تجربة التحدي بين أحضان الطبيعة.. قرية سنع (4)

قبل أن أبدأ معكم بتفاصيل رحلتي إلى قرية "سنع"، لا بد أن أورد لكم بعض المعلومات حولها.. فهي تقع إلى الجنوب الغربي من صنعاء، وتتبع إداريًا مديرية سنحان وبني بهلول التابعة لمحافظة صنعاء، تتميز بالعيون الجارية والأشجار المثمرة والمسابح، وفيها يمكن أن تجد أشجار: المشمش (البرقوق)، اللوز، الجوز، والتين الشوكي...

قرية سنع من أعلى الجبل( النداء)
قرية سنع من أعلى الجبل( النداء)

دقت الساعة السادسة صباحًا، إنه موعد استعدادي لرحلة المشي إلى قرية "سنع"، في يوم الخميس 10 أغسطس 2023م، جهزت حقيبتي كالمعتاد، خرجت من المنزل عند الساعة السادسة والنصف، ركبت الباص الأول ثم الباص المتجه إلى حدة الفندق، ترجلت من الباص عند مبنى شركة الكريمي، هناك بدأ الفريق بالتجمع، بعضهم ذهب لتناول طعام الإفطار في أحد المطاعم هناك، والبعض الآخر تناوله قبل أن يأتي، وأنا جلست على رصيف الشارع أتحدث مع بعض المشائين.

 

انطلاق الرحلة

أثناء إنطلاق فريق(الهاش) الى قرية سنع( النداء)
أثناء إنطلاق فريق(الهاش) الى قرية سنع( النداء)

بدأنا التحرك كالمعتاد عند الساعة الثامنة صباحًا من تقاطع شارع حدة مع شارع الخمسين، ومنه توجهنا إلى مفرق "سنع" ثم صوب القرية، مررنا من بين العديد من الأشجار، وكان التين الشوكي ينتشر عن يميننا ويسارنا على طول الطريق، وهناك كان صوت خرير الماء الذي يجري بين الأشجار يعزف لنا سيمفونية جمالية لا يمكن وصفها، وصلنا إحدى عيون الماء التي تتزين بها المنطقة، وهناك قضينا قليلًا من الوقت في التقاط الصور بجوار ذلك الجمال الرباني الذي جمع بين جمال الماء، والخضرة، وجمال تلك القلوب الطيبة التي يتمتع بها أعضاء فريق "الهاش".
في الطريق لفت نظري وجود أشجار معمرة بشكل كبير، كان منظرها يوحي بأننا في عالم الخيال، جذورها كبيرة ممتدة إلى أعلى سطح الأرض، ومن أشكالها تشعر بأنها ستتحرك وتمشي باتجاهك كما يحدث في أفلام الرعب التي تنتجها السينما الأمريكية.

فريق (الهاش) عند احدى عيون الماء( النداء)
فريق (الهاش) عند احدى عيون الماء( النداء)

انتهينا من الاستمتاع بتلك العين وخرير الماء، والتقطنا الصور، بعدها واصلنا طريقنا، وهناك وجدنا بركة ماء على شكل مربع كبير متصلة بجدار مسجد، رأينا الأطفال والشباب يسبحون فيها، وكان الماء يخرج عبر فتحة من جدار المسجد.. كان منظر البركة والأشجار بجوارها في غاية الروعة والجمال، تشعر بالراحة والطمأنينة وأنت تقف على حافتها، عند الانتهاء من الاستمتاع بذلك المنظر أكملنا طريقنا، وهناك وجدنا مجموعة نساء يقمن بغسل الملابس عند إحدى البرك الصغيرة في المنطقة.

يظهر الكابتن علي الدوا أثناء تسلقه احدى اشجار القرية(النداء)
يظهر الكابتن علي الدوا أثناء تسلقه احدى اشجار القرية(النداء)

استمررنا في المشيء إلى قمة جبل "سنع"، هناك مشينا بشكل مستقيم وكأننا أسراب من النمل، كانت الأشجار منتشرة في كل مكان، وكانت هناك شجرة عالية قام الكابتن علي الدوا بتسلقها، ونحن اكتفينا بالتقاط الصور له ولشجاعته في تسلقها دون خوف،

صحيح وهو يتسلق كنا نشعر بالخوف من سقوطه، لكنه كان مؤهلًا لذلك، فقد تسلقها ونزل منها دون أن يحدث له شيء.

