قراءة في انهيار النظام العربي العميق وانعكاساته على الواقع اليمني (يناير 2011 - سبتمبر 2023م)

أ: انهيار الأنظمة العربية العميقة بثورات شبابية بدءًا من ثورة الياسمين في تونس (ديسمبر 2010م حتى ثورة الجزائر فبراير 2019م)

شاءت الأقدار أن تنهار الأنظمة العربية العميقة بثورات شبابية عارمة بداية من تونس (ديسمبر 2010م) تلاها مباشرة (مصر 25 يناير 2010 م) ثم اليمن، وليبيا، وسوريا (فبراير2011م)، وأخيرًا لا آخرًا السودان (ديسمبر 2018 م) والجزائر (فبراير 2019م)، ثورات شبابية طليعية متجددة بعد أن ذاقت البلدان العربية مرارة الويلات من أنظمتها التوليتارية المستبدة.
حقًا، إنها ثورات دكت الأبراج العالية لمضاجع تلك الأنظمة، ومايزال العمل الثوري قائمًا ومتجددًا حتى يحقق أهدافه.. وعلى الرغم من أنه كان بالإمكان معالجة مشاكل الشباب لبساطتها، والتي تمثلت بمطالب في مقدمتها توظيفهم، وتحسين أحوالهم المعيشية، وهذا كان كفيلًا بإنهاء معاناتهم، إلا أنه بدلًا من معالجة أسباب ثورات الربيع العربي، جوبهت بتعالٍ، وغطرسة، وصلف، وعناد، وشيطنة هذه الثورات، قادت هذه الأسباب في النهاية، إلى سقوط تلك الأنظمة العميقة.
والغريب في الأمر، أن كل رئيس عربي كان يقف مخاطبًا الشباب كأنه "عنترة زمانه"، مع الفارق الشاسع بينه وبين "عنترة بن شداد"، حامي مضارب بني عبس والعرب، والمشهود له بالفروسية (البوشيدو باليابانية) بأسمى معانيها.
في واقع الأمر، لازم الشباب تواجدهم في ساحات التظاهر، يستمعون إلى خطابات رؤساء الأنظمة، غير مبالين بالتهديد والوعيد، حتى تساقط الواحد تلو الآخر، كأوراق الخريف.
حقيقة، إن العامل النفسي لكل واحد منهم جعله لا يصدق ما يحدث أمامه بأن شبابًا طيبين، بائسين تجرعوا الثالوث الرهيب: الجوع، والفقر، والمرض، يثورون عليه، وقد زاده كبرياء وعنادًا ما يسمع عنهم من قبل بطانته، وحوارييه، وحاملي المباخر، بأن الأمور تحت السيطرة، وأنه يسهل التصرف مع هؤلاء الغوغائيين، وإنهاء أي تجمع لهم في الساحات بشتى الوسائل الممكنة: قنصًا، وحرقًا، ورشًا بالمياه العكرة.
لذا أخذتهم العزة بالإثم، فلم يدرك منهم هذا الرئيس أو ذاك، "أن معظم النار من مستصغر الشرر"، وما هي إلا أيام حتى توسعت دائرة هذه الثورات الشبابية لتشمل شبابًا من مختلف مكونات المجتمع المدني، بمن فيهم شباب الأحزاب التي اعتلت المشهد بكل قوة، وكانت رافدًا قويًا وداعمًا لثورات الربيع العربي. وهناك من استغل الفرصة من الأحزاب الأكثر تنظيمًا ليكون بديلًا عن النظم العميقة.
لا يخفى على أحد إن شباب الأحزاب كانوا من العوامل الرئيسة لتعزيز "ثورة الصدور العارية"، و"البطون الخاوية"، مما جعل سقوط هذه الأنظمة أمرًا لا محالة منه.

* في واقع الحال، إن هذه الثورات قامت في وقت رفع فيه الحكام العرب شعارات: "أنا الدولة، والدولة هي أنا"، "أنا ومن بعدي الطوفان".. وقد تزامنت هذه الشعارات مع رغبتهم الملحة في "توريث الحكم" أو ما اصطلح على تسميته حينئذ "الجمهوريات الملكية"*.

