الممر الاقتصادي الجديد.. أين موقع اليمن؟

لو قدر للرئيس الأمريكي بايدن أن يطارد الصين حتى زحل لفعل، لكنه لم يملك من الأمر شيئًا.
الأمر رهن إشارات الانتخابات الرئاسة القادمة، وكل المؤشرات تشير لعدم تمكنه من الفوز مرة أخرى، لذا تراه يستميت في إطالة أمد الحرب الأوكرانية، مجرجرًا خلفه حلف الناتو والقارة العجوز، مما أوصل العالم لحافة الهاوية. ذلك أمر لا يعيره اهتمامًا، بل هو يركز على قضايا ثلاث:

الأولى: الاستمرار في محاولة عزلة وإضعاف روسيا وصولًا -إن أمكن- لتفكيكها.
الثانية: استمرار مظاهر هيمنة وقوة أمريكا بواجهة التيار الصاعد المواجه لهيمنتها اقتصاديًا، وبدايات البحث عن بديل لهيمنة الدولار كعملة تبادل واحتياط حتى لو على حساب العالم كله... وبتواطؤ أوروربي بريطاني ياباني.
الثالثة: مواجهة الصعود الصيني كتهديد استراتيجي في مجالات عناصر القوة: اقتصاد، عسكرة، تكنولوجيا... هذه العناصر الثلاثة التي باتت الصين وروسيا والهند بدرجة أساس تتملك اليوم وغدًا ما لم تكن تمتلكه بالأمس.
من هنا بدأت القراءة الشيطانية للرئيس بايدن واليمين الحاكم أعماق الدولة العميقة بالولايات المتحدة التي بدأت مداميكها تتعرض للاهتزاز عبر مؤشرات كثيرة لعل أهمها ما يعتمل داخل المجتمع الأمريكي من صراعات إما بطابعها الطبقي أو الثقافي أو الإثني. هنا وجد بايدن ضالته كي يسعر ويصعد الحرب الأوكرانية، ويبتكر جملة مشاريع ومواقف وتحالفات، اعتقادًا منه أن مركز الكون والقوة ينبغي أن يظل أمريكيًا، هو لم يذهب بعيدًا، أمريكا مسكونة وتحت قبضة وسيطرة المجمع الصناعي الأمريكي القائم على تقنية السلاح وتوتير مناطق الصراعات، وجعلها أسيرة الطلب المتزايد للتسلح عبر تسعير الصراعات وبؤرها التي أشعلتها في أرجاء شتى في العالم، وثانيًا يظل جوهر الرأسمالية في مراحلها كافة المزيد من العسكرة، والمزيد من الحروب، ذلك جوهر الرأسمالية وأساس تطورها.

الظاهرة الأخيرة التي تزامنت مع تصعيد الحرب في أوكرانيا، والتوجه نحو المزيد من إخضاع أوروبا مع تصعيد التوجه شرقًا عبر تحالفات وأحلاف جديدة، وطرح أفكار ومشاريع طابعها اقتصادي، وجوهرها يتضمن خلق المزيد من مظاهر المواجهات مع التنين الصاعد، حتى وإن دفع الهوس الأمريكى لدى بايدن لمطاردة الصين حتى زحل، وليس فقط مناوشتها ببحر الصين وخليج تايوان، ومد تايوان بالأسلحة، واستقبال ممثليها وتبادل الزيارات نكاية بمبدأ صين واحدة ونظامان.
حتى زحل... ذلك محال، لكن المشروع الذيزبدأ بايدن رسم معالم خطوطه قبل أكثر من عام، وبذل فيه جهودًا مضنية بغية إيجاد معادل جديد لطريق الحزام الطريق، وكما يقال مساوٍ في القوة مضاد في الاتجاه. الطريق أو الممر الاقتصادي الذي يربط الشرق بالغرب.. ويجعل من الهند لاعبًا جديدًا نكاية بالصين... يربط آسيا بإفريقيا بأوروبا، ويحاصر في نهاية المطاف طريق الحزام الصيني.

بايدن المدفوع بهوس تحقيق أحلام صهيونيته أساسًا وادعاءً ببراجماتيته التي تسعى لخلق مساقات ومسارات ومصالح عالم جديد يربط بين القارات، ويحقق منافع تبادلية للجميع، مع أنه يهدف أساسًا إلى:

أولًا: خدمة وإدماج إسرائيل، واعتبارها ثابتًا لا يقبل الزحزحة، وبذلك يلغي حقوق شعب فلسطين.

ثانيًا: محاصرة طريق الحرير.
ثالثًا: ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد: استعادة مكانته خليجيًا، محاصرة الصين وإيران، وأخيرًا الغمز للصاعد الهندي أنه يمكنه أن يكون ندًا للصين، ولاعبًا له مكانة خاصة، مع ما له من علاقات متميزة مع إسرائيل.
الممر الاقتصادي الذي غمز به بايدن المملكة السعودية والإمارات، أساسًا لم يكن يسعى للخير، ولكن لغرض في نفس يعقوب؛ التطبيع وإرضاء اللوبي الصهيوني، وهو على مقربة من انتخابات بات مؤكدًا أن ترامب سيطرحه إذا لم تطرأ مفاجآت من العيار الثقيل كسجن ترامب مثلًا.
الطريق أو المشروع الذي روج له بايدن ورعاه، وجلب لطاولة التوقيع عليه عتاولة من العيار الثقيل ماليًا، بخاصة السعودية والإمارات... إذ هو مشروع خيالي الكلفة، حيث ينقل السلع والخدمات من آسيا إلى أوروبا، وبالعكس، عبر ممرين بحريين وممرين بريين.

ما يهمنا هنا الإشارة إلى ما يلي:

نقل السلع والمنتجات من الهند سيتم بحرًا أولًا من الهند وعدد من الدول أولًا إلى مضيق هرمز ثم إلى الإمارات، وبعدها تتحول إلى السعودية والأردن عبر السكك الحديدية حتى ميناء حيفا بفلسطين المحتلة، وبعدها إلى أوروبا.
ما يهمنا هنا أين موقع اليمن ومينائها الرئيسي عدن وباقي الموانئ الحديدة المخا المكلا؟ أين نحن من أبعاد هذا المشروع؟
هذا المشروع أغفل قناة السويس، وأغفل بلادنا، لكن الكون ليس ساكنًا، ومداميكه ليست لعبة بيد أمريكا.. فها هو مشروع روسي للتجارة الدولية يتحفز للظهور ممتدًا من شواطئ الأطلسي قبالة سواحل غينيا الاستوائية، وصولًا إلى باب المندب وخليج عدن، كما سيمر بغينيا الاستوائية ودولة الجابون وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان وحتى إثيوبيا، وكيف لا وروسيا لديها استثمارات ضخمة بالمنطقة الاقتصادية بقناة السويس، لا بد من توافر كل اللوجستيات التي تدعم نجاحها، وبالتالي تخدم قناة السويس بشكل أو بآخر، بخاصة ومصر قد هيأت بنية تحتية مناسبة تتناسب مع مخاطر وتحديات الممر الاقتصادي الذي يريد بايدن من خلاله إرباك العالم بدءًا بالصين مرورًا بروسيا وأي أطراف تعارض المضي قدمًا بكوميديا التطبيع الإبراهيمي وأحلام بايدن بالعودة سيدًا للبيت الأبيض وحاكمًا للعالم كما يعتقد ويحلم، بخاصة إذا تجاوز عقدة أوديب، عفوًا عقدة ترامب.