مونتاج لصورة يظهر فيها إنريكيز نيجريرا وشعار نادي برشلونة
مونتاج لصورة يظهر فيها إنريكيز نيجريرا وشعار نادي برشلونة (النداء - وكالات)

مصير برشلونة من قضية نيجريرا.. واحتمالية الإفلاس

بعد فترة بسيطة شهدت سكوناً نسبياً حول القضية الرائجة منذ أكثر من عام، والمعروفة باسم "قضية نيجريرا"، تعود الإثارة من جديد إلى الساحة الرياضية، وتعود معها أهم الأسئلة المصاحبة للملف القانوني للقضية: هل فعلاً من الممكن حظر نادي برشلونة من ممارسة كرة القدم لمدة زمنية يحددها القضاء المختص؟ أم يُكتفى بحرمان النادي من المشاركة في المسابقات القاريّة لمدة عام؟

هذا التصعيد في درجة العقوبات المُحتمل إيقاعها بالنادي الكتلوني يأتي نتيجة لآخر التطورات التي شهدها ملف القضية، بعد أن خرجت صحيفة "El Debate" الإسبانية بتقرير يتضمن تسريباً حصرياً يفيد اتهام رئيس محكمة التحقيق، خواكين أجيري، لنادي برشلونة، كمؤسسة معنوية، ولأشخاص بعينهم مثل رؤساء النادي في ولايات سابقة، جوزيب ماريا بارتوميو وساندرو روسيل، يتهمهم بتقديم رشوة لنائب رئيس لجنة التحكيم سابقاً، خوسيه نيجريرا، بهدف حصول نادي برشلونة على مزايا متعلقة بقرارات التحكيم خلال مبارياته في المسابقات الإسبانية.

هذا التحديث الأخير يوحي باحتمال تحوّل مسار القضية؛ ليصبح الاتهام الرسمي للنادي هو تقديم الرشاوى لموظّف حكومي. حيث ينص قانون المحكمة العليا في إسبانيا "أن الموظف العمومي هو أي شخص يشارك، بموجب أحكام القانون النافذة، أو عن طريق الانتخاب أو التعيين من قبل سلطة مختصة، في ممارسة الوظيفة العامة."

وبناءً على هذا التعريف، فإن ادعاء رئيس محكمة التحقيق يعتبر خوسيه نيجريرا موظفاً حكومياً؛ لكونه شغل منصباً في لجنة التحكيم التابعة للاتحاد الإسباني والذي يعد مؤسسة حكومية، ومن هذا المنطلق لا يمكن لأي نادي تابع لاتحاد الكرة أن يقدّم الأموال لنيجريرا، حتى وإن كانت هذه الأموال نظير خدمات تقدّمها شركته الناشطة بعيداً عن مجال وظيفته العامة، لتفادي وقوع ممارسات تندرج تحت بند "تعارض المصالح".

وفي حالة القضية الخاصّة ببرشلونة، فقد أثبتت التقارير المالية أن النادي دفع للشركة المملوكة لخوسيه نيجريرا مبلغاً يتراوح بين 7 إلى 8 مليون يورو، خلال الفترة من عام 2001 إلى 2018، في الوقت الذي كان فيه نيجريرا يشغل منصب نائب رئيس لجنة التحكيم في الاتحاد الإسباني، حيث شغل المنصب منذ 1993 إلى 2018.

وبالعودة إلى شهر مارس من العام الجاري، الوقت الذي تقدّم فيه مكتب المدعي العام بشكوى إلى محكمة التحقيق رقم 1 في برشلونة، ورد في مضمون الشكوى حصول نادي برشلونة على اتفاقيّة شفهية سرّية للغاية مع خوسيه نيجريرا، بحيث يقوم الأخير، بصفته نائب رئيس لجنة التحكيم، بممارسات تمنح برشلونة أفضلية فيما يخص قرارات التحكيم في المباريات التي يخوضها النادي، وبالتالي التأثير على نتائج المباريات والمسابقات في إسبانيا.

