منصور عبدالجليل عبدالرب.. قامة وطنية يشارإليها بالبنان

إن المناضل منصور عبدالجليل عبدالرب، قامة وطنية كبيرة، ورجل المهمات الصعبة في كل ميدان. إنه اللواء القائد، والمحافظ، والسفير، وعضو مجلس الشورى، تبوأ تلك المناصب بكل جدارة واستحقاق إبان مسار عمله الوطني الطويل في مختلف الميادين العسكرية، والمدنية، والدبلوماسية.

منصور عبدالجليل عبدالرب
اللواء منصور عبدالجليل عبدالرب

حقًا، إنه وهب نفسه لخدمة الوطن دون كلل أو ملل، شق غبار الأيام، وواجه الصعاب، فلم ينحنِ لإنسان أو يستسلم لمحن، ناضل في سبيل خروج اليمن من دياجير الظلام إلى فجر جديد يضمن للبلاد سيادتها وحريتها وأمنها وأمانها ومستقبل أجيالها.

يقينًا، إن زوال الغمة، وصلاح اليمن هو من صلاح أهلها ضمانًا لمستقبل أفضل لأجيال اليمن المتعاقبة، وما من شدة إلا وتزول:

اشتدي أزمة تنفرجي

قد أذن ليلك بالبلجِ

وظلام الليل له سرجٌ

حتى يغشاه أبو السرجِ

وسحاب الخير له مطرٌ

فإذا جاء الإبان تجي

وبالمناسبة، يسعدني أن أقدم موجزًا لأهم أعماله التي شغلها في المجالات المختلفة، على النحو الآتي:

اولاً: الميدان العسكري:

يعتبر اللواء منصور عبدالجليل أحد منسوبي الدفعة الثالثة في الكلية الحربية بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م، نال شهادة البكالوريوس في مجال العلوم العسكرية بتاريخ 28 سبتمبر 1965م.

تقلد بعد التخرج مناصب عديدة في مختلف الفرق العسكرية، أذكر منها على سبيل المثال: نائبًا لقائد قوات المظلات، وقائدًا في المدرعات، وقائدًا لقوات الشرطة العسكرية.. كان متفانيًا في عمله، صديقًا ودودًا لرفاقه، منضبطًا وملتزمًا بتوجيهات قيادته.

شارك في عملية فك حصار السبعين يومًا في مواقع: عيبان، والجبل الطويل، وسواد حزيز، وقزان، وغيرها من المواقع المحيطة بصنعاء، نوفمبر 1967م -فبراير 1968م.

وتمر الأيام عصيبة في ظل انقسامات مستمرة بين رفقاء السلاح في الصف الجمهوري، إلى أن قام الصلح في عام 1970م، بين الجمهوريين والملكيين، برعاية سعودية، تحت بيرق الجمهورية العربية اليمنية، بعد تفاهمات سابقة بين الرئيس جمال عبدالناصر حسين والملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، في مؤتمر الخرطوم، وزيارة ناصر الرسمية للسعودية لحل قضية اليمن، نظرًا للأوضاع الصعبة التي كانت تمر بها المنطقة.

على صعيد آخر، كان القاضي عبدالرحمن الإرياني يشغل رئاسة المجلس الجمهوري، ولم يمضِ سوى ثلاثة أعوام بعد الصلح، تخللها حالة من عدم استقرار، فضلًا عن تدخلات خارجية في شؤون البلاد الداخلية، حتى قيض الله نفرًا من خيرة أبناء اليمن الأفذاذ، رجالًا عاهدوا الله بتصحيح المسار، وإنقاذ الوطن من الانهيار.

وبناء عليه، قامت ثورة 13 يونيو 1974م التصحيحية البيضاء، بقيادة الرئيس المقدم إبراهيم الحمدي، دون إراقة قطرة من الدماء اليمنية الزكية، ومن ناحية أخرى تم إجراء مراسيم توديع لائق للقاضي الفاضل عبدالرحمن الإرياني، متوجهًا إلى سوريا بحفظ الله ورعايته، وسط حفاوة وتقدير جميع المسؤولين، في مقدمتهم الرئيس المقدم إبراهيم الحمدي.

