وضع اليمن الكارثي.. البدار البدار يا مصر

من الجدير بالذكر، إن ما يجري حاليا يعتبر محاولة طمس متعمد لمعالم اطلس اليمن، وهي المحاولة التي بدأت احداثها بحرب مستعرة منذ ثمان سنوات عجاف بقصف صنعاء في 26 مارس 2015م بقيادة التحالف العسكري السعودي - الإماراتي بهدف اعادة الحكومةالشرعية الى اليمن، ومواجهة النفوذ الايراني، بعد ان سيطرت جماعة (انصار الله) على العاصمة (صنعاء) في 21 سبتمبر 2014م.

وعلى الرغم من تشكيل تحالف عربي واسع، لكن الدولتين الفاعلتين اللتين استمرتا بتواجدهما العسكري في اليمن هما (السعودية) قائدة التحالف العربي، و(الإمارات)، وكانت النتيجة، إن هاتين الدولتين لم تحسما الحرب في أشهر طبقاً لتقديرات مراقبين عسكريين، وإنما طالت الفترة حتى وصلنا الى مانحن عليه من خسائر، ودمار، وانعدام رؤية لاي حل، فكل ما شاهدناه، وتابعناه من نتائج حتى الآن في الجانب العسكري لا يتجاوز اكثر من تشكيل مليشيات، ونخب، واحزمة امنية، خارجة عن القانون، اضافة الى جيش وطني معترف به من قبل قيادة التحالف لكنه يفتقر الى السلاح الثقيل ، كما إن تحركاته الميدانية محدودة، فكلما تقدم في جبهات الحرب، وتجاوز مربعات معينة، تعرض لطائلة القصف الجوي، وكلما بقى في ثكناته لم يسلم ايضا من القصف بذريعة انه داعشي ناهيك عن قصف المدن، والقرى من أطراف الحرب جو - أرض، وارض -أرض، ذهب ضحيته مئات الآلاف من المدنيين والجرحى، ونزوح وتشريد الملايين من السكان، الى جانب ما الحقه القصف من تدمير للبني الاساسية، وبين هذا وذاك ثمة سلطة امر واقع في (صنعاء)، وسلطة شرعية جديدة تشكلت في عام 2020م وفقا لاتفاق (الرياض وملحقه العسكري والأمني)، جمع بين حكومة شرعية مقيمة في (الرياض)، ومجلس انتقالي مليشياوي ( محلي) تابع للإمارات في الجنوب بضغط من قيادة التحالف العسكري السعودي - الإماراتي.

وعليه، غادرت الحكومة المشتركة (الرياض) في يناير 2021م الى العاصمة المؤقتة (عدن) وفق ضمانات تنفيذ (الإتفاق العسكري والأمني) إلا إن الحكومة واجهت منذ وصولها مطار (عدن) وضعا غير مستقر بسبب سيطرة (المجلس الانتقالي) عسكريا وامنيا على (عدن) رغم مشاركته في الحكومة.

حقيقة، إن دور التحالف العسكري في العاصمة المؤقتة (عدن) والجنوب عموما لم يكن موفقاً، الامر الذي شجع المجلس الانتقالي على رفض تنفيذ ما تم الإتفاق عليه في الجانب العسكري والأمني، في الوقت نفسه لم تف قيادة التحالف بتعهداتها لتنفيذ الإتفاق، وتركت الحكومة في وضع غير آمن، ومشلولة من الناحية الخدمية، قس عليه تعطيل مرافق البلاد.

في واقع الأمر، إن هذا التصرف غير المسؤول من قبل المجلس الانتقالي ومليشياته يعد ايضا احد العوامل الرئيسة لاطالة امد الحرب.

وازاء ذلك، تبين بوضوح إن (الإمارات) تقوم بتجريف جغرافية، وتراث، وثروات اليمن والسيطرة على موانئها وجزرها، مما يعد مخالفا للمهمة التي جاءت من اجلها، وبما لايتفق مع منصوص قرار مجلس الامن رقم 2216 الصادر فى 14 ابريل 2015م القاضي باحترام سيادة اليمن على اراضيها، واستقرارها، ووحدتها.

وبدا جليا، ان هذا التجريف قد وصل الى مرحلة متقدمة، وإن الامور تسير نحو مخطط لحروب داخلية يمنية - يمنية، بالتوازي مع مصالح، واطماع اقليمية، ودولية في السيطرة على موانئ، وجزر، وممرات استراتيجية، واراض يمنية.

وعلى صعيد آخر، ثبت بالقطع، إن الحرب لم تكن نزهة حيث اخذت، مع مرور الوقت، بعدا آخر في مسارها خاصة بعد ان اكتسبت جماعة (انصار الله) قدرات عسكرية تشمل تطوير صواريخ، وطائرات مسيرة تصل مداها الى (الرياض) و(أبو ظبي ودبي)، وبالتالي اوقف التحالف العسكري الحرب في المناطق التي يتواجد فيها (انصار الله) تأسيساً على مقولة "من كان بيته من زجاج لا يقذف الناس بالطوب.