هذه الادعاءات فتحت المجال للتكهّن بمصير النادي وإمكانية إرساله إلى الدرجات السُفلى للدوري الإسباني، أو حرمانه من المشاركة في مسابقة دوري أبطال أوروبا للموسم الجاري؛ خصوصاً بمعلومية أن لوائح الاتحاد الأوروبي تسمح له باستبعاد أي نادي من مسابقاته لمدة عام واحد إذا ثبت تورط ذلك النادي في التلاعب بالمباريات، سواء تلك التي تجري في إطار المسابقات القارية أو حتى المحلية.

الاتحاد الأوروبي بدوره تفاعل مع القضية وأرسل مفتشيه للتحقيق في ملابساتها لحسم مسألة مشاركة برشلونة في البطولات التابعة للاتحاد من عدمها، بالإضافة لتعيين حجم المخالفات التي ارتكبها النادي ومحاسبته عليها، إلا أن القرار في الأخير كان عدم إصدار أي حكم قانوني بحق النادي الكتلوني وانتظار قرار القضاء الإسباني.

ومن جهتهم، تباينت ردود فعل المسؤولين في إسبانيا، حيث عبّر رئيس رابطة الأندية الإسبانية، خافيير تيباس، عن قلقه من الخطر الذي يتهدد سمعة الكرة الإسبانية بسبب هذه القضية واحتمالية وجود تلاعب في نتائج المسابقات التابعة للاتحاد الإسباني؛ حيث اعتبر مجرد محاولة التأثير جريمة فساد.

كما أقر في الأخير بعدم كفاية الأدلة المتوفرة للبت في أمر القضية، حيث قال " هناك أدلة على وجود دفعات غير منتظمة ما كان يجب أن توجد، لكن ما زال يجب توضيح القصد منها، حتى الآن لا يوجد

 

أدلة كافية حول غرض الدفعات الماليّة

بينما دعا رئيس الإتحاد الإسباني (الذي استقال من منصبه في الأسابيع الأخيرة) لضبط النفس وانتظار معرفة كافة التفاصيل المتعلقة بالقضية لإطلاق الأحكام؛ حيث قال في تصريحاته لصحيفة سبورت الإسبانية "يجب عدم الشك في الاتحاد الإسباني والحكام، سنمضي قدمًا حتى النهاية. لكن المشاكل لا تُحل بالتوتر". وأضاف "لا ينبغي الخلط بين أخطاء الحكام وحكام الفيديو وقضية نيجريرا في نفس الوقت. هناك العديد من الأخطاء وستستمر، لا يجب الشك.".

في المقابل، كان رد رئيس نادي برشلونة على المزاعم التي تتهم ناديه بدفع مبالغ ماليّة للحصول على أفضلية في قرارات التحكيم أن نفاها بشكلٍ قاطع، حيث خرج بتصريحات يقول فيها " أن برشلونة لم يشترِ حكاماً أو نفوذاً، لم تكن هذه هي النية أبداً، ويجب أن يكون ذلك واضحاً. الحقائق تُنافي ما يقوله أولئك الذين يريدون رواية قصة مختلفة.".

بينما أوضح الطرف الآخر في القضية، خوسيه نيجريرا، أن الدفعات المحصّلة من نادي برشلونة لم تكن لغرض الحصول على مزايا فيما يخص قرارات التحكيم؛ حيث قال لصحيفة ال "كادينا سير" أنّه "لم يفضل نادي برشلونة فيما يتعلق بتعيين حكاماً لإدارة مباريات النادي، وأن وظيفته كانت فقط تقديم المشورة شفهياً".

وبحسب تفسيره، فإن مشورته تتمثل ببعض النصائح المتعلقة بكيفية تصرف اللاعبين أمام كل حكم وما يمكنهم، وما لا ينبغي عليهم فعله اعتماداً على بيانات الحكم الخاص بالمباراة.

هذا التفسير يتفق أيضاً مع الرواية التي خرج بها ممثلو نادي برشلونة في أكثر من مناسبة، خصوصاً رئيس النادي، خوان لابورتا ، حيث أوضح أن مثل هذه الخدمات التي تقدمها شركة خوسيه نيجريرا للنادي شائعة في كرة القدم الأوروبية، ويلجأ إليها العديد من الأندية، في إسبانيا تحديداً.

