تبديد قرض كويتي.. الحكومة تحضر لصفقة فساد جديدة بقيمة 60 مليون دولار

تبديد قرض كويتي- الحكومة تحضر لصفقة فساد جديدة بقيمة 60 مليون دولار
تبديد قرض كويتي- الحكومة تحضر لصفقة فساد جديدة بقيمة 60 مليون دولار (ألنداء)

تكريسا لثقافة الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية، واستمرارا للسياسات العابثة بالمال العام في قطاعات الدولة المختلفة، تعتزم حكومة معين عبدالملك تبديد قرض كويتي بقيمة 60 مليون دولار مخصص لتجهيز كليات مجتمع في عدد من المحافظات اليمنية.

القرض الذي تمت الموافقة عليه من قبل الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية عام ٢٠١٤، هدف الى النهوض بقطاع التعليم الفني والتقني في اليمن، عبر تجهيز 12 كلية مجتمع وفقا لأحدث المواصفات، لكن مخاوف كثيرة ظهرت مؤخرا حول حقيقة تنفيذ هذا المشروع، الذي يتم الاعداد لفتح مظاريف المناقصة الخاصة به، بالمخالفة لأدنى معايير الشفافية وتفتقر للإجراءات القانونية، فضلا عن غياب البنية التحتية المهيئة لاستيعاب القرض.

رسالة رئيس البرلمان سلطان البركاني إلى رئيس الحكومة معين عبدالملك
رسالة رئيس البرلمان سلطان البركاني إلى رئيس الحكومة معين عبدالملك (النداء)

ووفقا لمذكرة البرلمان لرئيس الحكومة، حصلت "النداء" على نسخة منها، فان المناقصة التي تم الاعلان عنها بتاريخ 9/1/ 2023 ، لم يتم تجهيزها عبر شركة دراسات متخصصة لمعرفة احتياجات الجانب الفني والتقني في كليات المجتمع وتحديد الاحتياج، كما ان المناقصة لم تعرض على اللجنة العليا للمناقصات، المغيبة عن عمل الحكومة منذ انتقالها الى عدن قبل نحو تسعة اعوام، كما لم يتم تشكيل لجنة من الجهات المختصة كما هو محدد قانونا.

وعل الرغم من ان المناقصة دولية وقابلة للتنافس من كل الشركات المتخصصة في هذا المجال، الا ان القائمين على المناقصة حصروها في ثلاث شركات ووضعوا المواصفات التي تتناسب مع شركة معينة في مخالفة جسيمة لقانون المناقصات والمزايدات. بمعنى ان اللجنة اختارت نظام معين للشراء يسمى (Phantom) وهو نظام القسم الكامل فيما يتعلق بتأثيث وتجهيز عدد من الاقسام، وهذا النظام لا تبيعه الا شركات محدودة، اي ان اللجنة حددت مسبقا الشركة التي ستقع عليها المناقصة، وبنت وثائق المناقصة عليها؟

مخالفات جسيمة:

المخالفات لا تقتصر على اجراءات بعينها فيما يتعلق بالمناقصة كما ذكر البرلمان، بل تمتد الى مختلف مراحل اعداد وتجهيز الوثائق الخاصة بالمشروع، وهو ما اكد عليه تقرير اللجنة الفنية المشكلة من الامانة العامة لمجلس الوزراء لدراسة وثائق المناقصة الخاصة بالمشروع.

افاد تقرير اللجنة الفنية - حصلت "النداء" على نسخة منه - بان قرار تشكيل لجنة المناقصة منعدم الاثر القانوني، لمخالفاته الجسيمة للقانون.

القرار يفتقر بالفعل الى ابجديات العمل المؤسسي، اذ يشوبه الغموض، ويكتنفه الكثير من الاعتلال، والتناقض، فالقرار الصادر بدون تاريخ وبرقم (5) لسنة 2018، ينص في فقرته الثانية بان مدة اللجنة المشكلة اربع سنوات تبدأ بتاريخ صدور القرار الذي صدر اصلا بدون تاريخ! ولم يمضي عام كامل حتى صدر قرار وزاري (بدون رقم) لسنة 2019، وبتاريخ 28/12/2019، بتعيين عضو جديد في اللجنة، ثم صدر قرار وزاري اخر بتاريخ 23/7/2020م، بتعيين عضوا اخر في اللجنة التي بات قوامها مخالفا لقانون المناقصات والمزايدات ولائحتها التنفيذية التي حددت ان لا يزيد قوام اللجنة عن رئيس واربعة اعضاء.

