جلسة للبرلمان اليمني (شبكات التواصل)
جلسة للبرلمان اليمني (شبكات التواصل)

البرلمان.. بين خرق الدستور ومساعي التعطيل

جدل كبير أثارته جلسة افتراضية لمجلس نواب الشرعية، انعقدت أمس عبر الاتصال المرئي، وسط انقسام حاد داخل الكتل البرلمانية للأحزاب السياسية، واتهامات متبادلة، تنوعت بين مساعي التعطيل، والخروقات الدستورية.

والأحد اعتذرت كتلتا الحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، عن عدم حضور جلسة تشاورية عبر تطبيق الزوم، دعت إليها هيئة رئاسة البرلمان، لمناقشة عدد من القضايا الراهنة، في مقدمتها مخالفات الحكومة في ما يتعلق باتفاقية الشركة الإماراتية للاتصالات التي أثير حولها الكثير من اللغط.
برر الناصري والاشتراكي عدم مشاركتهما بجلسة الانعقاد الافتراضي للبرلمان، بكونها غير دستورية، فقال مصدر في مكتب رئيس البرلمان إن التحجج بالدستور والقانون "كلمة حق يراد بها باطل"، واتهم الحزبين ضمنيًا بمحاولة تعطيل جلسات المجلس.
فما حقيقة المبرر الدستوري لانعقاد جلسة برلمانية افتراضية؟
بالعودة إلى الدستور واللائحة الداخلية لمجلس النواب، نجد أن المقر الدستوري لانعقاد جلسات البرلمان هو العاصمة صنعاء، وفقًا للمادة 66 من دستور الجمهورية اليمنية، التي خولت اللائحة الداخلية للمجلس صلاحيات تحديد الحالات الخاصة التي يجوز فيها للمجلس عقد جلسات خارج العاصمة. يقول النص الدستوري: "مقر مجلس النواب العاصمة صنعاء، وتحدد اللائحة الداخلية الحالات والظروف التي يجوز فيها للمجلس عقد اجتماعاته خارج العاصمة".
بينما تنص المادة 5 من اللائحة الداخلية للمجلس على أن "مقر مجلس النواب العاصمة صنعاء، ولا يجوز للمجلس عقد اجتماعاته خارج العاصمة إلا لظروف قاهرة يستحيل معها انعقاد المجلس داخل العاصمة، بناءً على دعوة من رئيس الجمهورية،  بناءً على اقتراح من هيئة رئاسة المجلس، ويوافق على الاقتراح أغلبية أعضاء المجلس".
لكن بعد قرار الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي، بنقل العاصمة اليمنية إلى عدن بشكل مؤقت، هل بات مقر المجلس هو العاصمة المؤقتة الجديدة؟
لنفترض ذلك، فلماذا إذن لا تنعقد جلسات البرلمان في عدن، باعتبارها العاصمة المؤقتة، وإذا كان النص الدستوري واللائحة الداخلية للبرلمان يقولان بأن اجتماع المجلس خارج العاصمة لا يتم إلا بوجود ظروف قاهرة، فينطبق عليه عدم جواز انعقاد جلسات البرلمان عبر الاتصال المرئي، إلا إذا استحال انعقاد جلسات وجاهية للمجلس في أي مكان على الأراضي اليمنية.
فهل هناك ظروف قاهرة يستحيل معها انعقاد المجلس في العاصمة المؤقتة عدن؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل هناك ظروف قاهرة تحول دون قدرة البرلمان على الانعقاد في أية مدينة يمنية؟

بالنسبة للاجتماع الافتراضي للمجلس، فليس هناك نص دستوري أو لائحة داخلية تجيز ذلك، وبالتالي فهو في نظر عدد من رجال القانون اجتماع غير دستوري.