وهنا توقفت هنيهة، استحضرت خلالها بعض أبيات من الشعر، للشاعر محمود سامي البارودي باشا، قائد "الثورة العرابية" في مصر، عام 1881م، ورئيس وزراء مصر 1882م، والملقب بـ"رب السيف والقلم"، والمنفي من قبل الاستعمار البريطاني إلى جزيرة "سرنديب -سيرلانكا"، على النحو الآتي:
لا تحسبن العيش دام لمترفٍ
هيهات ليس على الزمان دوامُ
تأتي الشهور، وتنتهي ساعاتها
لمع السراب، وتنقضي الأعوامُ
والناس في ما بين ذلك وارد
أو صادر، تجري به الأيامُ
لا طائر ينجو ولا ذو مخلب
يبقــى، وعاقبة الحياة حِمَامُ

ب: العامل الخارجي والنفسي لسقوط النظام العربي

ما يجب على القارئ هو التعرف في هذا الصدد على "المخرج الأجنبي" المساند لهذه الثورات، أو من كان يقف وراءها، وأخذ علمًا بسيكولوجية الحكام العرب، وهم صنيعته وعملاؤه، الأمر الذي أسهم أيضًا في إغراقهم، وتشجيعهم على الفساد خلال أربعة عقود، حتى تحين له الفرصة للإطاحة بهم، وقد حانت لتنفيذ مخططه الاستعماري -الصهيوني في صياغة المنطقة.
باليقين، إن هذا المخرج قد ركز على العامل النفسي لهؤلاء الحكام، مدركًا أنهم لن يقبلوا بالتنازل لأي مطالب كانت، بعد فترة حكم عبثية طويلة سادها الظلم، والقهر، والفساد.
ومن هذا المنطلق، نستشف أن هذا "المخرج الامبريالي" تمكن من استخدام الحرب النفسية كعامل رئيس لإسقاط هؤلاء الحكام، وكان عامل التواصل الاجتماعي السريع الانتشار أيضًا بين الشباب إحدى ركائزه، فضلًا عن التحذير للأنظمة من محاولة قمع المظاهرات، أو قتل المتظاهرين الشباب، وكذا الحث على تلبية مطالبهم وإعطائهم حقهم في حرية التعبير، تلك الأمور جميعها قد أسهمت إلى حد بعيد بتعزيز العمل الثوري في مختلف ساحات التظاهر وإسقاط رؤوس الأنظمة العميقة.
وما كان ليتأتى لهذه الثورات وبكل غليانها أن تؤتي أكلها لولا تضحيات الشباب ذوي الصدور العارية، ورافعي اليافطات وأرواحهم على أكفهم (ارحلوا، ارحلوا، هرمنا، هرمنا).
الجدير بالذكر، كان حال اليمن مختلفًا نوعًا ما عن بقية الدول العربية، تمثل ذلك بتدخل "مجلس التعاون الخليجي"، مما أفضى إلى مبادرة خليجية، أفقدت ثورة الربيع العربي في اليمن بريقها لمخاوف جيوسياسية وسيسيولوجية من هبوب رياح الثورة إلى عقر دار البلدان الخليجية الملكية.
على كل حال، وقع على المبادرة جميع الأحزاب والمكونات السياسية، وبموجبه، تم انتخاب رئيس توافقي "المشير عبد ربه منصور هادي"، باستفتاء شعبي عريض، كما نصت المبادرة على مرحلة انتقالية مزمّنة، كان المستفيد منها حزبي المؤتمر، والإصلاح، اللذين عادا لتقاسم السلطة من جديد (وكأنك يا بو زيد ما غزيت) أمام خيبة أمل شبابية، وبالتالي، استمر حكم الحزبين وشركائهما لمدة سنتين وبضعة أشهر عجاف، سادتها الفوضى، وعدم الاستقرار، وتخللتها مكايدات ومناكفات سياسية، وعدم تمكين رئيس الوزراء (أ. محمد سالم باسندوة) من تسيير شؤون دفة الحكم، أضف إليه أن جميع الوزراء، والقادة العسكريين والأمنيين ظلوا منقادين لأوامر قيادة رؤساء أحزابهم، كما كان الحال قبل قيام ثورة الشباب، ولم يبقَ لـ"رئيس الجمهورية المشير عبد ربه منصور هادي"، سوى حراسته الخاصة التي تم القضاء عليها في وقت لاحق خلال اقتحام منزله.