وفي عهد الرئيس إبراهيم الحمدي ورفاقه في النضال، أحدهم الرائد منصور عبدالجليل عبدالرب، الذي عمل قائدًا للشرطة العسكرية، وعضوًا لمجلس القيادة، وعضوًا للجنة العليا للتصحيح، (شهدت) الجمهورية العربية اليمنية طفرة نوعية بقيام ثورة إصلاحية في جميع الميادين التنموية، وذلك بإنشاء التعاونيات في الريف، وقيام المشاريع الاستراتيجية في البلاد، والنهوض بالناحية الاقتصادية، وبناء دولة النظام والقانون، والقرار المستقل، ومد جسور الصداقة والتعاون مع الدول الأخرى الشقيقة والصديقة، والتطلع إلى وحدة شطري اليمن باتفاق مع أخيه الرئيس سالم ربيع علي، رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وقد اقتربت الساعة الحاسمة لتوجه الرئيس إبراهيم الحمدي إلى الجنوب لإعلان قيام الوحدة، إلا إن يد الخيانة والعمالة والغدر طالته بالتنسيق والتعاون المباشر مع الخارج، وأردته قتيلًا وشقيقه قائد قوات العمالقة عبدالله الحمدي، الذي وصل مقتولًا إلى غرفة الموت، قبل وصول شقيقه الرئيس إبراهيم، وعند وصوله صدم بمأساة جثة أخيه الشهيد مسجاة أمامه في الغرفة، فلم يمهلوه من رد أنفاسه لهول المشهد، بل أجهزوا عليه كالضباع المفترسة، ليلقى به أرضًا بجانب شقيقه طعنًا وبرصاصات الغدر، ويتم المشهد الكارثي في رابعة النهار بشهيدين ومأساة وطن في منزل المستضيف المقدم أحمد حسين الغشمي، رئيس الأركان العامة، في 11 أكتوبر 1977م. ذكرني هذا المشهد باغتيال القائد التاريخي يوليوس قيصر، في مبنى "الكابيتول -مقر الحكم" في روما، بتاريخ 15 مارس عام 44 ق.م، من قبل رفاقه الذين اختارهم سندًا له، مما استدعى الرومان أن يقفوا عبر العصور متألمين من هول المشهد الفظيع، وهم يقفون أمام الكابيتول، حيث يتذكرون كلام القيصر وهو يموت مرددًا عبارة "حتى أنت يا بروتوس!" أقرب الأصدقاء إليه.

الجدير بالذكر، أن حمام الدم لم يتوقف عند الأخوين الحمدي، بل تجاوزهما إلى مطاردة واغتيال قادة آخرين من رفقاء المسيرة الإصلاحية، وصياغة الدولة الحديثة المستقلة.

فوجئ الرائد منصور عبدالجليل قائد الشرطة العسكرية بسماع النبأ المريع في مقتل الرئيس إبراهيم الحمدي وشقيقه عبدالله، فهاله سماع هذا النبأ، وكان في مهمة رسمية إلى الحديدة، فاضطر أن يعود إلى صنعاء، وأن يسلم قيادة الشرطة العسكرية لنائبه، ويبقى في منزله،، مقتنعًا بأنه لن يعود إلى العمل قائدًا للشرطة العسكرية أو أي عمل عسكري طالما أن هناك تباينات وصراعات بين الرفقاء على السلطة والهيلمان، وذكر أيضًا أنه لن يتردد يومًا ما وتحت أي ظروف، أن يعمل في أي موقع آخر، إذا ما اقتضى الواجب الوطني.

سألته عن حصار السبعين يومًا وأبطال فك الحصار، فكان رده مفاجئًا لي، حيث قال إن أبطال فك حصار صنعاء هم أهالي وساكنو صنعاء والمقاومة الشعبية، والجنود البواسل في الميادين، ونحن كضباط يفرض علينا الواجب أن نكون في مقدمة الصفوف للدفاع عن العاصمة صنعاء، واليمن في كل موقع، فالانتصار للجميع، والهزيمة إن وقعت تعتبر كارثة على الجميع. وبكل ألم وحسرة، ذكر أن هناك من خان المهمة إما فرارًا من معركة فك الحصار، وإما الاقتتال المؤسف بين رفقاء السلاح في الصف الجمهوري إبان الحصار وبعد الحصار، لأسباب لم يذكرها، لكنه كان يبدو على محياه الألم والحزن العميق لما كان يحدث من صراعات مؤسفة بين الإخوة.