ازدواجية:

وعدا لحنة المناقصة التي تم تشكيلها بالمخالفة للقانون، تم تشكيل لجنة تحت مسمى المراجعة والتقييم النهائي، وهو من اختصاص لجنة المناقصة، التي لوحظ ايضا ان عدد من اعضائها المشكلين بقرار سابق، يعملون ضمن لجان اعداد وثائق المناقصة وهو ما يحظره قانون المناقصات والمزايدات.

هذه الازدواجية في المهام وتعارض الصلاحيات، ربما تفسر غياب اسماء معدي تقرير مرفوع لوزير التعليم الفني والتدريب المهني السابق تحت مسمى (تقرير انجاز ومراجعة المواصفات وقوائم التجيهيزات الخاصة بتأثيث 12 كلية مجتمع لعدد 30 تخصص.

التقرير تضمن 15 صفحة، لكنه خلى من التاريخ والرقم، والاسماء، واكتفى معدوه بتذييله باسم مقرر اللجنة، دون توضيح من هو هذا المقرر، واي لجنة يقصدها.

الازدواجية في المهام استمر ايضا في القرارات الخاصة بالوثيقة النمطية، حيث لوحظ صدور تكليف لعدد من الاشخاص بأعداد الوثيقة النمطية، ثم صدر تكليف اخر، لذات الاشخاص لمراجعة الوثيقة النمطية، اي ان من اعد الوثيقة هو من سيقوم بمراجعتها. الاسوأ من ذلك انهم من غير ذوي الاختصاص وفقا لتأكيد اللجنة الفنية التابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء.

مغالطات أم جهل؟

ولان المعنيين بإعداد الوثيقة النمطية من غير ذوي الاختصاص، فقد وقعوا في اخطاء كثيرة ومخالفات جسيمة، تنم بعضها عن جهلهم بالإجراءات المتبعة في اعداد الوثائق الخاصة بمشاريع القروض الدولية، فيما تكشف في البعض الاخر عن مغالطات واضحة، وشبهة فساد، سهلته غياب الرقابة، وانعدام مبدأ الثواب والعقاب في مؤسسات الدولة المبعثرة وغير المتجانسة.

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتدريب الفني والمهني، استندت بطلب الموافقة على الوثيقة النمطية، الى ما اسمته صدور قرار جمهوري رقم (21) لسنة 2014، بالمصادقة على القرض الذي قالت انه تمت المصادقة عليه من قبل مجلس النواب بتاريخ 3/2/ 2014، واوردت رابطين الكترونيين من موقع اخباري يمني غير حكومي، كأدلة تدعم طرحها.

وهنا لن نتحدث عن ضرورة ارفاق الجريدة الرسمية التي نشرت فيها القرارات التي اشارت إليها الوزارة والوثيقة النمطية، لكننا نستغرب ان تجهل الوزارة ان القروض لا تتم المصادقة عليها بقرارات جمهورية، وانما بقانون.

لكن ما حقيقة القرار الجمهوري الذي اوردته الوزارة بالرقم والتاريخ، وقالت انه خاص بالمصادقة على القرض الكويتي؟ والاجابة المضحكة المحزنة، ان هذا القرار متعلق بترقية عدد من ضباط الامن، وليس له صلة بالقرض الكويتي، وفق ما تؤكده الجريدة الرسمية.

تبديل المحافظات المستفيدة:

استهدفت اتفاقية القرض الكويتي عند توقيعها مطلع العام 2014م (12) كلية مجتمع في 12 محافظة يمنية هي، عمران، حجة، الحديدة، تعز، البيضاء، إب، صنعاء، لحج، ذمار، صعدة، مأرب وحضرموت.