ج: أهم حدث خلال الفترة 2012-2014م تمثل بدخول جماعة "أنصار الله" "صنعاء" في 21 سبتمبر 2014م

وفي هذا الصدد، تعددت الأسباب، وكيل الاتهامات، في جدل عقيم بين الحزبين الحاكمين وشركائهما، تمحور حول: أيهما كان السبب بدخول "أنصار الله" وتمكينهم من اقتحام صنعاء؟
وجاء الرد على جدلهما بشفافية، بأن عامل الفساد المالي، والإداري، والمناكفات السياسية بين الحزبين اللدودين الحاكمين، وكذا عامل الضعف الذي دب في أروقتهما التنظيمية، والمشاكل التي عمت تلك المرحلة بين الحزبين العميقين الحاكمين معًا منذ عام 1993م حتى صراعهما على رئاسة السلطة في العقد الأول من الألفية الثالثة، قد أسهمت بامتياز بدخول "أنصار الله"، الذي شكل شبابه أحد روافد الثورة الشبابية في الساحات. وكانت النتيجة أن سلم الخصمان الحاكمان طوعًا للوافد الجديد القادم من "صعدة" كأمر واقع، ولعله جاء حكمًا ليقضي بين الطرفين.
وبعد وقت قصير، أعلن رئيس المؤتمر "علي عبدالله صالح" الاتفاق معهم رغم الحروب الست التي خاضها ضدهم خلال الفترة يونيو 2004 -يناير 2010م، (وله في هذا الشأن مآرب).
إن هذا الاتفاق من الناحية المنطقية -حسب مراقبين- لم يكن وليد الساعة، وإنما يعود إلى وقت سابق قبل أن ينطلق الأنصار من "صعدة" إلى "صنعاء"، وفي خطة رامية للتخلص من "جماعة الوادعي السلفية"، ثم "الفرقة العسكرية الاولى مدرع" و"التجمع اليمني للإصلاح" المنافس العنيد للمؤتمر الشعبي العام على "السلطة والثروة"، وكان ذلك الشغل الشاغل للرئيس السابق علي عبدالله صالح، ثم يأتي الدور في النهاية على "أنصار الله"، ليتمكن من العودة إلى الحكم من جديد، في محاولة منه لإدارة عقارب الساعة إلى الوراء عكسًا لطبيعة الأشياء، وسنن الكون، كما كان لا يساوره أدنى شك من أن "أنصار الله" قد أصبحوا في قبضته -ظانًا أن الأمر بتلك البساطة، وهو يملك القوة العسكرية الضاربة- ولن يكلفه أدنى مشقة، على الأقل، إما احتواؤهم تحت سلطته، وإما التصرف معهم من موقف الحازم، والأهم هو إنهاء غريمه: التجمع اليمني للإصلاح، والفرقة العسكرية الأولى مدرع بقيادة الفريق الركن علي محسن الأحمر، تحت غطاء القاعدة والدواعش، يلي هذه الخطوة إجهاض مخرجات "مؤتمر الحوار الوطني" التي كانت تؤرقه ليل نهار، بخاصة في الجانب المتعلق بشكل الدولة الجديدة "جمهورية اليمن الاتحادية"، ومسائل أخرى يضيق الحديث عنها في هذه العجالة، في مقدمتها "توريث الحكم"، ولكي يكتمل هذا السيناريو عمد "زعيم المؤتمر" "علي عبدالله صالح"، إلى أن يدفع بـ"أنصار الله" في المقدمة، بغطاء عسكري وأمني شمل جميع المناطق، للقضاء على تواجد "التجمع اليمني للإصلاح" في سائر أنحاء اليمن، من منطلق أنهم إخوان، وقاعدة، ودواعش، وإرهاب، بالإضافة إلى سحق الاعتصامات، والمظاهرات في جميع المدن اليمنية، مقدمًا على المكشوف كل إمكانيات ومقدرات الدولة من معسكرات الحرس الجمهوري، ومخازن السلاح، والأمن المركزي، والحرس الخاص، والأمن بشقيه السياسي، والقومي، والنجدة، والشرطة، في كل المحافظات، للوقوف في صف واحد مع جماعة "أنصار الله"، ليس حبًا فيهم، وإنما لقطع مرحلة بهم من منطلق ميكيافيللي "الغاية تبرر الوسيلة".
