قراءة في انتصارات المقاومة الفلسطينية والمتزامنة مع الذكرى الـ46 لاغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي في العاصمة صنعاء

أولًا: المقاومة الفلسطينية تنتصر، والغرب يتكالب بقوته الغاشمة مع المحتل الإسرائيلي لرد الاعتبارونحن إذ نعيش في هذه الأيام من شهر أكتوبر 2023م، مع شعب فلسطين الأبي وانتصاراته التي حققتها المقاومة الفلسطينية في عملية "طوفان الأقصى" بالإرادة والعزيمة على عدو إسرائيلي غاشم، مدجج بالأسلحة الحديثة، وتكالب الغرب معه لرد الاعتبار على هذه الهزيمة بأي ثمن، وبشتى الوسائل غير الإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني، نود أن نتحدث من سويداء قلوبنا: سلام الله على أهل فلسطين، سلام الله على المقاومة الباسلة في سبيل استعادة كامل التراب الفلسطيني بما فيه القدس الشريف الذي يتعرض للاعتداءات وتدنيس المقدسات العربية والإسلامية يوميًا من قبل العدو الإسرائيلي الصهيوني المحتل للأراضي الفلسطينية.

ندعو الله أن يؤيدكم بنصره، ويتغمد شهداءكم بواسع رحمته "وهل أمل على جباهكم السمراء يكتمل؟".
و"سيأتي اليوم الذي يعم فيه السلام على الأراضي الفلسطينية وعاصمتها القدس، مهما طال الزمن أو قصر، فالحق سيعود لأصحابه"، مقولة الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، قبل اغتياله الذي يصادف هذا اليوم 11 أكتوبر 1977م.

