بعد لن تكون قبل!

أبلغ تعبير تعجز اللسان عن نقله إلى ذهن المتلقي، لكن عدسة الكاميرا استطاعت من خلال الفيديو نقل اللحظة التي دخلت فيها الأسيرة ملك سليمان إلى بيت الأسرة، بكل اقتدار، بعد الإفراج عنها بموجب اتفاق الهدنة بين المقاومة والعدو الإسرائيلي.

لحظات يعجز المرء عن وصفها، ومشهد الأم التي لم تستحمل كثافة اللحظة وهي تحتضن ابنتها.

لحظة عودة الفلسطينية ملك سليمان إلى أسرتها بعد تحريرها من سجون الاحتلال
لحظة عودة الفلسطينية ملك سليمان إلى أسرتها بعد تحريرها من سجون الاحتلال

تعبير مكثف عن الحالة التي نقلت المقاومة بموجب طوفان الأقصى من الجمود الذي أصاب القضية بفعل غطرسة إسرائيل وتجاهل الغرب وضياع العرب بين مطبع وتائه وضائع بلا قضية.

فلسطين بالمختصر المفيد عادت إلى الواجهة بقوة وبثمن كبير؛ دماء الفلسطينيين، وهو الثمن الذي يؤدي إلى الحرية كما قال إسماعيل هنية، وقال كل من قدم حياته قربانًا على معبدها من مانديلا إلى غاندي وكل شهيد فلسطيني كان شيخًا او امرأة أو طفلًا.

 

لن تعود إسرائيل كما كانت "مدللة" العالم، وتلك المتغطرسة مهما تحاول تلميع صورتها من جديد بواسطة شركات العلاقات العامة، فقد كشف طوفان الأقصى، وبإمكانات بسيطة ومحلية، وسلاح أمضى من أي سلاح، أنها كيان هش! لولا مرضعتها أمريكا وباقي الأمهات في الغرب، فلا تستطيع الصمود أمام مقاتلين يطلبون الموت، ولا يهابون التضحية في سبيل قضية كرامة ووطن، سلاحهم بسيط، ولكنه أمضى "الإيمان بقضيتهم"، والإدراك بأن العالم لا يحترم سوى القوي، لكنه أيضًا يحترم المتغطرس لأنه يعاني من عقدة هتلر على الدوام!

مدينة برشلونة قطعت علاقتها بإسرائيل، وبرلمانهم أبدى استعداد إسبانيا للاعتراف بدولة فلسطينية.. وجنوب إفريقيا قطعت علاقتها، وأمريكا اللاتينية لمعظم دولها مواقف مهيبة أرقى وأشجع من موقف دولة البحرين.

والشارع في أمريكا، وبخاصة الشارع الشاب، وكذا في أوروبا، بدأ يتغير، لأن عقدة الماضي لم تعد متحكمة فيه، وتابع فقط أخبار المظاهرات في المدن الأوروبية والأمريكية، وركز على نسبة الشباب الذين لا تخيفهم إسرائيل كما كانت تخيف كبارهم، وعلى الخطاب الفلسطيني المقاوم أن يتجه برسائله إليهم.

بقي عجوز أمريكا، فلم يعد يدري ما يقول بسبب ضغط الشارع وضغط الانتخابات وفظائع ما يجري بتأييده ما تنقله الصورة الثابتة والمتحركة.

إن عالمًا جديدًا يتشكل، و"البريكاست" خير عنوان للعالم القادم، والفلسطيني المقاوم أثبت أنه قادر على مواجهة غطرسة إسرائيل وصهينة الغرب. والفلسطيني وحده من يستطيع مواجهة إسرائيل، ولن أنسى ما قاله صلاح خلف أبو إياد يومًا: لو تركنا العرب لوحدنا، لكنا قد حللنا مشكلتنا.

والعاقل عليه أن يتعامل مع الحقائق الجديدة التي كتبت بدماء الشهداء. هذا إذا كان ثمة عقل يحكم العالم.. ولا عزاء للجامعة العربية التي عليها أن تختفي كما هم المطبعون.