ثانيًا: التعيينات في الوظائف السيادية (المحافظات ومجلس الشورى):

صورة حديثة للمناضل منصور عبدالجليل عبدالرب
صورة حديثة للمناضل منصور عبدالجليل عبدالرب

أ. تم تعيين اللواء منصور عبدالجليل عبدالرب محافظًا في المحافظات التالية:

١. محافظة المحويت(1978)

2.محافظة إب (1980-1981م)

3. محافظة لحج (1997-2005م)

4. محافظة ذمار (2005-2008م)

فقد حقق إنجازات طيبة في كل المحافظات التي عمل فيها بشهادات أهاليها، شملت التنمية والتعمير والنواحي الخدمية بشتى أنواعها والإصلاحات المالية والإدارية، فأهاليها أخبر بما حدث فيها من إنجازات في مختلف المجالات، وقديمًا قال العرب: "أهل مكة أدرى بشعابها".

ومن مهامه الوطنية المشهودة له على صعيد الاستقرار والأمن والأمان في الجمهورية العربية اليمنية، فقد أقدم بعد تعيينه محافظًا لمحافظة إب، على تهدئة الأوضاع في المناطق الوسطى وإصلاح ذات البين بين الحكومة والجبهة الوطنية وإعادة الاستقرار بعد حروب دامية في تلك المناطق دامت سنين طويلة.

ب. ومن المناصب السيادية أيضًا تم تعيينه عضوًا في مجلس الشورى في أهم مرحلة تاريخية سادها ومايزال عدم الاستقرار في اليمن خاصة والمنطقة عامة.

ثالثًا: المجال الدبلوماسي

تم تعيين اللواء منصور عبدالجليل في السفارات اليمنية الآتية:

١. سفارة الجمهورية العربية اليمنية في موسكو -الاتحاد السوفييتي السابق (1981-1982م):

• نائبًا لرئيس البعثة بدرجة وزير، بالإضافة إلى تكليفه بمهمة خاصة في الشؤون العسكرية.

٢. سفارة الجمهورية العربية اليمنية في برلين الشرقية -جمهورية المانيا الديمقراطية (1983-1990م) بداية، تم تعيينه قائمًا بالأعمال ومسؤولًا عن الشؤون العسكرية، ثم سفيرًا ومفوضًا فوق العادة حتى قيام الوحدة اليمنية المباركة في 22 مايو 1990م، وشغل أيضًا:

• سفيرًا معتمدًا غير مقيم في بوخارست -رومانيا.

• ومسؤولًا عن الطلاب اليمنيين المبتعثين من صنعاء في جميع دول أوروبا الشرقية، ورعاية

الطلاب المبتعثين من عدن في البلدان التي لا يوجد فيها بعثات جنوبية في بلدان أوروبا الشرقية قبل الوحدة.

3. سفارة الجمهورية اليمنية في وارسو -بولندا:

• سفيرًا ومفوضًا فوق العادة في وارسو بعد قيام الوحدة اليمنية المباركة في 22 مايو 1990م.

4. سفارة الجمهورية اليمنية في أديس أبابا -إثيوبيا:

• سفيرًا ومفوضًا فوق العادة لدى أديس أبابا -إثيوبيا، ومراقبًا بصفة مندوب لليمن لدى الاتحاد الإفريقي (1994-1997م).

• ومراقبًا للجمهورية اليمنية لدى الاتحاد الإفريقي (1994-1997م).

• سفيرًا معتمدًا غير مقيم في الدول الآتية:

أوغندا، رواندا، زامبيا، زيمبابوي، أنغولا، موزمبيق، ومدغشقر.

من خلال اللقاءات الثنائية مع سفراء هذه البلدان الصديقة، وكذا في الاجتماعات والمناسبات العامة، تمكن من إرساء صداقات جيدة بين الجانبين وعلاقات ثنائية طيبة مع بلدانهم.

حقيقة، إن التفاصيل في مهام الأخ السفير منصور عبدالجليل عبدالرب، في جميع السفارات، متشعبة وتحتاج إلى متسع من الوقت لتغطيتها، وقديمًا قال العرب: "خير الكلام ما قل ودل"، لذلك اكتفيت في تبيين بعض المعلومات الرئيسة، والجهود المبذولة لسعادة السفير التي تكللت بتحقيق علاقات ثنائية متميزة بين الجمهورية اليمنية وتلك البلدان الصديقة.