قطعًا، كان ذلك التفكير عقيمًا جدًا، لا ينم عن فهم سياسي لمجريات الأحداث في اليمن والمنطقة عمومًا، كما غاب عن حزب المؤتمر أيضًا، أن "أنصار الله" جماعة عقيدية، عسكرية، منظمة، لديها مشروع خاص بها، يتمثل بحكم اليمن، مسنودة بدعم فني لوجيستي - إيراني مسؤول، لا علاقة لها -حسب مراقبين- بما يخطط له زعيم المؤتمر علي عبدالله صالح، ومعه السعودية، والإمارات... الخ.
وقد تمكن "أنصار الله"، في آخر المطاف، من حسم الموقف لصالحهم، وإحراز قصب السبق في التخطيط الممنهج والذكي للاعب الشطرنج، لإزاحة المؤتمر بنهاية سريعة (كش أو تشيك ملك) في سلطة لا تقبل القسمة على اثنين. وبالتالي، لم يتم الرقص على رؤوس الثعابين (مقولة أحد تبابعة اليمن التي كان يرددها الرئيس السابق علي عبدالله صالح، حول الكيفية التي كان يتعامل بها في إدارة حكمه لليمن).. وبناء عليه، "انقلب السحر على الساحر".

د: شهدت الفترة 2012-2023م أيضًا تطورات محلية بأبعاد إقليمية ودولية شملت ما يلي:

- "مخرجات مؤتمر الحوار الوطني" والتوقيع عليها من قبل المكونات السياسية، والشباب، والمرأة، وإعداد وتقديم مسودة الدستور الجديد المتفق عليها للتوقيع، ولم يتم تنفيذه.
- توقيع "اتفاق السلم والشراكة الوطنية"، بين الحكومة، و"أنصار الله"، في 21 سبتمبر 2014م، ولم يتم تنفيذه أيضًا.
- مغادرة الرئيس عبد ربه منصور هادي بعد اقتحام منزله في "صنعاء"، إلى "عدن"، ثم توجهه مساء 25 مارس 2015م، إلى "الرياض"، بعد قصف طيران "صنعاء" قصر "معاشيق" في "عدن"، حسب مصادر عليمة، وفي فجر 26 مارس 2015م بدأ التحالف بقصف "صنعاء".
وفي السياق نفسه، صدر قرار مجلس الأمن 2216 عن "اليمن"، يوم 14 أبريل 2015م، تحت "الفصل السابع"، أقر بالحفاظ على سيادة الجمهورية اليمنية واستقرارها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية.
قمين بالذكر، أنه بعد مغادرة الرئيس "صنعاء"، لحق به غالبية نواب التجمع اليمني للإصلاح، وأعضائه في الحكومة، وكذا نواب وأعضاء أحزاب أخرى، وقرابة ربع نواب حزب "المؤتمر الشعبي العام"، طالبين نجدة التحالف بقيادة السعودية بإعادة الحكومة الشرعية إلى صنعاء.
وفي السياق نفسه، فإن من تبقى من أعضاء التجمع اليمني للإصلاح تفرقوا ما بين مأرب، وقطر، والرياض، وتركيا، والقاهرة، كما بقي قرابة نصف نواب حزب المؤتمر الشعبي العام، بمن فيهم أعضاء الحكومة من الحزب، في "صنعاء"، وما يقرب من ربع حزب وأعضاء المؤتمر المتبقي تفرقوا -شذر مذر- ما بين أبوظبي، والقاهرة وعواصم أخرى.