لكن المختلف في حالة برشلونة هنا، والتي بسببها يُتهم النادي بشراء الحكام، هو أن الشركة التي يتعامل معها النادي يملكها شخص هو في الحين ذاته نائب رئيس لجنة التحكيم في الاتحاد الإسباني لكرة القدم.

 

بعض الحكّام الذين أداروا مباريات في إطار الكرة

الإسبانية، خلل الفترة التي دفع فيها برشلونة أموالاً لشركة نائب رئيس لجنة التحكيم، أبدوا رأيهم في القضية، معتبرين أن تأثير خوسيه نيجريرا غير موجود وتدخله في هذه الشؤون معدوم؛ حيث قال لويزيتو (حكم إسباني سابق): " لم يتصل بي أي مسؤول في الاتحاد اطلاقاً. التأثير غير موجود."

ايتورالدي جونزاليز، وهو أيضاً حكم إسباني سابق، قال في أكثر من مناسبة ما يتفق مع مضمون تصريح لويزيتو.

بينما اعتبر حكم آخر، وهو خوان روكا، أن القضية تكشف عن عملية احتيال اشترك فيها خوسيه نيجريرا مع مسؤولين في نادي برشلونة لاختلاس أموال النادي، حيث قال "من المذهل أن يدفع شخص ما مقابل تلك المعلومات التي يمكن أن يقدمها لك نيجريرا. إنها إحصائيات متاحة لأي شخص.".

وأضاف "أعتقد أن الوغد باع الدخان وقام بعض الحمقى بشرائه منه بسعر الذهب، لأنهم لم يدفعوا ثمنه من جيوبهم. نيجريرا وبعض موظفي برشلونة قاموا بعملية احتيال لسنوات.".

وبغض النظر عن مدى تأثير نيجريرا على الحكام، وحقيقة استفادة برشلونة من قرارات التحكيم من عدمها، في هذه الفترة التي كان فيها نيجريرا نائب رئيس لجنة التحكيم، إلا أن هذا لا ينفي وجود جريمة فساد أو رشوة ارتكبها النادي؛ إذ حتى اللحظة لا يوجد تفسير مقنع حول غرض النادي من دفع هذه المبالغ لشركة يملكها مسؤول في الاتحاد الإسباني.

 

 

عودة إلى بدايات القضية

من المعروف أن القضية أُثيرت وظهرت للعلن في العام 2022، إلا أن التحقيق في ملابساتها يجري منذ وقت أقدم من هذا التاريخ؛ حيث يعود سبب اكتشاف القضية إلى التفتيشات الدورية التي تُجريها وزارة الخزانة المالية في إسبانيا على الشركات الناشطة داخل الدولة، وقد توصلت تحقيقاتها لوجود مخالفات ارتكبتها شركة خوسيه نيجريرا؛ تتمثل هذه المخالفات بتهرب الأخير من دفع ضريبة مبلغ من المال تحصلت عليه شركته وغير مدرج في سجلات الضرائب التي تدفعها الشركة.

وقد تبيّن في نهاية المطاف أن هذا المبلغ تحصّلت عليه الشركة من نادي برشلونة؛ وهو ما استدعى فتح محظر تحقيق مختلف للكشف عن الغرض من هذه المدفوعات.

في البداية، كان التحقيق حول المبلغ الذي دفعه النادي للشركة خلال الفترة من 2016 وحتى 2018، والذي يقدّر، حسب التقارير الإسبانية، ب 1.4 مليون يورو.

إلا أنه وُجد أن هذه المدفوعات بدأت منذ عام 2001، لتشمل أكثر من ولاية رئاسية لنادي برشلونة، من ضمنها الولاية الأولى لرئيس النادي الحالي خوان لابورتا، بالإضافة إلى ولايتي الرئيسين السابقين جوزيب ماريا بارتوميو وساندرو روسيل.

هذان الأخيران سبق واتهما بأكثر من قضية فساد، حيث قضى ساندرو روسيل في السجن 645 يوماً، على خلفية جريمة تم تبرأته منها لاحقاً.

