القاتلوجيا: الانسطال الجماعي في مدن البصاق (قراءة سيميولوجية)

يقول علي ولد زايد:
القات قوت البهائم
عشب البلا والبلادة
من كان بالقات هايم
يحيا حياة الجرادة

أعمق من عبر عن القات وماضغيه، شاعرنا وحكيمنا "علي ولد زايد" في المقتطفات، أعلاه: "قوت البهايم، عشب البلا والبلادة، يحيا حياة الجرادة"، فقد نزع صفة الإنسان ولصق بدلًا عنه، "البهائم" و"الجرادة"، والبلادة.

فمن هو البطل/ المخترع الأول، لذلك الثلاثي أعلاه، وسواء كان البطل أسطوريًا أم خرافة، أم حقيقة لهذه "العلفة" المقدسة -القات، فقد ثبت اتفاق كل اليمنيين على تناولها ويحيطونها بأس وجودهم ووعيهم الجمعي؟

تقول أساطير وخرافات اليمنيين، إن "العنزة" التقية المباركة، أول من اكتشفته، أكلت منه، فنعست، وشخرت، وطارت في ساعة سليمانية مجنونة. ومذ ذلك الزمن السحيق، لم ينزل اليمانية (أهل الإيمان والحكمة) من مستنقع الساعة السليمانية، فهم يعدونها جنتهم الأزلية، حتى لو هم يعيشون حياة الجرادة، بل وما دونها!

لقد أكسبت العنزة عنزويتها -صفاتها الفيزيولوجية، والاجتماعية والنفسية، على الأمة اليمنية قاطبة، وبصمتهم بميلاد "خارج الساعة الكونية": عشب البلادة والبهيمة والجرادة، كائنات مخدرة بالذهان الجمعي "قاتلوجيا"!

في يمن "العنزة"، يعد القات/ القاتلوجيا، ميسم الشخصية اليمنية، وأبسط تشبيه، هو: "باندورا" اليمن واليمنيين، وما صندوق باندورا سوى تلك المقايل/ المحارق اليومية، وتلك "البُجمة" اللامعة المتفجرة، إحدى تمثلاتها.

فمنذ اكتشافه واليمنيون، كما وصفهم علي ولد زايد أعلاه، يفنون أنفسهم بملء أسماعهم وأبصارهم، بل يستلذون بهذا الفناء المُبهرج، وأخفه الإغماء والغيبوبة الجماعية/ السفخة الذهانية، بمعنى آخر: الانسطال المزمن للشخصية اليمنية على مختلف مللهم ونحلهم، بمن فيهم النساء والأطفال، ساعد على هذا الموت المزمن والعدمية الملتذة بما يطلق عليه -الدولة- حامية حمى صندوق الباندورا/ "العلفة"، من منظور "أنا أخزن/ أعتلف، إذن أنا موجود"!

إنه الفناء المُعمم للإنسان اليمني، خلا العنزة وعودها/ القات، إذ، كيف استحالوا بحسب ما ذكرهم ابن زايد، كائنات مهدرة وبالمجان، فكلما زاد إهدار معنى الإنسان: أكله وماؤه، وفضاؤه، وكوارثه اليومية، ثوراته، انقلاباته وسيل المليشيات، زادت من تصنيفه وإدخاله عالم البهائمية، وأخفها الجرادة، فناء سرمدي يتضاعف مع اخضرار العلفة واحمرار أغصانها السامة داخل "ألجاع" اليمنيين المهترئة، فاتكة بالعقل والجسد والروح والأرض والمطر، والحاضر والمستقبل[1]، نعم، وآسفة على هذا التعبير، فالإنسان اليمني يختزل بـ"اللجع" و"النجع" معًا!

2

صور متداولة للتحذير من القات
صور متداولة للتحذير من القات (شبكات تواصل)

كأي باحث، سأقرأ الصورة الفوتوغرافية سيميولوجيًا، كما هي، يتمثل الأول في القراءة التعينية/ التشكيلية، والقراءة الثانية ما يطلق عليها بالتضمينية/ الإيحائية بحسب منهج "رولان بارت"، الذي أتفق معه في نقطة السخط وكراهية بعض الصور، كالصورة التي سأحاول قراءة دلالتها السيميولوجية، يقول بارت في كتابه الهام "الغرفة المضيئة": "هناك لحظات أبغض فيها الصورة الفوتوغرافية".