غير أن وزارتي التخطيط والتعاون الدولي، والتعليم العالي والتدريب الفني والمهني، اجرتا تعديلا على المحافظات المستفيدة من المشروع، وبررتا ذلك بتعرض المباني في عدد من المحافظات المتفق عليها الى التدمير الكلي او الجزئي. وباتت المحافظات المستفيدة بعد التعديل هي، الضالع، حضرموت (سيئون)، حضرموت (الشحر)، شبوة، عدن، لحج، عمران، حجة، تعز (المدينة)، تعز (شرعب)، سقطرى، مأرب.

وانعكس هذا التعديل على البيانات التي تضمنتها وثيقة المناقصة والتي خلت من اسماء المحافظات المستفيدة او مواقع الكليات، والى ابعد من ذلك لم يتم تحديد رقم المناقصة برمتها، فضلا عن اختلالات اخرى عديدة تتعلق بالمواصفات الفنية وقطع الغيار وجداول الكميات والتصاميم والشروط الخاصة بعملية التوريد.

وافق الصندوق الكويتي للتنمية على التعديل الذي تم بالمحافظات المستفيدة، وابلغ وزارة التخطيط والتعاون الدولي بتاريخ 20 سبتمبر 2022 بذلك، مع التأكيد على اهمية الالتزام بشروط اتفاقية التمويل. وهنا تكمن المشكلة، بل الكارثة التي يجب على الحكومة اداركها قبل تبديد القرض.

تنص اتفاقية القرض مع الصندوق الكويتي على جملة من الاشتراطات يجب على الحكومة اليمنية الايفاء بها لاستيعاب القرض، من بينها توفر البنى التحتية والمنشئات الخاصة بالكليات من مباني وكادر اكاديمي واداري وفني. اذ من غير المعقول صرف 60مليون دولار لاستيراد تجهيزات واثاث ومعامل وتقنيات حديثة دون توفر بنية تحتية لاستيعاب كل ذلك.

البنية التحتية لغالبية كليات المجتمع المشمولة في مشروع القرض الكويتي ليست سيئة فحسب، بل منعدمة. لا تمتلك كليات المجتمع في الضالع وسقطرى وتعز، مبان خاصة بها، بل تعمل بوضع متهالك في مبان مستاجرة. بينما مبنى كلية المجتمع في لحج تعرض للتدمير الجزئي، وكلية مجتمع مأرب لم تعد تعمل ويقطنها نازحون منذ سنوات.

عدا المباني المفقودة وغير المهيئة لاستيعاب التجهيزات الحديثة، تفتقر كليات المجتمع للكادر الاكاديمي والاداري والفني لتلبية احتياجات تشغيل كليات المجتمع المستهدفة، وهذه مخالفة اخرى لاتفاقية القرض مع الصندوق الكويتي والتي تنص على أن "تتعهد الحكومة اليمنية بتوفير الكادر المشغل لكليات المجتمع المستهدفة والمشمولة في المشروع".

وحتى لحظة كتابة هذا التقرير لم تتمكن كليات المجتمع في تعز، الضالع، سقطرى، شبوة ومأرب، من تعيين اي كوادر اكاديمية او فنية نظرا لحداثتها، كما ان الكوادر في بقية الكليات المشمولة غير كافية لتغطية البرامج الجديدة المقرة في اتفاقية القرض.

هناك خرق اخر للاتفاقية الموقعة مع الصندوق الاجتماعي، تتمثل بعدم تطوير وتحديث البرامج والمناهج الخاصة بكليات المجتمع المستهدفة لتتناسب مع التجهيزات الحديثة.

الغاء اتفاقية القرض:

كل تلك الحقائق الصادمة تتعارض مع امكانية استيعاب القرض الكويتي، غير ان الحكومة مصرة على المضي قدما في الاجراءات. حيث وجه رئيس مجلس الوزراء الدكتور معين عبدالملك بتاريخ 25/7/ 2023، وزيري التعليم العالي والمالية، باستكمال الاجراءات والاستفادة من القرض.

وثيقة رسالة من وزير المالية صالح بن بريك
وثيقة رسالة من وزير المالية صالح بن بريك (النداء)

وجاء توجيه رئيس الحكومة عطفا على مذكرة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتعليم الفني والتدريب المهني - حصلت "النداء" على نسخة منها - والتي تحدثت عن الصعوبات التي تسببت في تأجيل متكرر لفتح المظاريف الخاص بالمناقصة.