حديث هيئة رئاسة البرلمان وبعض أعضائه عن أن الجلسة الافتراضية، جلسة تشاورية فقط، يتعارض مع مخرجات الجلسة التي انعقدت أمس، والتي خلصت إلى جملة من التوصيات والتوجيهات، وافتتحها رئيس البرلمان بشكل رسمي، وبجدول أعمال، وبحضور عضو مجلس الرئاسة عثمان مجلي.
رئاسة البرلمان قالت إن هناك جلستين سابقتين تم عقدهما افتراضيًا أثناء مشاورات الرياض، متسائلة لماذا لم تعتبرهما كتلتا الاشتراكي والناصري، غير دستوريتين، قياسًا بموقفيهما حيال الجلسة الافتراضية الأخيرة؟ في إشارة إلى الربط بين موقف الاشتراكي والناصري من قضية رفض لجنة البرلمان للاتفاقية الحكومية الموقعة مع شركة الاتصالات الإماراتية NX، التي قال البعض إنها تضمنت بيع أصول سيادية لقطاع الاتصالات، من بينها البوابة الدولية للاتصالات اليمنية، وتمكين الإمارات من السيطرة على الأمن القومي اليمني.
وهي الاتهامات التي ترفضها بشدة كتلتا الاشتراكي والناصري في البرلمان. واستغرب مصدر مسؤول في الكتلة البرلمانية للتنظيم الناصري، محاولات تجيير موقف الكتلة الناصرية من حضور الجلسة الافتراضية، التي قال إنها انطلقت من مقتضيات التمسك بالدستور ولائحة البرلمان.
المصدر نفى أن تكون الكتلة البرلمانية للتنظيم الناصري شاركت في أية جلسات افتراضية سابقة، كما زعم التصريح الصادر باسم مصدر مسؤول في مكتب رئيس البرلمان.
الكتلة الناصرية حذرت من خطورة انعقاد جلسات افتراضية للبرلمان، وقالت عبر مصدرها المسؤول إن "عقد لقاءات افتراضية لمجلس النواب، سواء كان للتشاور أو لغيره، لا يعد مخالفة دستورية وحسب، بل سيكون أحد عوامل إضعاف البرلمان، وإساءة للشرعية ومركزها القانوني أمام المجتمع الدولي، وهذا ما يجب أن يتنبه له الجميع، بعيدًا عن المزايدات أو تحوير المواقف عن سياقاتها الوطنية والدستورية التي تراعي المصلحة العليا للوطن".

 

استئناف عمل البرلمان

لا توجد استحالة لانعقاد جلسات البرلمان في العاصمة عدن، بدليل أنه انعقد فعليًا هناك بعد صدور الإعلان الرئاسي بنقل السلطة، إلى مجلس الرئاسة، كما أن عددًا من لجان التقصي البرلمانية، تمارس عملها من العاصمة المؤقتة عدن، وتنجز مهامها من هناك، وتلتقي بالجهات المعنية، وتحقق معها، ولم تشكُ هذه اللجان من وجود عوائق أو قيود تواجه عملها، فلماذا لا يستأنف البرلمان جلساته من عدن.
وإذا افترضنا جدلًا أن هناك استحالة لانعقاد المجلس في العاصمة عدن، فبالتأكيد لا توجد استحالة لانعقاد المجلس في مكان آخر داخل الجمهورية من المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دوليًا، بدعوة من رئيس الجمهورية (رئيس مجلس القيادة حاليًا)، بناء على مقترح مقدم من هيئة رئاسة المجلس توافق عليه أغلبية أعضاء المجلس، وفقًا للمادة الخامسة من اللائحة الداخلية لبرلمان.
لكن ذلك لن يتم إلا بعقد جلسة في العاصمة المؤقتة عدن، حتى يتسنى لهيئة رئاسة المجلس تقديم المقترح سالف الذكر.
لكن البعض يتعلل بالظروف الراهنة للبلد، والتي تجيز اتخاذ إجراءات غير دستورية، قياسًا على نص الإعلان الرئاسي بنقل السلطة، وما تلاه من عقد اجتماعات لأعضاء مجلس الرئاسة عبر الاتصال المرئي، إلا أن البعض الآخر يرى أن عدم قدرة الحكومة المعترف بها دوليًا، على تأمين جلسات البرلمان داخل الجغرافيا التي تسيطر عليها، يحمل دلالات سلبية للشرعية التي لا تجتهد كثيرًا لتعزيز قوة مؤسساتها، وتحسين صورتها أمام شعبها والمجتمع الإقليمي والدولي.