وطابت لي الذكرى بأن أعود في مخيلتي إلى عام 2005م في أديس أبابا -إثيوبيا، حيث أتينا لنعرف الشيء الكثير عن سعادة السفير منصور عبدالجليل بعد ثمانية أعوام من انتهاء عمله هناك في 1997م.. فقد ترك بصمات واضحة المعالم في مجال تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين، بخاصة في عهد جديد للدولة الإثيوبية بعد انتهاء نظام مانجستو هيلا مريام، وقيام نظام جديد بقيادة دولة الرئيس مليس زيناوي، عام 1991م، الذي شهدت فترة حكمه الأمن والأمان والاستقرار والتنمية والإعمار في إثيوبيا، وتعزيز العلاقات الثنائية مع البلدان الصديقة عامة، ومع الجمهورية اليمنية خاصة، شملت شتى مجالات التعاون، بفضل جهود سعادة السفير منصور عبدالجليل عبدالرب الذي أرسى علاقات متميزة بين البلدين حكومة وشعبًا، من منطلق العلاقات الشخصية الطيبة التي ربطته مع دولة رئيس الوزراء مليس زيناوي، ومعالي وزير الخارجية سيوم مسفين، والتي أثمرت عن إنجازات طيبة على صعد العلاقات الثنائية اليمنية -الإثيوبية، تعزيزًا للروابط التاريخية بين الشعبين الشقيقين الضاربة أطنابها في أعماق التاريخ بين الجانبين.

في السياق نفسه، توطدت العلاقات الثنائية مع الاتحاد الإفريقي وبلدان الاعتماد غير المقيم من خلال مبعوثيها في أديس أبابا

على صعيد آخر، جعل للمغتربين اليمنيين قيمة واحترامًا في إثيوبيا، وتمكن من حل مشاكلهم وربطهم بوطنهم الأم، من خلال تسهيل سفرهم وتعليم أولادهم، وتشجيعهم في مجال الاستثمار، ونسج علاقات ممتازة مع المغتربين في جميع الأقاليم الإثيوبية، وفتح لهم أبواب السفارة، وصالة الاستقبال التي بناها في حديقة دار سكن السفير للاجتماع بهم وحل مشاكلهم مع السلطات المعنية.. والحديث ذو شجون.

ويستحضرني أيضًا في هذا الصدد شهادة أدلى بها المستشار الإعلامي محبوب بن علي القباطي، نقيب الصحفيين اليمنيين، ونائب نقيب الصحفيين العرب سابقًا، بقوله:"إن الأستاذ منصور عبدالجليل عبدالرب حقيقة شخصية بحجم الوطن.. هذا الرجل الذي عرفته عن قرب وكثب عندما عين سفيرًا لدى إثيوبيا عام 1994م، وكان خير السفراء وأكثرهم محبة لدى اليمنيين والإثيوبيين على حد سواء، رجل يفتح مكتبه في السفارة ومنزله كما يفتح قلبه بوجه بشوش، وكلام عذب. أحب الجميع بلا استثناء كما أحبوه، إنه رجل استثنائي أبلى بلاء حسنًا في السلك العسكري، كما أبلى بلاء حسنًا كقائد مدني وكدبلوماسي محترف، أمضى سنوات طويلة في موسكو، وبرلين الشرقية، ووارسو، وأديس أبابا، ومحافظًا لمحافظات عدة، وفي كل هذه المواقع ترك الأستاذ منصور عبدالجليل بصمات لا تمحى، وعبقًا عطريًا وشهادة الرجال العظماء في سفر التاريخ اليمني".

جوهر القول، إن ما تم عرضه يشمل نبذة موجزة عن اللواء القائد، والمحافظ، والسفير، وعضو مجلس الشورى منصور عبدالجليل عبدالرب، في سائر محطات أعماله المتشعبة، وما قدمه من خدمات جليلة، وإنجازات مشهودة، تلبية للواجب الوطني وإيمانه بحب الوطن. وبناء عليه، فقد التزم بحياديته الإيجابية والنأي بنفسه عن الصراعات على السلطة وغيرها، مما مكنه من اجتياز مشاق الطريق بمسؤولية الواثق في مرحلة تاريخية معقدة، سيسطرها له التاريخ الوطني بأحرف من نور.