قراءة في مقال للكاتب حسين الوادعي بعنوان "بين رهانين"

جاء هذا المقال -حسب الكاتب الوادعي- في إطار الجدل المستمر واللامنتهي بين الإلحاد والإيمان، كان الفيلسوف الفرنسي باسكال طرح رهانًا فلسفيًا شهيرًا هو "رهان باسكال".

يقول الرهان: إنه من الصعب إثبات وجود الله بالعقل، لكن في نفس الوقت من الصعب إثبات عدم وجوده، أي أنه وضع الأمر "بين رهانين" الخ. وتحت هذا العنوان، خضع الموضوع إلى حوارات فلسفية.
أقحمت نفسي في هذا الحوار الجدلي (الديالكتيك) على النحو الآتي:
مستهلًا رؤيتي بقول الشاعر معروف الرصافي:
انظر لتلك الشجرة ذات الغصون النضرة
كيف نمت من حبة وكيف صارت شجرة؟
فانظر وقل من ذا الذي يخرج منها الثمرة
ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة
ذو حكمة بالغة وقدرة مقتدرة
انظر إلى المرء وقل من شق بصره
من ذا الذي جهزه بقدرة مبتكرة؟
ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة
ذو حكمة بالغة وقدرة مقتدرة
حقيقة، إن العلة تكمن في الإنسان، وليس في الخالق المبدع المصور من له الأسماء الحسنى، فلم يأتِ شيء في الوجود من لاشيء، ولا بد من وجود صانع أو خالق لهذا الشيء.

وبالتالي استنتجت وبصرت أنه لا يوجد عندي رهانان في إثبات وجود الله، وإنما رهان واحد هو أن الله موجود في كل زمان ومكان، وهو "القادر المقتدر الخالق"، ووجوديته غير قابلة للمواربة أو إخضاعها للفلسفة.

أنزل الله كتبه: التوراة (العهد القديم) والإنجيل (العهد الجديد) و(القرآن) على أنبيائه ورسله، كرسالة وتقويم وتهذيب لحياة الإنسان، وهداية إلى الصراط المستقيم، وعبادة الواحد الديان.

يقينًا، إن الطريق ليس مفروشًا بالورود فحسب، وإنما أيضًا بالأشواك، وعلى الإنسان أن يميز بعقله بين الخير والشر، ولا يدع للعاطفة أي مجال تثنيه.
في واقع الأمر، إن الإنسان مبني على تناقضات، وصراعات فكرية، وعقد داخلية، وعليه أن يعلم أن من سلك طريق الخير يره، ومن سلك طريق الشر يره.
ونؤكد، من جديد، أن الدين قيم وتقويم وبناء وإصلاح، والداء أو العلة كامنة في الإنسان الذي يوجد لنفسه هذه الصراعات، والعقد، فضلًا عن التفلسف القائم على الجدلية بكل ما هو موجود، ويصبه في إطار فلسفته، ويقدمها للمجتمع بأي شكل من الأشكال، لخدمة توجهه الفكري.

مع العلم أن الأديان السماوية قد وضعت مفاهيم قوامها العمل المثمر والإصلاح، والإنتاج بعيدًا عن الجدل الذي يخرجها من الغاية المنشودة.
إن الاجتهاد المغرض والشطحات الفلسفية غالبًا ما تحيد عن جادة الصواب، فالمتفق عليه أنه لا فلسفة ولا وصاية ولا رهبانية ولا كهنوتية في الدين، فالدين له مقامه النوراني، لا يحشر في كل صغيرة وكبيرة أو اجتهادات وتفسيرات، الدين توجيه أخلاقي بناء، وهو بمثابة الروح أو الطاقة الخلاقة في الإنسان، والإنسان مادة وروح، تكملان بعضهما البعض الآخر في سبيل حياة ارتضاها الخالق للمخلوق لبناء حضارة عمادها الروح والمادة لخير البشرية.

ويقودنا الحديث من جديد إلى أن الحياة ليست سفسطة لفلاسفة، ولا صكوك غفران يمنحها الكاهن أو رجل الدين لعباد الله لتعزيز مفهومهما الخاطئ للأشياء.

خلاصة القول، يجب أن تقوم الرهانات على أسس قويمة، وإن كل ما هو موجود في هذه الحياة لم يأتِ عن طريق الصدفة، وإنما لوجود خالق لهذا الكون اللامتناهي، وكل شيء خلقه بحسبان، وإن مصير الإنسان في الحياة الدنيا هو الزوال، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.