إلا أنه أيضاً متهم بقضايا فساد متعلقة بصفقة انتقال البرازيلي نيمار من نادي سانتوس إلى نادي برشلونة، يشترك معه في هذه القضية جوزيب ماريا بارتوميو، والذي كان نائباً له وقت إبرام الصفقة.

بارتوميو أيضاً تلاحقه العديد من الاتهامات؛ أهمها تلك التي تتعلق بفضيحة "Barca Gate"، والتي تتمثل باستئجار إدارة النادي، خلال ولاية بارتوميو، شركة خارجية لتشويه سمعة عدد من الشخصيات يُنظر إليها على أنها مُعارِضة للرئيس وتكتسب شعبية في أوساط جمهور برشلونة، مثل ميسي وبيكيه.

ملفات الفساد المختلفة التي يُتهم بها بارتوميو وروسيل تثير الشكوك أكثر حول ملابسات قضية نيجريرا، وتفتح مجالاً واسعاً للعديد من الاحتمالات، لكن الأكيد أن جريمة الفساد وقعت ولا شك، ويبقى الغامض هو تفاصيل الجريمة وتحديد كافة ملابساتها ومدى تأثيرها على نتائج المباريات والمسابقات في إسبانيا.

ومن المتوقع أن تطول فترة التحقيقات، وإلى أن يصدر القرار القضائي الأخير، ستظهر تحديثات عديدة تحرف مسار القضية كل مرة في اتجاه مختلف، ويُبنى عليها تخمينات مختلفة لنوع الجزاء القانوني الذي سينزل بالنادي ومسؤوليه.

المثير لمخاوف جماهير برشلونة من إطالة أمد هذا المسلسل، هو أن الاتهامات التي تلحق بالنادي تهدد سمعته وقد يترتب عليها تأثيرات اقتصادية تُدخل النادي في أزمة هو في غنى عنها في ظل الأزمات المالية الموجودة مسبقاً.

 

تتمثل الآثار الناجمة عن تداعيات القضية في إمكانية تأثيرها على التزام رعاة النادي وفي بنود الشراكات المالية التي من الممكن أن يحتاج النادي لعقدها خلال السنوات القادمة.

أهم هذه الالتزامات هو مشروع تجديد الملعب، والذي مضى فيه الرئيس خوان لابورتا برغم كل المخاطر المحيطة بالنادي، والتي من الممكن أن تؤدي لانسحاب المستثمرين في هذا المشروع، وهو ما سيترك النادي بدون ملعب خاص به.

كل هذا يجعل من القرار القضائي المتمثل بحظر النادي من ممارسة الأنشطة المتعلقة بكرة القدم يؤدي إلى نتيجة حتمية واحدة: الإفلاس والنهاية.

 

رأي حول النهاية الممكنة للقضية

 

في تقديري الشخصي، لن تصل العقوبة إلى حد هبوط النادي إلى درجات دون الأولى في الدوري الإسباني، أو حتى استبعاده من مسابقة دوري أبطال أوروبا في أحد المواسم القادمة، وستبقى في حدود الغرامات المالية، بالإضافة إلى جزاءات قانونية تطال مسؤولي النادي المشتركين في القضية.

هذا التقدير لا يعني عدم وقوع مخالفات تستدعي العقوبات المغلظة، وإنما لصعوبة إثبات وقوعها في هذا النوع من القضايا، وتعيين تأثيرها على النتائج الرياضية.

هذا أيضاً رأي الخبير القانوني والمحامي فيليبي إيزكويردو، والذي صرح للماركا، بعد شكوى المدعي العام في مارس الماضي، وقال: "في الشكوى بأكملها لا يوجد دليل أو إشارة على شراء الحكام، وبدون دليل لا يمكن إدانة المتهمين في هذا النوع من القضايا".

وأضاف: "طالما لا توجد شهادة أو أدلة وثائقية فإن اتهام شراء الحكام غير قائم".

بالإضافة إلى مُضي سنوات عديدة على وقوع الجريمة، وهو ما يجعل من إيقاع العقوبات الرياضية على مستوى مسابقات الاتحاد الإسباني أمر شبه مستبعد؛ إذ أز العقوبات في مثل هكذا قضايا تسقط بالتقادم، بحسب رئيس رابطة الأندية الإسبانية.