قراءة في أحلك مرحلة تاريخية للأمة العربية - الإسلامية

في هذا الوضع العصيب الذي يمر فيه الوطن العربي من الخليج إلى المحيط، ومن البحر الأبيض المتوسط إلى بحر العرب، لا تخلو دول عربية من اضطرابات، وفتن، وتدخلات في شؤونها الداخلية إقليميًا، ودوليًا، فضلًا عن عربدة إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

الجدير بالذكر، أنه منذ ثلاثة أعوام، لم نشهد إلا إمعانًا إسرائيليًا مستمرًا في تدنيس المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، والاعتداء على المصلين بكل جسارة وهم يؤدون صلواتهم في داخل المسجد الأقصى وباحته، ناهيك عن محاولات إسرائيلية لا تتوقف عن إخلاء حي الشيخ جراح من سكانه ومصادرة أراضيه وضمها إلى المستوطنات الإسرائيلية.
يقينًا، إن هذا ليحدث جهارًا نهارًا في القدس الشرقية، المدينة المقرة رسميًا أن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية، والتي يجب أن ينسحب منها الكيان الصهيوني المحتل دون قيد أو شرط.
للأسف الشديد، إن مواقف معظم الدول العربية عبارة عن محاولات خجولة حول ما يجري من هجوم صهيوني على الأراضي الفلسطينية، وتقتصر في الغالب على بيانات شجب وإدانة واستنكار، لا ترقى إلى مستوى الحدث على صعيد التأثير الإقليمي والدولي، باستثناء مواقف مصر، والأردن، اللتين تتفاعلان عمليًا، وبشكل مستمر، تجاه ما يحدث في فلسطين المحتلة، انطلاقًا من الواجب القومي، والديني، وحق الجوار، وتكريس المطالبة بحل الدولتين.
حقيقة، إن تلك الأحداث جرت وماتزال في وقت ترزح فيه غالبية الدول العربية في أتون فوضى ومشاكل لا حصر لها، في مقدمتها عدم توفر الأمن، والأمان، والاستقرار الداخلي في عموم المنطقة، فضلًا عن التدخلات بشؤون بعضها البعض، وكذا التدخلات الخارجية في شؤون المنطقة.
وفي السياق نفسه، إن ما يدور في معظم المنطقة للأسف صراعات داخلية، ومصالح، وأطماع إقليمية، ودولية، وتسابق تطبيع مع إسرائيل في إطار صياغة المنطقة بما يتفق مع المشروع الإمبريالي الصهيوني للشرق الأوسط الجديد، وصفقة القرن لقطع الطريق على الصين في مشروع طريق الحرير، والحد من التنافس الاقتصادي للصين ومعها الدول المنضوية ضمن "معاهدة شنغهاي" الاقتصادية والعسكرية والأمنية، والتي تشمل الصين والاتحاد الروسي، والهند وباكستان، ودول وسط آسيا المستقلة عن الاتحاد السوفييتي السابق، وإيران ودول أخرى.
بما لا يدع مجالًا للشك، إن كل الأمور التي ورد ذكرها، شجعت العدو الإسرائيلي على استمرار صلفه، وتصرفاته المستفزة، وإجراءاته القمعية التي لا تتوقف في زهرة المدائن، ومحاولة تهويدها، وبتوسيع رقعة المستوطنات في الضفة الغربية.
وإن ما يحدث من انتهاكات، وجرائم "هولوكوست" يومية في "غزة"، منذ الأسبوع الثاني من أكتوبر 2023م، من قبل الكيان المغتصب للأراضي الفلسطينية، خير دليل على تكريس العدوان الإسرائيلي الغاشم، والإصرار على تصفية شعب فلسطين وإحلاله بمستوطنين، وسط عالم غربي لا يهز له شعرة من قيم إنسانية وأخلاقية، في حين لا تعبأ إسرائيل في الأمر شروى نقير، ولا تعير قدرًا للدول العربية والإسلامية.
