التفكير خارج الصندوق!

إن كانت رؤية الخالق الكريم سبحانه تعالى لا ولن تتم بالرؤية المباشرة، بينما يمكن رؤيته بسلطان العقل، ومن هنا رأيت اليوم أن أدخل في أمر يتعلق بضرورات التفكير خارج نطاق الصندوق الذي حبسنا فيه أو حبسونا بداخله، خشية أن يذهب العقل عميقًا في معرفة حقائق الأشياء وحقيقة ما يدور سبيلًا للوصول إلى أكبر قدر من معرفة حقائق الأمور التي يحبسونها عنا عمدًا، مما يحول دون مدنا بدفق المعلومات التي باتت حاكمة لعالم اليوم، إذ لا شيء يتم خارج هذا النسق المتيح للمزيد من تدفق معلومات تتحكم وتسيطر عليها إدارات إمبراطورية.

نظم انسياق المعلومات حول كل صغيرة وكبيرة، وعبرها تتواتر أو يتطور سير الأحداث سياسية كانت أو اقتصادية عسكرية، بل أكثر أهمية مالية، فنحن نعيش مرحلة من أكثر مراحل تطور البشر، نحن نعيش مرحلة الثورة المعلوماتية التقنية، فقد بات العالم يعيش واقعًا متناقضًا؛ هناك فيض مقابل ندرة في أشياء، وندرة في أشياء أخرى أقصد المعلومات الدقيقة، بينما هناك سيل من دفق الترهات، ومما يثير البلبلة.. تصوروا كيف نظل نلهث بحثًا عن معلومة صحيحة، فمثلًا ظللنا نبحث ونتقصى عما يدور بين الرياض وصنعاء مؤخرًا دون جدوى، نظل نلهث في دوامة، بينما نحن كأفراد وبشر يمكننا التفكير في أي شيء، وتلك ميزة راجعة للعقل الذي وهبنا إياه المولى الكريم، لكننا ويا للمفارقة لا نفهم، ولا نستطيع تفهم كل شيء.. لكننا كما أثبتت الأيام والعلم وتطور البشرية، نستطيع التفكير السليم في أي شيء، المهم أن يكن تفكيرًا سليمًا يصب في خدمة البشر، وهنا تقع مفارقة بين أغراض السياسة بكل موبقاتها، ومكانة حكمة العقل الراسخ، حيث نجد أن التكامل بين تغييب العقل وبين دهاليز السلطة إنما يصبان في غير ما ينشده العقل السليم، لا ما تنشده مفاسد المصالح التي تحكم المصالح المتباينة للسلطات بمختلف تسمياتها، تخدمها معلومات تتدفق عليها بسهولة ويسر، لذا نقول ونكرر القول إن ظللنا جميعنا، أفرادًا أو ساسة أو قادة، محبوسين داخل نطاق العقل المحاصر عن التفكير السليم، لكن العقل القاصر الساعي فقط لاقتناص الفرصة بأي ثمن، اقتناص أو التقاط الفرصة الذهبية التي إن ولت دون اقتناص لن تعود، هذه حالة العقل المصادر سادت طيلة سنوات الحرب، إنها نفس تلك الحكاية التي روجت بأن عدم اقتناص الثراء أيام حكم الزعيم لا بديل لها. هذه العقليات التي تحكم عليها داخل صندوق معاوية، هي التي دمرت البلد وأهله، وهي التي دارت آثارها المدمرة على رأس بلدنا وشعبنا، وتجعل من الناس مجرد ضحايا ضمن واقعهم البائس لدفع الثمن دمًا وفقرًا وحربًا تطول. هكذا ظل واقعنا مجرد فقاعة من فقاعات هوس البحث عن المجهول المبني على الجهل والانتهازية والتبعية ودمار مكانة إعمال العقل لصالح من يدير لعبة المال والسلطة ولعبة تداول دقة المعلومات من قبل عفاريت جوجل ولعبة المنصات ومراكز المعلومات وبرامج الإعلام الساخنة "التوك شو" عبر نجوم يصنعون كذبًا، يكذبون مثل الثعالب، يخربون العقول، يخربون أوطانًا، ويلقون للأوطان بالفتات، ولا شيء يبقى لدى كل الفرق سواء كانت من الفرق الناجية أو الغارقة في ملكوت الكذب واللعب في الخواء والدعاء كذبًا للمولى كي يغيث، والله لا يغيث من لا يملك عقلًا كاملًا متحررًا، يفكر، ويجب أن يفكر خارج الصندوق. أما صندوق التبعية العمياء للمال والسلطة والعمالة، فقد ظل مشدودًا أعمى لا يفكر، ولكن يلعن الشيطان الرجيم.