الشق الأول: ما يطلق عليه الديوان/ المقيل اليمني، الذي لا يخلو أي بيت منه، حتى لو كان كوخًا، هكذا صممته الذهنية المعمارية اليمنية التقليدية القبلية والبداوة، على أن تحتوي الدار، غرفة خارجية  المفرج/ الديوان (المقيل) مع حمامها، يسمى مقيل، هذا أولًا، وللسترة وعدم انكشاف الناس على العورات -نساء البيت، بل يتخذ المقيل أحيانًا أعلى البيت، وأجمل مكان يتصل بالسماء مباشرة، بما يسمى "الطيرمانة"، خصوصًا في البيت الصنعاني.

ثانيًا: يصطف المخزنون على جوانب الغرفة، وأحيانًا بصفوف أكثر، بأفواه متورمة، بمن فيهم الطفلان المستقيمان، ويفترش أرضية المقيل القات الكثير والمتراكم -أتلال، يبدو أن الجمع/ الموالعة، كان لعرس، نرى ذلك من خلال السماعات الكبيرة، والمدايع، والنوافذ الصغيرة، والأكوات المعلقة.

لكم يحس المرء بوجع أليم وهو محاط بالآلاف من الصور والفيديوهات عن اليمنيين بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في الخارج، حيث يجري اختزالهم في عالم الميديا، بـ"اللجع"، والواقع أشد وأعنف، مما تختزنه الصورة والميديا، أنهم يستقتلون في سبيل فنائهم، بإبقاء العلفة على قيد الحياة، بل تجميلها بأسطرتها: عشبة الحياة والخلود، لكنها في الواقع لا تريقهم سوى المزيد من الجحيم الخالص على مدى الأزمان في السلم والحرب، والمجاعة، كمثل هذه الصورة أعلاه!

تلك الصورة -الكارثة تمثل المشهدية البصرية -الفرجة في اليمن ريفًا وحضرًا، شمالًا  وجنوبًا، أحياءً وأمواتًا، كونهم خارج العالم والحياة، لا يربطهم ببعض سوى ذلك الجحيم واستلذاذه، "المفرجي/ المقيل والفرجوي معًا"، وإراقته على وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، في ساعة سليمانية ماسخة، منفلتة، متنقلة بين "العنزة، والبهيمة والجرادة"، والأولى هي التي رسمت مشهدية الصورة منذ أكلها للعشب -القات، وتخدرا معًا وحتى اللحظة، فقد مسخت الوجه والجسد اليمني، وعلمته بميسمها، وأتى علي بن زايد ليفكك المشهد أكثر بالأوصاف أعلاه.

3

القراءة الإيحائية -التضمينية:

تنتصب الحالة الديكورية الممسوخة، في مقايل "القاتلوجيا"، تلك الوجوه المعلقة بالمتافل، وهي ترغي بزبد ولزاجة لتوغل في المشهدية أكثر، وهي تنتصب بين أكوام الأشجار/ الأعلاف الخضراء والشديدة السمية بفعل المبيدات الحشرية التي تغذى بها.

مجالس تعاطي القات في المناسبات
مجالس تعاطي القات في المناسبات (أرشيف - شبكات تواصل)

"بُجم" عالية النفير من صواريخ الموت كما في الصور، أكان في الأعراس، والمناسبات السياسية، أو في الشوارع، والأكواخ، أو القصور (الكل واحد)، ومهما بالغ اليمنيون وشعراؤهم لإسقاط أوصاف علي ولد زايد، وإحلال بدل عنها من أوصاف: "عود الهناء" لـ"خير أمة"، و"قوت الصالحين"، "نعمة إله السماء"، "الغصن"، "قوت القلوب"، "الفردوس"، "عود الجنة"... الخ، ويرشون على خلفيتها سائلة الزوامل للتأصيل، لكن، كل الأوصاف ما هي إلا لمزيد من "الوهدرة" والإغراق العنفواني في الجحيم.. إنه جحيم يشبهنا وحدنا.

في الصورة -أعلاه- لا تختلف عما ذكره ولد زايد، عن أية حظيرة "سفل"/ "مَعلفة"، فقط يميزها، التأثيث باسم مفرج/ مقيل/ ديوان، وأجد استغرابًا، كيف أطلق على "مَقيل" الموت والموتى وأخفه المخدرون باسم "مفرج"، فالمفرج يعد فضاء، وليس "معلفة"/ محرقة إفناء، لا يختلف عن "صندوق باندورا"، بل قد نحتت جسم الإنسان اليمني "اليابس/ المقرنط" بقالب الدكية، فتراه معقوف الظهر، تشكل جسده تبعًا لجلسة المدكى، أما البُجمه فهي كقشرة بصلة جافة،   والأسنان كأنها أسنان مشط قديم أكله الصدأ،  بعض المخزنين تبدو أسنانهم كحائط مقلاع، سنة هنا، وسنن تساقطت بليل قاتي أدرد و"مبردق".

