سلطان.. المؤرخ الكبير!

المؤرخ سلطان ناجي

(سلطان) تعلمت من الاستاذ المؤرخ الكبير سلطان ناجي درساً افادني في مسيرة كتاباتي بعد ذلك.. كنت احاوره حول تاريخ احتلال عدن في 19 يناير، ذكرى الاحتلال البريطاني لعدن، والذي يصادف ايضاً يوم الصحافة عندنا بمناسبة اول صدور لجريدة 14 اكتوبر في نفس ذلك التاريخ السعيد..

كنت جديداً على العمل الوظيفي في الصحافة.. ويرجع الفضل في دخولي الى بلاط صاحبة الجلالة موظفاً للصديق والاستاذ الشاعر الكبير محمود الحاج اطال الله عمره..

كان صديقي الاستاذ الحاج من ابناء الشيخ عثمان، وكان لي شرف زمالته في الجيش حين عمل معنا ككاتب مدني مع أكثر من 25 كاتباً من خيرة الموظفين في البلاد.. وكانت مهمتنا حصر ممتلكات الجيش وتدوينها في دفاتر من نسختين.. وكان معنا في حضرموت حيث كنا نقوم بعملنا هناك..

وشهد الحادث الفاصل في حياتي حين عصيت الاوامر العسكرية من الملازم عبدالرحمن حاجش الذي صرخ في بقوله: قف.. استعد.. قم بتحية علم الجمهورية.. واضاف بتحرش: لو كان هذا هو علم بريطانيا.. لوقفت وحييته باحترام.  ونجح كلامه في استفزازي فقلت له: نعم.. لو كان كذلك لحييته بكل احترام.!!

وكان هذا الحادث البائس السبب في خلاصي من خدمة الجيش الذي رفضت استقالتي منه أكثر من مرة.. فتم تسريحي، او طردي، او وات ايفر يو لايك من خدمة الجيش.. ومكثت اشهر بلا عمل الى ان كان بيني وبين الاستاذ محمود الحاج لقاء قال لي فيه: ما رايك لو تاتي للعمل معنا في صحيفة 14 اكتوبر؟ وهل سيقبلون بي بعد الذي صار معي في الجيش؟ سألته؛ قال اترك الامر لي.

كان الاستاذ محمود هو سكرتير تحرير الصحيفة.. ورئيس تحريرها الزعيم الوطني الاستاذ سالم زين.. تمتحنني بس ليه تمتحنني.. ويتجشأ ثم يواصل.. يا حبيبي كم شكا البين قلبي.. اوهووو.. كانت الاغنية هذه هي المفضلة عنده، يرددها في اللحظات المفترجة.. كان ممتنعاً عن تشغيلي في مؤسسته لولا ان محمود أقنعه اخيراً بقبول توظيفي، ولو على سبيل التجربة.. وبأجر يومي.

في اشهر عملي الاولى.. كانت مناسبة 19 يناير قريبة.. فكلفني الاستاذ محمود بمقابلة الاستاذ سلطان ناجي المؤرخ الشهير بعد ذلك ومؤلف كتاب التاريخ العسكري لليمن.. وقتها كان الاستاذ ناجي يعمل مديراً في الجهاز الاداري الذي كان مقره في خور مكسر في حرم السفارة السوفييتية بعد ذلك.

شوف ياعزيزي ..كلامنا بيكون علمي وبعيد عن الشعارات والاكليشيات التي عودنا عليها الناس.. قال هذا وهو ينظر في مقدمة للحوار كنت قد اعددتها للحوار معه وقراها وقال: سيبك من ذي الهدرة حق الثورة المجيدة والمظفرة والنضالات البطولية.. وايضاً قيام الثورة في الرابع عشر من أكتوبر بقيادة وزعامة التنظيم السياسي للجبهة القومية!!!

الثورة شاركت فيها قوى وعناصر كثيرة مع هذا التنظيم السياسي.. ولم يكن وحده هو من خاض غمارها او تزعمها كما تعودنا على سماعه ويردده الناس.. الحقيقة لابد ان تكون هدى لأقلامنا بقدر ما نستطيع.. واذا حجبت عنا الارادة نتجاهل تزييف الحقائق ونكتفي بعدم منح شهادات مجانية لاي طرف على حساب طرف.. وكانت المقابلة في صفحة كاملة حافلة بمعلومات ما كانت صحاافتنا قد تعودت عليها بدون مدائح الرائدة، والمظفرة، والزعيمة والسنبوق..!!  وقد سعد بها الاستاذ ناجي.. وكذلك هناني عليها الاستاذ محمود الحاج..

مرت ايام جرت فيها مياه كثيرة تحت الجسور.. تفرغ المؤرخ الكبير لكتابه الاثير وسافر للبحث عن وثائق احتاجها لتعزيز كتابه القيم.

كانت بريطانيا قبل رحيلها قد بنت في خور مكسر شارعاً على ناصيتي طريق داخل خور مكسر خصصت بيوته لوزراء ولاية عدن ايام حكومة الاتحاد الفيدرالي.. وصارت بعد الاستقلال من نصيب الوزراء الذين جاءت بهم دولة الاستقلال.. او من في حكمهم من القوم.. كل تلك البيوت كانت من طراز معماري موحد جميل الذوق واسع المساحة تحيط به حديقة صغيرة بجانب جاراج للسيارة.

وكان من نصيب الاستاذ سلطان ناجي واحد من تلك البيوت خصص فيه صالة الاستقبال لمبرز قات اسبوعي كمنتدى ادبي كان من حظي بحضور كثير من جلساته الثرية بنقاشاتها ومواضيعها.. كان ذلك قد سبق قيام اتحاد الادباء والكتاب..

ومثله شهدت مدينة الشيخ عثمان في حافة الهاشمي منتدىً مماثل في بيت الاستاذ عبدالله فاضل فارع.. الاديب والمثقف الكبير، والذي كان لجهوده الخلاقة دور بارز تمهيداً لقيام اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين.

     كان الزمن فتياً.. واعداً بالكثير من المسرات.