نعم نعم، لا نستطيع أن نفهم أو نتفهم كل شيء دمر بلادنا، لكنا نملك أن نفكر جيدًا بعيدًا عن شظايا معلومات مشوهة تأتينا من هنا ومن هناك، حتى وجدنا أن من هم داخل حوش المعركة ليس لديهم إلا النزر اليسير من دفق المعلومات الدقيقة الصحيحة التي تشكل زادًا ومادة لإدارة المعركة التي تدور رحاها في بلادنا تمددًا وانشطارًا وتمويلًا ولعبًا على كل مربعات أزمة اليمن القاتلة التي يجري إمعان قتلها وتمزيقها تحت شعارات ترفع هنا وهناك، وعبر كيانات وقوى وشخصيات أبعد ما يكون قوله فيهم أنهم ليسوا صناع حقائق المعلومات التي يجب أن تجري كجريان دماء البسطاء من أهل اليمن على الأرض، إذ إن المعلومات غير الدقيقة والقرارات القاصرة التي تتحكم ببلادنا من قبل ذوي الحل والعقد، أو كما تعرف بقاموس سياسة القوى الحقيقية التي تدير وتلعب باليمن، تحت مسمى القوى الحية المتواجدة على الأرض، بينما هي قوى ولدتها ومولتها القوى التي تمسك بخيوط المعلومات، وتدير دفتها، سواء كانت تابعة لجوجل وأخواتها، أو كانت ضمن مربع مؤتمرات جوجل وغيرها من قوى ومراكز تفكر وتضخ كم ونوع المعلومات التي تدير بها الصراعات بشتى المناطق، ومنها بلادنا.
من هنا نقول: لقد باتت المعلومة أكثر قيمة وأهمية، عنصر النفط، مارد الزمن الذي أوشك على الاحتضار، أي عصر النفط، ومن هنا تتبدى محاولات إعادة تشكيل العالم خارج نطاق دافوس وكافة مراكز ضخ وتدفق سيل المال والمعلومات. وللعلم نجد أن اجتماعات جوجل السنوية التي تعقد غالبًا في بيت الشر بريطانيا أو دافوس في سويسرا... السدنة هنا دومًا يفكرون خارج الصندوق، ويجبروننا على التفكير دومًا داخل الصندوق الذي حبسونا وحبسوا عالمًا بكامله، تمامًا كما حبسوا بداخله بلدنا الغلبان على نفسه، لأن لدينا من ارتضى واعتقد راسخًا أنه ملك وبطل العرض المسرحي الهزيل حول مسرحية الحرب التي تدمر بلادنا. هم لا يدركون خصوصًا ذاك الذي تقمص دور من أرسلته عناية السماء لإنقاذ بلادنا، بينما هو يدمرها تمامًا مثل أولئك الذين يسيرونهم جوجل التبعية أنهم لا يفكرون أبعد من أنوفهم.
اخرجوا من قمقمكم وأخرجونا وأخرجوا بلادنا من حالة العقل المحاصر، لا تقتلونا مرة بالمصالح الضيقة التي ترونها مفيدة لكم، وتارة عبر المصالح التي تكذبون القول بأنها مرسلة لكم من السماء.
أطلقونا العقول التي حبستم وصادرتم حقها لتفكر خارج صندوقكم الركيك، صندوق جوجل.. اعقلوها وتوكلوا.
لا شيء غير العقل مشيرًا في صبحه والمساء، وهذا العقل يحدثنا بأن الشرعية التي كان يعول عليها قد فقدت في مكان ما مفاتيح إعمال عقلها، فتاهت وتوهتنا معها.
بالنسبة للانتقالي فقد بات راضيًا بالبقاء داخل صندوقه، وأغلق على نفسه الأبواب، معتقدًا أن مفتاحه يبقى المفتاح الوحيد المالك للحقيقة الكاملة وحدها دون غيرها الحل السحري، مفتاح القضية الجنوبية.
أما صاحب مشروع صنعاء، فإنه يعتقد أن مفتاحه هو المفتاح السحري المبين الوحيد دون باقي المفاتيح، إذ هو مفوض تفويضًا سماويًا ينير له الطريق. أما باقي المفاتيح فليست أكثر من مفاتيح ضلال.
يمكننا القول والتشبيه بأن هذه المشاريع الثلاثة التي تحاصر العقل طالما يفكر خارج سيطرتها وتوجيهها، وكل يولد من الأسباب الواهية التي يراها داعمة لقبضته خنقًا ومحاصرة للحقيقة كي تظل ترعى في مراعيه، أنها مشروعات لا تخالف القول أو المثل الإنجليزي القائل: ما الداعي لإنشاء فرقة بيتلز أخرى طالما البيتلز وما شابه متواجدة تقوم بما يلزم موسيقيًا وغيره️!
ختامًا، نقول: لقد أوصلتنا حالة محاربة العقل ومكانته إلى سيادة مكانة التفاهات وسيادة فكر الخرافات والخزعبلات.
لقد أوصلتنا متلازمة محاربة إعمال العقل في التفكير خارج الصندوق لإدراك متجدد لما قاله من وقت مبكر أستاذنا الكبير أستاذ المراحل الراحل النعمان، حين قال مقولته المشهورة: كنا نبحث عن حرية القول، واليوم إذا بنا نبحث عن حرية الـ(...).
ألم يحن بعد الوطني الأوسع أن يكن شريكًا فاعلًا، وأنتم على أبواب مشروع ممرحلة زمنيًا كما نشر وعلم الوطن ملك الجميع، ولا متسع بعد إلى الخروج بالوطن لواحة الأمن والأمان والتوافق الخادم اليمن وشعبه شمالًا وجنوبًا خارج أي اصطفافات تقودنا إلى مربع تركه التحالف بحثًا عن مصالحه، وترك لكم مربط الفرس!