 

عبور الأخدود

واصلنا طريقنا إلى قمة الجبل، ولكن هذه المرة لم تكن الطريق صعبة كسابقتها، ولكنها كنت أشد صعوبة لدرجة أني لم أكن أتوقع أن أتجاوزها.. بدأت المغامرة من هذا المكان حيث

فريق الهاش اثناء التسلق(شبكات التواصل)
فريق الهاش اثناء التسلق(شبكات التواصل)

صادفني مسار للتسلق كان مرعبًا بالنسبة لي، أتذكر حينها أني في بداية الأمر وضعت قدمي على صخرة والقدم الأخرى على جذع كبير لإحدى الأشجار، كان منحنيًا كأنه يقول: أنا هنا لمساعدتكم. بعدها انتقلت إلى صخرة أخرى، كانت الأحجار تتساقط عند انتقال المتسلقين عليها، حينها قال الاستاذ عبدالملك: "الطريق خطير ومفروض ما نخاطر "، سمعه الكابتن خالد العقبي، وقال: "الطريق سهلة جدًا، وليست كما تتوقعونها".

مضى الاستاذ عبدالملك يتسلق، وأنا وراءه، ومن خلفي بعض من تبقى من الفريق، حقيقة لا أخفيكم أن التسلق هذا تحديدًا سبب لي الرعب، نعم لقد ارتعبت كثيرًا لدرجة اعتقدت أن حياتي ستنتهي في ذلك المكان، ولكن بتشجيع من البقية، أكملت التسلق وبحذر شديد إلى أن وصلت إلى صخرة كبيرة، عندها مر الجميع منها، وبقيت أنا معلقة هناك، ولا أتذكر من بقى خلفي، لأن معظم من أعرفهم تسلقوا تلك الصخرة، إلا أنا كنت أحاول وأحاول أن أرفع رجلًا فتعلق الأخرى، وباءت كل محاولاتي بالفشل، إلى أن قدم لي الكابتن خالد مساعدة لوجستية، وحينها استطعت تعدي هذه الصخرة وسط ضحكات البقية التي جعلتني أضحك معهم على نفسي.

الأخدود الذي مر منه فريق(الهاش)
الأخدود الذي مر منه فريق(الهاش)

واصلت الطريق مع البقية، ولم تتوقف العقبة عند تلك الصخرة، ولكن واجهتنا عقبة أخرى، وهي ارتفاع كان يجب علينا تجاوزه، كان الأستاذ عبدالملك أمامي يتسلق بصعوبة ذلك المكان، عندها أتذكر أنه قام برمي حقيبة لصديقه، وكأنه يقول: "يا روح ما بعدك روح". كان التراب يتساقط وبعض الحصى من تحت قدمه، ظل متشبثًا ببعض الأحجار القوية، مما أصابني بالهلع، وقلت في نفسي: "إذا كان هو الذي استطاع تجاوز كل التحديات، حنب هنا، كيف بعمل أنا!". في ذلك الوقت خطرت ببالي فكرة، وهي عدم التسلق من الجهة اليسرى التي حاول التسلق منها، واجتازها بصعوبة، فاخترت الجهة اليمنى، كونها كانت بالنسبة لي أفضل، صحيح أني تعبت كثيرًا لأصل إلى الأعلى، ولكن يكفي أني تجاوزت ذلك المكان المعقد، ثم أكملنا الطريق إلى أن وصلنا إلى الأخدود، هذا المكان الذي لا يتسع إلا لشخص واحد، ولكن كان من الضروري تجاوزه، كنت أحمل حقيبة في ظهري، وأخرى على كتفي، فطلب مني الكابتن علي الدوا التخلي عنهما، تم رمي الحقيبتين والعصا إلى الأعلى ليلتقطها الكابتن علي الدوا، وبعدها مررت

المرور من الأخدود إلى أعلى (شبكات التواصل)
المرور من الأخدود إلى أعلى (شبكات التواصل)

من داخل الأخدود، وصعدت إلى أعلى الجبل، حينها شعرت بالانتصار العظيم وأنا في أعلى الجبل، تحدٍّ لم أكن أتوقع أن أتجاوزه، ولكني تجاوزته.

عند الوصول إلى قمة الجبل شاهدت كل تلك المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية والمباني التي بدت بحجم الإبهام. ثما استرحنا قليلًا، كنت أشعر بالدوار، وربما كان ذلك بسبب الجهد الكبير الذي بذلته أثناء التسلق (والفجائع اللي حصلتها). في الأعلى كنا ننتظر الفريق الذي ذهب من طريق أكثر صعوبة، وتسلق إلى قمة الجبل.

كان منظر صنعاء من أعلى يظهر على يسارنا، وأكملنا طريقنا إلى سائلة تتجمع فيها سيول الأمطار، ثم نزلنا إلى قرية "سنع"، واستمررنا بالنزول حتى عدنا إلى نفس البركة التي مررنا منها

الوصول الى قمة جبل سنع( معاذ الصمدي)
الوصول الى قمة جبل سنع( معاذ الصمدي)

عندما صعدنا، بعض أعضاء الفريق مارس هواية السباحة هناك والبعض الآخر توجه إلى شارع الخمسين حيث نقطة نهاية الرحلة، ومنها عدنا إلى منازلنا.
الرحلة التي شارك فيها ما يقارب 31 مشاركًا، قدرت بنحو 10 كيلومترات خلال أربع ساعات مليئة بالمغامرات.