- في واقع الأمر، تم تشكيل التحالف العربي من 10 دول عربية بقيادة المملكة العربية السعودية بعاصفتيه الحزم، والأمل (الحزم: 26 مارس 2015م، ثم الأمل بداية من 22 أبريل 2015م، على أساس تقديم المساعدات الإنسانية)، وبهدف إعادة الحكومة الشرعية إلى اليمن.

هـ: تشكلت ثلاث حكومات خلال الفترة (2014-2018م) على النحو الآتي:

الأولى: برئاسة د. خالد محفوظ بحاح (6 نوفمبر 2014م -أبريل 2016م)، وشغل أيضًا منصب نائب رئيس الجمهورية. تمت إقالته من قبل رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، لتجاوزه صلاحيته الدستورية بخصوص عقد اتفاق مع دولة "الإمارات"، يتعلق بجزيرة "سقطرى"، وبما لا يجوز له قانونيًا وشرعيًا في عقد بيع أو إيجار لأراضي الشعب اليمني. وقد صدر قرار جمهوري بإقالته، كما صدر قرار آخر بتعيين الفريق الركن علي محسن الأحمر كنائب لرئيس الجمهورية.
الثانية: برئاسة د. أحمد عبيد بن دغر (4 أبريل 2016 -أكتوبر 2018 م).
الثالثة: برئاسة م. معين عبدالملك سعيد (18 أكتوبر 2018م -؟).
كما شهدت تلك الفترة حضور أربعة مبعوثين للأمم المتحدة كوسطاء لإنهاء النزاع في اليمن، على النحو الآتي:
1. الدبلوماسي المغربي د. جمال بن عمر (2011 -أبريل 2015م).
2. الدبلوماسي الموريتاني د. إسماعيل ولد الشيخ أحمد (25 أبريل 2015 - 16 فبراير 2018م).
3. الدبلوماسي البريطاني مارتن غريفتس (25 فبراير 2018 - 25 مايو 2021م).
4. الدبلوماسي السويدي هانز غوندبرغ (6 أغسطس 2021 -؟).
ويشار إلى أن هؤلاء المبعوثين الأمميين يمثلون جهة اعتبارية هي الأمم المتحدة التي تخضع لقرارات مجلس الأمن ومصالح الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس، والتي مايزال موقفها غير واضح تجاه الحل في اليمن.
من ناحية أخرى، عينت الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن، في 4 فبراير 2021م، الدبلوماسي تيموثي ليندركينغ، مبعوثًا خاصًا إلى اليمن لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب.
وجاء أيضًا، خلال الفترة، انعقاد اجتماعات بين الحكومة الشرعية وسلطة الأمر الواقع (أنصار الله)، بحضور المبعوثين الدوليين -وفقًا لمدد تعيين كل واحد منهم- وذلك في (جنيف، وييل، والكويت، ثم اتفاق "استكهولم")، لكن لم تتحقق نتائج ملموسة أو ملحوظة للخروج من النفق المظلم.. واستمرت الحرب بقصف طيران التحالف العسكري السعودي - لإماراتي بلا هوادة المدن اليمنية، بخاصة الشمالية، وما كان ليتوقف في القصف لولا استخدام "أنصار الله" طائرات مسيرة متطورة يصل مداها إلى المنطقة الشرقية في السعودية، وأبوظبي ودبي في ساحل عمان الشمالي على الخليج.
من ناحية أخرى، استمر التحالف العسكري السعودي -الإماراتي التموضع في السواحل والجزر والموانئ، كما استمرت الحرب الداخلية بين الفرقاء اليمنيين في جبهات متعددة.
والأدهى والأمر، أن الحكومة لم تتمكن من العودة إلى العاصمة المؤقتة "عدن" بسبب "مليشيات الانتقالي التابعة للإمارات"، الأمر الذي أدى إلى فرض "اتفاق مزمن في الرياض" بين الحكومة الشرعية، والمجلس الانتقالي المليشياوي التابع للإمارات (للمرة الثانية)، وبصورة غير معهودة في العالم أن يعقد اتفاق بين شرعية، ومليشيات خارجة عن القانون، والغريب أن المجلس الانتقالي لم يلتزم بتنفيذ "الاتفاق" من نوفمبر 2019م، وبكل جرأة أعلن رئيس المجلس اللواء عيدروس قاسم الزبيدي، من أبوظبي"، في 26 أبريل 2020م، قيام "الإدارة الذاتية لحكم جنوب اليمن"، وبصورة مناقضة للاتفاق، كما استأنف الانتقالي ومليشياته مظاهر العبث من جديد في المناطق الجنوبية، ومضايقة الجيش الوطني المعترف به رغم تواجد التحالف العسكري السعودي -الإماراتي في المناطق الجنوبية المختلفة.