4

مفرج، وهو أقرب إلى حظيرة، "مبصقة جماعية" لكائنات ممسوخة بلا وجوه، وإن وجدت الوجوه مجازًا، فهي وجوه مسحوبة/ ممطوطة/ مجغوصة كبصقة قاتية لزجة على إسفلت أو جدار قديم أو سلم، هي وجوه مشوهة، مسفوخة، مورمة، مكومة، فكل وجه متروس ببجمة صخرية نارية، ولنقلها عيانًا وفوتوغرافًا: قنبلة، جعبة، بمن فيهم الأطفال.

كاريكاتير عن تعاطي اليمنيات القات
كاريكاتير عن تعاطي اليمنيات القات (موقع نسوان فويس)

أما النساء "المخزنات"، بعضهن تشبه وجوه الرجال -الصخور/ القاذفات مع مسحة مكياج وملابس الموضة، أحيانًا بمصر طالعي، ومقرمة، ورشوش التغنج، أما نساء الأرياف الكادحات فهن يخزنَّ لأجل العمل الذي لا ينتهي، وبعضهن لا يقربن القات. المشترك بين كل هذا الفناء الجمعي، الأطفال الملحقون بالقطيع المخدر، يتشابهون، أكانوا من ذوي الأسر الميسورة، أو الفقراء، أو أولئك الذين تكتظ بهم مقايل الكبار، أو خلف متاريس الجبهات، بمن فيهم القتلى.

مرة أخرى، لنحدق في الصورة لحروب "البُجمة" المقدسة في اليمن: تلك البلاد التي بلا وجوه للرجال والنساء المطموسات بالشرشف، بلاد بلا وجه حقيقي، فأين الوجه الذي تعرفه البشرية مذ خلق الله الإنسان "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم". أين نحن في هذا النص القرآني؟

صورة أخرى: أنا من بلاد القات!

عندما يسألك المواطن العربي، من أين أنت، فتجيب، من اليمن!

يباشرونك بصورة راسخة -روجت لها وسائل الإعلام بفرح لذيذ من قبل اليمنيين- من خلال الصور الفوتوغرافية والفضائيات، ووسائل الإعلام المختلفة، لا يجيبك، باليمن التي مزقتها الحروب والمجاعة، والمليشيات، بما فيها مليشيات دول الجوار/ الشقيقة، وغيرها، بل يجيبك: أها أنت من بلاد الوجوه الوارمة؟ أووو، أنت من بلاد ذلك الفنان الشهير الذي لا يظهر إلا ووجهه جعبة نارية متفجرة؟ أحيانًا لا يعرفون اسم نبتة القات، أو كيف يعبرون عنها، فيعملون لك إشارات: نفخ الأوداج، وإشارة الفم وهو يلوك، وتجد نفسك مغشيًا بالفضيحة، وأنت تراوغ أنك لست بفاهم، فيهرع ليباشرك وأمام ناظريك صور المخزنين من جوجل، كأنها الأجداث المنتفخة، صور من قبور، كهوف، حفريات، كالصور التي نقرأها.

وجدت هذه المواقف في تونس ومصر، بشكل كبير، وبعض البلدان الأوروبية التي زرتها.

يباغتك المغاربي عندما يعرف أنك من اليمن،  بقوله: "سامحني بربي، أشكون هاذي الصورة، مثل زريبة البقر، وأشكون هذا الورم، عليش تفعل الناس في اليمن بروحها هاكا؟".

آخرون، يجمعون أن القات مخدر جماعي.

نعم، تخجل ألف مرة، كيف تظهر صورتنا عند العرب والغرب، كيف نختزل برواجم من علف وبصاق لزج، لجع قات متفجر، مشموق ملموق ملموخ، كأن لطمة جني بصق في وجوه اليمنيين، وجعلهم على تلك الصورة -المسخ التي لا نشبه فيها إلا أنفسنا وشمالًا وجنوبًا.

مقائل تعاطي القات (أرشيف)
مقائل تعاطي القات (أرشيف - شبكات تواصل)

إنه قطيع المقايل وبالملايين بمن فيه الأطفال، في حضرة الحظائر المقيلية، أسياد وأقيال العلفة الربانية، يتساوون أكانوا في القصر بما فيه قصر الرئاسة، ومع الديمة والخيمة والكهف والقاع، والمتراس، توحدهم البصاق الأخضر للعلفة الربانية.