إن الوقت قد حان، بلزوم التحرك والحراك على كل المستويات، للوقوف أمام الهجمة الإسرائيلية الشرسة على الشعب الفلسطيني في "غزة"، وبمساندة غربية عامة و أمريكية خاصة، بالتدخل عسكريًا، ولوجيستيًا، وتمويليًا.
الأمر الذي أصبح مفروغًا منه، القيام بتضامن عربي وإسلامي لمواجهة الصلف الإسرائيلي الدائم والقوة المفرطة على القدس الشرقية ومدن الضفة الغربية، ومحاولة تغيير التركيبة الديموغرافية لصالح الاستيطان والضم، واليوم الاعتداء الغاشم على غزة وتصفيات المدنيين ومحاولة التهجير القسري للفلسطينيين إلى خارج الحدود لاستكمال مشاريع خاصة بإسرائيل، وتوسيع مساحتها ورقعة نفوذها في المنطقة على حساب جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية، وهو جزء من المخطط الشرق الأوسطي، ودور إسرائيل في المنطقة، ومحاولة فرضه بقضه وقضيضه على كل من الدولتين والسلطة الفلسطينية والمنطقة بأسرها.
وقد شهد يوم السبت الموافق 21 أكتوبر 2023م، فعاليات قمة القاهرة للسلام، بحضور ملوك وأمراء ورؤساء دول عربية، ومسؤولين من دول العالم ومنظمات دولية وإقليمية. سبقها يوم 20 أكتوبر، زيارة رسمية لرئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك.
وقد أوضح الرئيس عبدالفتاح سعيد السيسي، موقف مصر من الحرب الإسرائيلية على غزة، وتدميرها، ومحاولة اجتياحها وتهجير أهلها قسرًا إلى خارج فلسطين.
وأكد أن الأمر خطير جدًا لا يحتمل التسويف في ما تقوم به إسرائيل بقصف مساكن غزة على رؤوس المدنيين، بادعاء الدفاع عن النفس، وتشديده على أهمية ايقاف الحرب، وتقديم المساعدات الإنسانية لأهالي غزة، والعودة إلى السلام وحل الدولتين سبيلًا لاستقرار المنطقة، كما أكد أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم إلى مصر والأردن، ولن تسمح به إطلاقًا،
فتهجير الفلسطينيين خارج وطنهم بمثابة برميل بارود قابل للانفجار في المنطقة بأسرها، والقصد من وراء ذلك توجيه رسالة إلى كل من "واشنطن" والدول الغربية المنحازة لإسرائيل، وجاءت كلمات وزراء خارجية الدول الغربية في المؤتمر، لتؤكد ذلك الانحياز. وبالتالي، انتهى المؤتمر دون صدور بيان مشترك.
ومن الجدير بالذكر، أنه حان الوقت للعرب أن يجعلوا من اجتماع "القاهرة" منطلقًا لتكاتفهم، وتضامنهم، وتعاونهم، فلم يبقَ في قوس الصبر منزع، وما بعده لن ينجو أي بلد عربي من هذا المخطط الاستعماري الصهيوني الذي لا يرحم الضعيف. وليس على العرب سوى معالجة الإخلالات في العمل العربي المشترك، ومن أهم دعائمه استقلال القرار العربي، والمضي قدمًا نحو اتحاد عربي وميثاق يواكب التطورات الحديثة بداية من هذه القمة التاريخية، وبعدئذ ليس من نظام في هذا الكون بمقدوره أن يزعزع أو يفرض نفسه على المنطقة العربية ذات الموقع الاستراتيجي، والزاخرة بمواردها وثرواتها واكتفائها الذاتي المتميز بين دول العالم. فتذكروا أن التعاون والتنسيق في هذا الظرف الصعب، إنما هو بداية صلبة صوب مستقبل أفضل للأمة العربية، ومن دونه الخسران.