وخلال الحرب تعرض الجيش الوطني المعترف به لعمليات قصف من قبل التحالف مرات عديدة، بدءًا من "نهم" (شمال اليمن)، وكذا في "صعدة"، وأخيرًا في "منطقة العلم" قرب مدينة "عدن"، بالإضافة إلى شيطنته بالقاعدية، والدعشنة، كما شمل القصف أماكن مدنية كثيرة، قس عليه، انتهاك السيادة اليمنية بزيارات إماراتيين وغير إماراتيين على متن طائرات إماراتية إلى أرخبيل سقطرى دون ترخيص من الحكومة اليمنية، فضلًا عن تدفق شحنات الأسلحة إلى الجزر والموانئ اليمنية، واستحداثات عسكرية دون موافقة الحكومة اليمنية، إضافة إلى تجريف جغرافية، وتاريخ، وثروات اليمن في المحافظات الجنوبية، وبما يعد انتهاكًا صارخًا لسيادة اليمن كدولة مستقلة عضو في الأمم المتحدة والأجهزة التابعة لها، وكذا عضو في جميع المنظمات الدولية والإقليمية، ناهيك عن مخالفة القانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن، والقرارات السيادية لدول العالم.
صدر "بيان الرياض الثاني"، في يونيو 2020م، بعد فشل الاتفاق الأول، وذلك بتشكيل حكومة مشتركة بين "الحكومة الشرعية" و"المجلس الانتقالي المليشياوي الجنوبي" التابع للإمارات، وتضمن البيان شروطًا بتنفيذ الشق العسكري والأمني، وتعهدت السعودية هذه المرة بالإشراف على التنفيذ، ورغم عودة الحكومة إلى العاصمة المؤقتة "عدن"، في يناير2021م، إلا أن الوضع الأمني لم يستقر. وبالتالي، لم ينفذ الشق الأمني والعسكري للأسف الشديد، ولم تفِ السعودية بما تعهدت به. كما لم تتمكن الحكومة من تلبية خدمات المواطنين نظرًا لعبث المليشيات. وعليه، اضطر دولة رئيس الوزراء د. معين عبدالملك، ومن معه من أعضاء الحكومة، إلى مغادرة "عدن" إلى "الرياض" "مكره أخاك لا بطل"، وقد سبق أن منع الرئيس عبد ربه منصور هادي، وطاقمه من هبوط طائرته في مطار عدن من قبل المليشيات، وعاد توًا إلى "الرياض"، في ظاهرة معيبة يتحمل مسؤوليتها التحالف، الأمر الذي ينبئ عن مستقبل ضبابي للمحافظات الجنوبية، خاصة بتواجد وعبث مليشيات الانتقالي وغيرها من المليشيات التابعة للإمارات.
فوجئ اليمنيون بصدور القرار الكارثي للمملكة العربية السعودية في شهر أغسطس 2021م، بطرد عشرات الآلاف من اليمنيين من أعمالهم، وبما لا يتفق مع مجريات الأحداث ووضع اليمن العصيب، كما لا يخدم مثل هذا التصرف الجائر علاقات الجيرة والتعاون بين البلدين الشقيقين، بخاصة في ظروف صعبة يعاني منها اليمنيون، علمًا أن مثل هذا التصرف قد خضع لتفسيرات ورؤى مراقبين بأنه عمل غير مبرر وغير مسؤول، ووصفوه أيضًا بأنه عمل غير إنساني، وله دوافعه في مثل هذا التوقيت.

