن والأرز أمام ضغوط المؤسسات الدولية.
الأمر ذاته في ما يخص الدول المرعوبة من مستقبل اليمن المظلم، وبالتحديد أمريكا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا واليابان، وهذه الدول التي ترعى الإصلاحات في المرحلة السابقة، وتشجع الرؤية الجديدة للإصلاح الكاذب، لا أعرف على وجه اليقين ما هي الأسس التي يمكن من خلالها المراهنة على نجاح الحكومة في اليمن في تحقيق إصلاحات اقتصادية وسياسية، وهذه الحكومة منذ 10 أعوام وهي تتحدث عن اكتشاف أكثر من 30 ألف حالة ازدواج وظيفي، ثم يتبين أن ذلك غير صحيح، وأن غالبية الجهات المنضوية في إطار برنامج الإصلاحات قد اختزلت إلى مصادر للكسب لبعض المسؤولين فيها.
مشاريع الإصلاحات أصبحت لدينا مجرد راتب بآلاف الدولارات يصرف للمسؤول الأول عن الجهة، وتصريحات صحفية كاذبة عن النجاحات، وغياب مطلق للمساءلة.. ألم يكن من الصواب على الدول الراعية للإصلاحات الضغط ممن أجل إقالة مسؤولين أو محاكمة وزيرين عن الفساد الذي أدى إلى فشل رؤى الإصلاحات التي تبنتها الجهات التي يعملون بها؟ هل بالإمكان مساءلة وزارة الخدمة المدنية عن فشل مشروع تحديث هذه الوزارة، وعن البطاقات الوظيفية المخالفة للمواصفات؟ وهل بالإمكان مساءلة وزارة النفط عن المبالغ التي تستقطع تحت مسمى نفط الكلفة، وعن احتكار أبناء عدد محدود من المسؤولين لقطاع النفط خدمات وعمالة وامتيازات..؟!
أظن أن بإمكان الحكومة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي أن يقدموا خدمة جليلة للشعب اليمني لو تم فتح ملف الامتيازات النفطية والمناقصات التي تمنح كهبات لكبار المشائخ والعسكريين، ولو ضغطوا من أجل محاكمة وزير يمني بتهم الفساد. أما المراهنة على إمكانية إجراء إصلاحات فعلية فإن الوهم هو الذي سيتحقق لا غيره.