نعم، لا يختلف المواطن والرعوي، وضابط الجيش، والشيخ والمثقف، ورجل الدين، والفنان وأستاذ الجامعة والطبيب ورئيس الجمهورية، والمرأة الدلوعة "يوه جعل لي مكسر"، من المرأة الشاقية "يوه خطفوك الجن"!

عندما ترى المقايل المفارج مفروشة بالعلف المقدس- الحظيرة الواسعة، والأعلاف/ القات، متراكمة لتبلغ علو الفرش، وما فوقها من بشر، إنها مكب نفايات لبلد خازوق: الإيمان والحكمة، واليمن السعيد، والحضارة، ومن يشبهك من؟

وحتى تكتمل الفرجة السامة الخضراء، تتناثر القناني البلاستيكية للماء والبيبسي والمتافل والمنافل والمناخش لخلث القات، وأصوات البقبقة والقرقرة، والنحنحة، والفهقات العاليات، وعزكم الله (... و… ووو)، ثم سحب الأدخنة من المدايع والسجائر، سخام "قوت الصالحين" ينبعث كمقلب قمامة محترقة بوجوه الناس الكالحة، الذين كانوا بشرًا، قبل التخزينة، وفي "لمخة بُجمة" يتحول فيها الفرد والمجتمع الـ"قاتلوجيون"، أستسمحكم بأسطرته، بكائن خرافي يمني بجعبة لامعة، مشدوقة ومفزعة،  بعينين ليستا في مكانها الطبيعي، وبوجهين مزدوجين، يتحركان كأنه في مطب نقيل "سُمارة"، أو"هيجة العبد"، أو بئر برهوت -قعر جهنم.

5

ما إن يكلمك المُخزن -القاتلوجي، حتى تصيبك سهام الأخلاث والرذاذ البصقوي المخضر، كأنه رذاذ نووي، لا تفهم منه أية كلمة، سوى حروف الثأثأة، والخأخأة، والبقبقة النفاثة.

يااالله، ما اأتعسك عندما تلاقي صديقًا مخزنًا يسلم عليك، يا ويلك، يتحول وجهك بنمش بصاقي أخضر، قاتلوجي بزر "خفقة زفقة"، ذلك الدرك الجهنمي الأخضر، كيف ستنجو؟

 

دستور بلاد القاتلوجيا:

القات مصدر الحياة في كل التشريعات، ودين الدولة": القاتلوجيا الصالح لكل زمان ومكان، بل مصدر كل التشريعات، القاتلوجيون متساوون، بدون تمييز في الدين والعرق، واللون والجنس، والمهنة، لا فرق بين عربي وأعجمي إلا باللجع، ومادة أخرى: اليمنيون هم شعب العنزة شعب الإيمان والحكمة، وثورة "ياللي عادك بالخيمة، الثورة مش تخزينة"، وليس بآخر "الثورة الإلهية للحوث-فاشي" تكتمل دائرة القاتل/لوجي في اليمن.

من خيام الاعتصام في صنعاء 2011
من خيام الاعتصام في صنعاء 2011 (أرشيف)

شعب العنزة (العظيم) الموحد والمتوحد معًا خارج العصر والحياة، يحيا ابتداءً بالرؤوس المتروسة بالقات، بُجم المراجمة، والمقذوفات العشوائية، لمجتمع يعيش على قرون "العودي" وقرون العنزة، والوعل المقدس والحروب والمجاعة والجهل، والقرون الصلدة من الماضي والحاضر، أما المستقبل، مشقر بزوامل عكفوية من الحوثية: "حماة الحمى دعاسة الغدراء، أبطال في ساحة الميدان مخبورة"، إلى "الانتقالي" و"الحواسد تموت، انتقالي صاحب الأولوية بيده نار يطلق يشوت"، إلى المتصوفة وغيرهم من السلفيين "يا نبي سلام عليك"، الكل واحد في جهنمية "القاتلوجيا".

إنه الشعب الوحيد الذي صنع لنفسه بيولوجية تخصه وحده في هذا الكون، حددها بساعة بيولوجية لجعوية، وفي مقيل طحلبي مؤثث بالسخام، وقبل أن يخلث القات، يكون قد خلث الحياة والروح معًا.

إذن، ما الفرق بين المقيل وساحة المعركة الملبدة بالسخام والقطران، والصراخ، والهجيج اليومي الذي يستمر منذ التفذيحة الصباحية، مرورًا بتخزينة بعد الغداء مباشرة، ثم التقفيلة الليلية في يمن بلا كهرباء ولقمة نظيفة، وشربة ماء نقية، وحياة إنسانية كريمة تليق بالبشر.