يقينًا، إن ما نشهده بعد مضي ثماني سنوات من الحرب المستعرة ليس سوى فوضى، ودمار، إلى جانب قيام فرق مليشياوية تابعة للإمارات مدعومة ماديًا ولوجستيًا، على النحو الآتي:

- المجلس الانتقالي الجنوبي ومليشياته بقيادة اللواء عيدروس الزبيدي.
- فرقة العمالقة الجنوبية التي أسسها العقيد الركن عبدالرحمن صالح المحرمي، المكنى "أبو زرعة المحرمي".
- فرقة عسكرية أطلق عليها "حراس الجمهورية -المقاومة الوطنية اليمنية"، بقيادة العميد الركن طارق محمد عبدالله صالح.
- فرقة مليشياوية بمحافظة تعز بقيادة "أبو العباس".
كلها فرق مليشياوية محلية تابعة للإمارات تحت مسميات عدة، حددت مواقعها في الشطآن اليمنية، وفي الموانئ، والجزر، والمدن اليمنية من جنوب الحديدة حتى حضرموت، ناهيك عن تواجد عسكري للإمارات في جزيرتي سقطرى وميون، وميناءي عدن، وبلحاف... الخ.
يقابل ذلك، تواجد عسكري سعودي في حضرموت والمهرة وموانئهما، لأطماع في منافذ على بحر العرب، بغية تصدير النفط والغاز دون اتباع الإجراءات القانونية المتعارف عليها وفقًا لقانون الاستثمار اليمني، إضافة إلى محاولة السيطرة على الأراضي المحيطة بمناطق مرور الأنابيب من حدودها حتى بحر العرب، وبما يخالف القوانين الدولية، واحترام سيادة الدول على أراضيها، علاوة على استخدام ضغوط لتثبيت أو فرض أمر واقع على أراضٍ يمنية شاسعة غنية بالنفط والغاز والمعادن، على امتداد شمال الجمهورية اليمنية.
ما أود أن أؤكده، أن اليمن في وضع مأساوي حقيقي، وبحاجة إلى ضمائر حية لإنقاذه.
دارت خلال مايو ويونيو 2021م، محادثات تقودها سلطنة عمان بين "أنصار الله -سلطة الأمر الواقع" و"السلطة الشرعية"، ومن ثم "السلطة الشرعية" ممثلة بالتحالف الذي تقوده السعودية كشريك في الحرب ضد "أنصار الله"، وذلك برعاية "سلطنة عمان"، لوقف إطلاق نار نهائي بمباركة إقليمية ودولية، ولم تتوقف المساعي العمانية الحميدة حتى سبتمبر 2023م، لإيجاد انفراج لحلحلة مسائل الخلاف وإنهاء الحرب. وعلينا أن ننتظر ونترقب ما سيستجد من نتائج على أرض الواقع.
في سياق آخر، وللتذكير، كان صدر "إعلان" أو "بيان"، في 7 أبريل 2022م، مفاده تنازل "الرئيس هادي" عن كامل صلاحيته الرئاسية، وإعفاء نائب الرئيس الفريق الركن علي محسن الأحمر، من منصبه، وهو المنصب الذي تولاه بدلًا من د. بحاح المقال في أبريل 2016م.
وتم ذلك بعد مسرحية مأساوية شارك فيها 600 مسؤول يمني في الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، في الرياض، للتشاور.
وقد جرى التنازل لصالح مجلس قيادة رئاسي انتقالي يتكون من رئيس وسبعة أعضاء نوابًا للرئيس، على النحو الآتي:
- اللواء د. رشاد محمد العليمي رئيسًا (مستشار لرئيس الجمهورية سابقًا).
وعضوية نواب الرئيس التالية أسماؤهم:
- اللواء عيدروس قاسم الزبيدي -رئيس المجلس الانتقالي التابع للإمارات (لم يتنازل عن منصبه).
- اللواء الركن سلطان علي العرادة (محافظ مأرب سابقًا).
- العميد الركن طارق محمد عبدالله صالح (قائد عسكري سابق).
- العميد الركن عبدالرحمن صالح المحرمي (أبو زرعة) -سلفي.
- اللواء الركن فرج سالمين البحسني (محافظ حضرموت سابقًا) -مستقل.