وبدا من خلال المذكرة ان الوزارة استوعبت اخيرا حجم العراقيل التي تقف امام استيعاب مشروع القرض، ووضعت عدد من الحلول والمعالجات امام الحكومة للوفاء بالتزاماتها التي تضمنتها الاتفاقية الموقعة مع الصندوق الكويتي، من بينها تخصيص موازنة حكومية لترميم الكليات التي تعرضت للتدمير الجزئي، وتوجيه السلطات المحلية بإيجاد اماكن بديلة للنازحين الذين يعيشون داخل عدد من هذه الكليات.

كما طالبت الوزارة بتنفيذ قرار مجلس الوزراء رقم (55) لسنة 2019 والذي نص على توفير 200 مليون ريال لتطوير برامج ومناهج كليات المجتمع وفقا لاتفاقية القرض مع الصندوق، وشكت الوزارة من عدم تحويل المبلغ المخصص الى حساباتها حتى اليوم.

الوزارة طالبت ايضا بتخصيص درجات وظيفية لكليات المجتمع المستهدفة خلال العام 2024 واعتماد موازنة كافية للتعاقدات في الكليات المستهدفة لتغطية النقص في الكادر .

غير ان رئيس الحكومة لم يتجاوب مع ما ورد في مذكرة الوزارة واكتفى بالتوجيه اعلاها الى وزيري المالية والتعليم العالي باستكمال الاجراءات والاستفادة من القرض.

رئيس الوزراء وجه ايضا في ذات المذكرة وزارة المالية بتوفير مستحقات اللجان بصورة عاجلة، بينما مذكرة وزارة التعليم العالي غير متعلقة بمستحقات اللجان ولم تذكرها على الاطلاق، وهو ما دفع وزارة المالية الى مخاطبة رئيس الوزراء بتاريخ 6/ 8/ 2023، وابداء ملاحظتها على مذكرة وزارة التعليم العالي.

قال وزير المالية لرئيس الوزراء ان مذكرة التعليم العالي تفيد بوضوح بانعدام البنية التحتية لكليات المجتمع المستهدفة والمشمولة بالقرض الكويتي، وان الاستمرار في توريد التجهيزات والمعدات دون تنفيذ التزامات الحكومة سيؤثر على المشروع.

كان وزير المالية اكثر صراحة ومكاشفة في مذكرته المرفوعة لرئيس الوزراء - حصلت "النداء" على نسخة منها - حين قال ان الاستمرار في توريد الاجهزة والمعدات دون وجود كليات جاهزة لاستيعاب القرض يعد اهدارا وتبديدا للقرض وللمال العام، واقترح بإيقاف المناقصة نهائيا حتى تتهيأ ظروف افضل لذلك.

فشل:

لقد فشلت الحكومة اليمنية الحالية والتي سبقتها في تهيئة البنية التحتية لكليات المجتمع المشمولة في مشروع القرض الكويتي على مدى تسعة أعوام منذ التوقيع على اتفاقية القرض مطلع العام 2014.

كان القرض الكويتي الذي سينتهي في ديسمبر المقبل فرصة مهمة لتحقيق نقلة نوعية في قطاع التعليم المهني والتقني، من خلال تأهيل الآلاف من شباب اليمن وتمكينهم من العمل في الداخل والخارج، والتخصص في مجالات ومهارات مطلوبة في سوق العمل.

لكنه الفساد وانعدام الاحساس بالمسؤولية تجاه الوطن وابنائه، من يجعل القيادات العليا للدولة منشغلة بالمناكفات السياسية، ومراكمة ارصدتها المالية وثرواتها الشخصية على حساب المصلحة الوطنية العليا للبلد، وطموحات اليمنيين وتطلعاتهم لحياة افضل ومستقبل واعد.

مرفقات:

مراسلات رئيس الحكومة إلى وزارة الأشغال والطرق PDF

المناقصة الدولية لمشروع تجهيز عدد 12 كلية مجتمع PDF