فقط حدق في أي مقيل، وخصوصًا مقايل شيوخ القبائل، والأعراس، لترى الصورة، البجم الجعب، وأطنان القات والأوراق الخضراء، بحظيرة البقر والغنم/ السفل، هل هناك فرق مداكي سبعة نجوم المتخم بالقمريات والبنادق القديمة، والجنابي وآيات الرحمن، وصور الأسلاف، بمن فيهم الفنان الذي يغني من بجمته، أقصد جعبته.

منذ أن أصبنا بداء العنزة المزمن والمتوارث، ضاعت البلاد أرضًا وإنسانًا، لا حياة إنسانية تليق بمعنى إنسان، وحقه في الحياة والصحة والنفسية، والتعليم والثقافة ولغة الجمال، والفنون الحياة الطبيعية للإنسان في أي مكان في العالم. في يمننا اختزلنا بحدين من البجمة إلى القبر، وصدق من قال إنها "مقبرة الجميع"، والأخيرة هم اليمنيون وحدهم.

6

الشعب المخدر وشعب المخدرة، بنى مدنًا تشبهه، مدنًا طحلبية تصهرها الخضرة ذات الرغوة اللزجة، منذ لعنة العنزة واكتشافها عشبة القات في اليمن المهدور.

في الصورة كيف حول إنسان اليمن/ القاتلوجي، اللون الأخضر؛ لون الربيع والحياة، وإله الحب والجمال والطبيعة الحانية، إلى الأخضر اللزج والعفني… الخ.

أخيرًا:

لقد عرف الحوثي القاتلوجي الإلهي بامتياز، أين يلقي بحجاره، قتلًا، وتدميرًا للبشر والشجر والحجر، فمتواليات الفناء الحوثي ترغي وتزبد بالأخضر (الصرخة)، ومن ثم علم البلاد بالبصاق الأخضر.

نعم، لم يأتِ الحوثي بشيء، رش اليمن بمبيده الإلهي الأخضر من عندهم، هم أتوا على مقاسنا ومقاس بُجمنا وأجسادنا المرهقة المسلوبة، فقط ما عمله الحوثي أنه أدسم وزين البصاق الأخضر، ورشها بترتر همجي أخضر للصرخة، وأعياد القبوريين من علي بن أبي طالب، والزهراء، وزيد، والجني الأخضر وتحرير القدس واحتلال البيت الأبيض، ورياض عشرات الآلاف من الشهداء الأطفال، وصناعة زوامل الفاشية البدائية المهلكة.

نعم، لم يأتِ بشيء من عنده.

حتى الاحتلال السعودي الإماراتي أتى على مقاسنا، بلاد بلا دولة، وإنسانها فانٍ على مر العصور، بلاد كما يقول الوعي الشعبي: "حشر وبول فيها"، وعزكم الله "..."، بلاد مخيطة ليس بصميل بل باحتلالات الدمار، وأول تدمير للذات يأتي منا، من بجمنا، من قات العنزة وأفران المحرقة الإهلاك اليومي "للمقيل".

فلا نغضب من تقاطر الاحتلالات المتوالية علينا منذ الأزمان وحتى اليوم، لقد فصلوا على مقاسنا، مقاس الانسطال الجماعي الذي يعيشه اليمني أبد الدهر.

"أنا من بلاد القات"، يا له من بيت شعري للشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح، ينحتنا، ويخلق من وحش الانسطال الجماعي، خصوصًا في ظل اللادولة، وطاعون حروب المليشيات الفتاكة.

[1]. "إن الجزء الأكبر من المياه المستخدمة في الزراعة تذهب للقات الذي يستهلك ما يزيد عن 40% من المياه الجوفية المستخرجة. هناك تقديرات إحصائية  تشير إلى أن عدد أشجار القات المزروعة في اليمن وصل إلى قرابة 350 مليون شجرة، وأن مساحة الأراضي المزروعة بالقات في اليمن بلغت 167 ألف هكتار... ويقدر الاستهلاك المائي للقات بـ6279 مترًا مكعبًا للهكتار، أي أنه يفوق استهلاك القمح بـ4252 مترًا مكعبًا/ هكتار، ويستهلك القات في محافظة صنعاء فقط حوالي 80 مليون متر مكعب سنويًا من المياه، وهو ضعف ما يستهلكه سكان العاصمة من الماء"، بحسب خبير الثروة المائية الدكتور أمين راجح، لموقع سوق اليمن الزراعي البيطري".