- الشيخ عثمان حسين مجلي (برلماني سابق، مؤتمر).
- الأستاذ عبدالله عبدالله العليمي باوزير (عضوية المجلس الرئاسي) -إصلاح.
ومن الملاحظ، أن تنازل الرئيس عبد ربه منصور هادي عن صلاحيته كرئيس شرعي بنقل السلطة تحت ضغوط إلى مجلس قيادة رئاسي انتقالي غير شرعي، قد خضع لتحليلات مراقبين سياسيين ودبلوماسيين وقانونيين، وصفوا المشاورات اليمنية -اليمنية التي عقدت تحت مظلة مجلس التعاون لدول الخليج العربية -الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي- خلال الفترة من 29 مارس إلى 7 أبريل 2022م، في الرياض، عبارة عن "انقلاب متكامل الأركان"، ومخالفة لكل الأسس والمرجعيات التي بنيت عليها العملية الانتقالية في اليمن، ومنها قرارات مجلس الأمن تحت الفصل السابع، ومخرجات الحوار الوطني المتفق عليها من قبل جميع المكونات السياسية والشباب والمرأة، والذي تمخض عنها مشروع الدستور.
من جهة أخرى، عدم دستورية مجلس القيادة الرئاسي الانتقالي وفقًا لخبراء قانونيين، إلى جانب عدم حضور "أنصار الله" كطرف رئيس في المشاورات اليمنية -اليمنية.
وعلى الرغم من أن تلك الآراء حول المشاورات -حسب قانونيين- تؤكد عدم قانونية نتائجها، إلا أن رعاة المشاورات، أقروا نتائجها، وباركتها الجامعة العربي ومجلس الأمن، كيفما اتفق.
حقيقة، لا يوجد انسجام واضح بين أعضاء المجلس، وكل ما في الأمر، أنهم لن ينفذوا في المرحلة الانتقالية سوى تعليمات الأوصياء عليهم. والسؤال الذي يطرح نفسه: اليمن إلى أين؟
وقد تزامنت تلك الفعاليات بزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن والوفد المرافق له، للمنطقة في منتصف شهر يوليو 2022م، بدءًا بإسرائيل، وأخيرًا بمدينة "جدة"، ولقاء مسؤولي دول مجلس التعاون الخليجية على مستوى القمة، بالإضافة إلى دعوة الدول الآتية: مصر (رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي)، والأردن (الملك عبدالله بن الحسين)، والعراق (رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي)، لحضور الاجتماعات حول تطورات الأحداث العالمية والإقليمية، ولم تقدم لليمن دعوة للحضور للأسف الشديد، رغم أهمية هذه الاجتماعات، وإنما اكتفى الوفد اليمني برئاسة د. رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، بلقاء وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية أنتوني بلينكن.
في واقع الحال، لم تتوقف المساعي الإقليمية والدولية للوصول إلى حل، خصوصًا بين طرفي النزاع في اليمن: "السلطة الشرعية" ممثلة بالسعودية كجزء من المشكلة، و"سلطة الأمر الواقع -أنصار الله" في "صنعاء".
جوهر القول، يطيب لي أن أسجل مناشدتي كمواطن منحاز إلى "حزب الوطن"، بأن أمام اليمنيين حاليًا من "صعدة" و"ميدي" و"الحديدة" إلى "سقطرى" و"المهرة"، حتى الحدود اليمنية -العمانية، مسؤولية تاريخية لإنهاء الاقتتال الداخلي والتدخلات العسكرية الخارجية في شؤون البلاد، والعودة إلى طاولة المفاوضات، وحكم اليمن معًا وفقًا لما تم الاتفاق عليه في مخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة الوطنية، أو أي حل وسطي يوافق عليه جميع الأطراف، لتفادي تمزيق اليمن، والإجهاز على ما تبقى من أطلسها، فحجم التآمر على اليمن، في الواقع، مهول وكارثي.
وليس أمامنا من سبيل سوى أن ندرك، ونتدارك هذا الخطر المتربص باليمن من كل صوب، قبل فوات الأوان، وبعبارة أدق بقي أن نقول: "إما أن نكون أو لا نكون".