ثانيًا: ذكرى اغتيال الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي وشعب اليمن ينتصر له وفي هذه الذكرى، أعود لأتحدث عن مأساة شعبنا اليمني الذي يتابع صدور حكم القضاء على المنفذين لجريمة الاغتيال.
من الجدير بالذكر، أن كل الدلائل المقدمة طيلة أربعة عقود ونصف العقد، تثبت بالحجة الدامغة والدليل القاطع عن منفذي جريمة اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم بن محمد الحمدي، رئيس الجمهورية العربية اليمنية، في منزل مضيفه رئيس الأركان أحمد حسين الغشمي، يوم 11 أكتوبر 1977م المشؤوم، في صنعاء، وفي أهم مرحلة تاريخية كانت تمر بها اليمن صوب التحديث، تمثلت في بداية تحرير القرار اليمني إقليميًا ودوليًا، وانتهاج سياسة التصحيح كأسلوب شامل للقضاء على الفساد، وتشجيع التعاونيات التي اثمرت بإصلاحات في الأرياف والمدن والمحافظات، وإشراك القطاع المختلط والخاص في العملية التنموية، وتشجيع الاستثمار داخليًا وخارجيًا، واعتماد أول خطة تنموية لثلاثة أعوام مبدئيًا، ووضع حد لسلطة المشايخ في شؤون الدولة، وزيادة الاحتياطي النقدي لليمن من العملات الصعبة في صندوق النقد الدولي.. والعمل بمبدأ الكفاءة في الوظيفة العامة، والمشاركة في السلطة والثروة، والتطلع الجاد لقيام الوحدة اليمنية بين الشطرين بالتنسيق مع أخيه الرئيس سالم ربيع علي، رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وانتهاج سياسة خارجية متوازنة مع الدول الأخرى، تقوم على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض، وكذا موقف اليمن الثابت مع حق الشعب الفلسطيني في استعادة أراضيه المحتلة من العدو الإسرائيلي الصهيوني بعد حرب 5 يونيو/ حزيران 1967م، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
شهدت ولاية الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي التي لم تتجاوز الأربعة أعوام والأربعة أشهر حركة دؤوبة للتحديث كانت نتيجتها مأساوية، حيث اغتيل يوم سفره إلى الشطر الجنوبي من الوطن لإعلان قيام الوحدة اليمنية مع الرئيس سالم ربيع علي.
للأسف الشديد، اغتيل الرئيس إبراهيم الحمدي بمؤامرة خارجية خطط لها وشارك فيها الجيران، بالتعاون والتنسيق مع عملاء يمنيين من العسكريين:
"يا ويحهم نصبوا منارًا من دم
يوحي إلى جيل الغد البغضاء
ما ضر لو جعلوا العلاقة في غد
بين الشعوب مودة وإخاء"
الغريب أن القضاة مازالوا يبحثون منذ 11 أكتوبر 1977م، عن المزيد من المعلومات التي أصبحت أصلًا وفصلًا، مؤكدة لذي حجر وبصيرة حول الجريمة الشنعاء والمنفذين لها، ولا تحتاج إلى دلائل إضافية وتأجيل النطق بالحكم المرة تلو المرة، في حين لو يعلمون أن "عين الشمس لا تغطى بغربال". فهناك الكثر من أدلوا بدلوهم عن جريمة اغتيال الرئيس الحمدي، وشقيقه القائد عبدالله الحمدي الذي اغتيل أيضًا، وتم إحضار جثته إلى إحدى الغرف في منزل المضيف رئيس الأركان أحمد الغشمي، قبل وصول شقيقه الرئيس إبراهيم الذي اقتيد إلى نفس الغرفة التي تتواجد فيها جثة شقيقه مباشرة، وكانت مفاجأته وصدمته الكبيرة عندما رأى جثة شقيقه أمامه، ولم يمهلوه حتى قليلًا ليسترد أنفاسه، بل أجهزوا عليه بطريقة فظيعة، ونقلوا الجثتين إلى مكان آخر، لتغطية آثار الجريمة بأخبار مضللة للرأي العام، للأسف الشديد.
وفي هذا الصدد، عرضت قناة "الجزيرة"، بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين 2022م، فيلمًا وثائقيًا حول اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، وهو المشهد الذي سرعان ما ذكرني برائعة عمل ويليام شيكسبير، مستلهمًا من التاريخ شخصية يوليوس قيصر الذي قتل مغدورًا به من قبل رفاقه في "الكابيتول - روما"، قائلًا عبارته المشهورة لأقرب أصدقائه: "حتى أنت يا بروتس".
وكان لقناة "الجزيرة" الموقرة قصب السبق في توثيق وعرض مشاهد من جريمة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، التي وصفها اليمنيون بـ"غتيال وطن".
يقينًا، إن اغتيال الرئيس الحمدي سيظل وصمة عار على جبين من تآمر عليه ونفذ الجريمة من الجيران والعملاء في داخل اليمن.
ومن هذا المنطلق، فبدلًا من أن تكون العدالة سندًا لكشف الحقيقة الماثلة أمام المجتمع لينعم جراءه بالأمن، والأمان، والاستقرار، إلا أن القضاة حادوا عن جادة الحق، واتبعوا بما يؤمرون به لطمس الحقيقة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: أين العداله يا سماحة القضاة بعد مرور أكثر من أربعة عقود على القضية؟ فهل آن لنا إحضار فانوس الفيلسوف اليوناني ديو جينيس الكلبي، للبحث عن "الحقيقة" في وضح النهار؟
من ناحية أخرى، استوقفني أيضًا قول الشاعر الجاهلي تأبط شرًا:
فالقاتل إن لم يقتل، لم
يلقَ سلاحًا أو يرحل
فلم تمضِ سنة واحدة على قتل الرئيس إبراهيم الحمدي، إلا والرئيس الخلف أحمد الغشمي يلقى مصرعه.. والسؤال الذي يطرح نفسه: من قتله؟ وكيف قتل؟ إن المؤشرات لا تستبعد أنا يكون القتلة من رفقاء ومخططي الاغتيال السابق، الذي كان الصريع أحمد الغشمي أحد الضالعين فيه!
وحسب مراقبين، إن المسرحية التي حيكت حول مقتل الرئيس الغشمي، تعتبر أيضًا استخباراتية، فالمخططون والمنفذون أجادوا وأحكموا الدور في مقتله. حقًا، كثرت التأويلات في هذا الشأن، ولكن النهاية واحدة "إن الله يمهل ولا يهمل".
خلاصة القول، إن أهل الشهيدين الحمدي، والشعب اليمني بعد جيلين، ينتظرون حكم الحكمة. وقد آن الأوان للقضاة النطق بالحكم لتوفر الأدلة المكدسة حول تفاصيل الجريمة منذ 46 عامًا.
ومسك الختام، يستحضرني بعض أبيات من الشعر لأمير الشعراء أحمد شوقي، اخترتها لأتوج فيها ذكرى اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، والشهداء جميعًا
تغمدهم الله بواسع رحمته:
"ألا في سبيل الله ذاك الدم الغالي
وللمجد ما أبقى من المثل العالي
وبعض المنايا همة من ورائها
حياة لأقوام ودنيا لأجيالِ
سلام عليه في الحياة وهامدًا
وفي العصر الخالي وفي العالم التالي"