سبتمبر.. محطة للمراجعة والانتصار للعمل الوطني

كل ثورة أو انتفاضة شعبية على مر العصور والأزمان، هي حالة فارقة في حياة الأوطان والشعوب، هي لحظة تجرد من الذاتية والأنانية، والإيمان بالحقيقة الكاملة، التي تقود المرء للتضحية من أجل الحرية والمستقبل الذي تنشده جموع الجماهير الهادرة التي لا تؤمن في تلك اللحظة الثورية المتجردة إلا بالله والوطن.

26 سبتمبر كانت واحدة من تلك الثورات التي آمن شبابها بالجمهورية والتغيير والبناء بعد عقود طويلة من حكم الكهنوت وسيادة الظلام والعنصرية المقيتة، وما كان لهذه الثورة أن تنتصر لولا إيمان الشباب اليمني يومها بحقهم في الحرية والازدهار، لذا فقد بذلوا تضحياتهم وأرواحهم كلًا من مكانه وموقعه، ليوم مشرق وغد مضيء وأحلام جميلة وحرة اصطدمت في ما بعد بتحديات كبيرة منذ اليوم الأول لنجاح الثورة.

كان النظام الجمهوري؛ حيث الحرية والديمقراطية والتعددية والانفتاح على العالم، هو حلم اليمنيين، وكانت المحطات السياسية التي أعقبت الثورة قد بدأت التأسيس لمداميك هذا النظام، وكانت أنصع صورة عاش فيها اليمنيون في شمال اليمن حلم الثورة والدولة، هي في عهد الرئيس المقدم إبراهيم الحمدي، الذي كان يطمح لتأسيس دولة حقيقية؛ دولة النظام والقانون والمواطنة والعدالة، لكن هذا الحلم أُجهض بالاغتيال الغادر للرئيس الحمدي، الذي بدأ من خلال الدولة في الشمال، يضع المداميك الحقيقية والواقعية للوحدة اليمنية مع الجنوب، لكن هذا الحلم صودر أيضًا من قبل جهات ودول كانت ترى في الوحدة على هذه الطريقة تهديدًا لها ولمصالحها غير المشروعة في اليمن.

عمومًا، يمكن القول أيضًا بأن رموز الثورة السبتمبرية تم التخلص منهم، ومنهم قائد الثورة علي عبدالمغني، وشاعرها محمد محمود الزبيري، وبطلها عبدالرقيب عبدالوهاب، وآخرون اغتيلوا أو تم إقصاؤهم وتشريدهم من البلاد.

لم يكن الخارج يريد عملًا وطنيًا، ولم يكن يريد دولة حقيقية، وبدلًا من أولئك القادة والزعماء الوطنيين، تمت الاستعانة ودعم قيادات سياسية وعسكرية ومشيخية، وربما سلالية تحت الطلب، لتكبيل الجمهورية بقيود كثيرة تمنعها من أن تصبح دولة لجميع الناس، ولجعلها مهددة على الدوام.

واليوم، ونحن نحتفل بهذه المناسبة الغالية، وقد حدث في البلد ما حدث من انقلاب على الدولة والجمهورية، علينا أن نسترجع تلك المحطات، وأن نستلهم شجاعة الأبطال والقيادات الوطنية التي أرادت أن تبني دولة جمهورية للناس، دولة وطنية حرة، وأن نتأكد يقينًا أنه لا شيء مستحيل أبدًا، ولكن أمامنا اليوم واجب تصويب العمل الوطني الذي ضل طريقه عند كثير من النخب والأحزاب، والعمل على إيجاد الرؤية والمشروع الوطني الحقيقي الذي يلبي تطلعات كل اليمنيين، ويبني لهم دولة عادلة ومحترمة، ويحفظ أمنها وأمن الجوار والعالم، والتحرك لإقناع الإقليم والعالم بهذا المشروع، والتخلي عن الأنانية والذاتية التي جعلت كثيرين يقدمون مصالحهم على مصالح البلد والشعب، وفقدوا احترام الخارج الذي تعامل معهم كأدوات رخيصة لتنفيذ مشاريعه ومصالحه في اليمن، في تجاهل متعمد لمصالح شعبنا وبلدنا.

إننا أمام مرحلة فاصلة فيها تحديات كثيرة، ولكن لن نتجاوزها إلا بالعمل الوطني الصادق النابع من الداخل ومن مصالح الشعب والوطن العليا. دون ذلك لن يكون هناك شيء جديد ومفيد لليمن واليمنيين، وما يجري في اليمن من محاولات خطيرة لتنفيذ مشاريع التقسيم والتفكيك في البلد، ما هو إلا نتيجة من نتائج غياب المشروع الوطني الجامع، الذي لن تستعاد الجمهورية إلا به، ولن نحافظ على يمن موحد وقوي إلا به، غير ذلك مزيدًا من الخراب والتفكك والضياع.