ومن البدهي، إن الحروب لا تحسم عادة من الجو بقدر ما يكون هناك إسناد للحسم على الأرض مما يعتبر ايضاً من العوامل المساعدة لاطالة امد الحرب.

يشار - حسب مراقبين - إلى أن (السعودية) قد تركت دورها ل(الإمارات) من الناحية العملياتية في معظم المناطق الجنوبية، والساحل الغربي الممتد من جنوب مدينة (الحديدة) حتى (حضرموت)، في الوقت الذي تقوم فيه( السعودية) بالرقابة العسكرية والاغاثية المشتركة، الى جانب تكريس تواجدها العسكري والاغاثي ونزع الالغام في المناطق الشمالية، بما فيه التنسيق الجوي المشترك مع (الإمارات) منذ بدء الحرب في قصف مخازن الأسلحة، والمعسكرات في المدن وفي جبهات القتال حيث يتواجد (انصار الله)،اضافة الى تواجد واهتمام سعودي عسكري خاص في (المهرة) وموانئها تمهيدا لتنفيذ مخططها للحصول على منفذ ل( بحر العرب) لتصدير النفط والغاز يكون تحت سيطرتها الكاملة من الحدود السعودية —اليمنية الى بحر العرب.

في نفس السياق، تسعى (الإمارات) في إحكام السيطرة من خلال المليشيات المحلية التابعة لها على الموانئ، والجزر، وبالذات موانئ:- (المخاء) و(عدن)، و(شقرة)، و(بلحاف)، وارخبيل (سقطرى) وجزيرة (ميون) في جنوب البحر الاحمر، علاوة على التحكم في الممرات البحرية الاستراتيجية من بحر العرب حتى المخا والخوخة جنوب الحديدة.

وليس بمستبعد، ان يكون الترتيب والتنسيق مع ( إسرائيل) خصوصا بعد عملية التطبيع الإماراتي، وبدعم لوجيستي وغطاء أميركي - بريطاني لاحكام السيطرة على موارد المنطقة والتحكم في المضايق البحرية(بوغاز باب المندب ومضيق هرمز)، وبذريعة الحد من طموح المارد (الصيني) في مشروعه الاقتصادي العملاق المتمثل بطريق تجارة الحرير الذي كان ومايزال متوقعا ان تشكل فيه اليمن ومصر احد روافده الاكثر اهمية من باب المندب الى قناة السويس حتى اوروبا ثم العودة من جديد الى القارة الآسيوية و(استراليا) و(نيوزيلندا)... الخ.

بكل تأكيد، إنه تخطيط صهيوني مبني على التنسيق مع وكلاءه في المنطقة بهدف إنجاح المشروع الاقتصادي الأميركي الصهيوني والاطماع المشتركة، الأمر الذي وقعت فيه اليمن ضحيته بحكم موقعها الإستراتيجي المتميز فضلا عن ثرواتها، وارثها التاريخي.

والسؤال الذي يطرح نفسه، ماذا سنجني من وراء هذا السيناريو الخبيث لبلادنا ؟ وافضل ما يكون الرد عليه هو : إننا لن نجني سوى يمنا مجزأة الى دويلات تحكمها مليشيات تحت الوصاية، وحروبا مستمرة في السهول،والهضاب،والفيافي.

حقا، إنه لم يعد لليمن اي سيطرة على الممرات المائية، وموانئها، وجزرها، ولم يعد ايضا بمقدور المجلس القيادة الرئاسي في (عدن) تشغيل الموانئ اليمنية للصادرات، والواردات، كمصدر رئيس لخزينة الدولة وتغطية النققات الخدمية، والاحتياجات اللازمة، ورواتب الموظفين، ومعاشات المتقاعدين. حقا، إنه وضع كارثي بكل تفاصيله.

الجدير بالذكر، إن اليمن يتجه نحو المجهول، والعالم يشاهد بأم عينيه هذ العمل الدرامي المأساوي وشخوصه في مسرح الأحداث، ولم يحرك ساكنا في ما يتعلق بالإعتداءات على السيادة اليمنية ومخالفة القانون الدولي، وميثاق الامم المتحدة، وقرارات مجلس الامن ذت الصلة باليمن وآخرها قرار مجلس الامن 2216 الصادر في 14 ابريل 2015م. ولم يتبق لنا نحن شعب اليمن إلا أن ننتبه على انفسنا كي لا يجرفوننا مع موانئنا، وجزرنا، واراضينا . وهنا كانت يمن لا سمح الله.

وليس ثمة حل يرتجى سوى العمل بالنصيحة التي وجهها فخامة الرئيس/ عبد الفتاح السيسي- رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة، في اجتماع القيادة المصرية يوم 7 ابريل 2021م إلى الشعب اليمني ومايزال يرددها في مناسبات كثيرة حتى الوقت الراهن، باهمية ان تجتمع الاحزاب اليمنية، والمكونات السياسية والمجتمعية، والنخب المثقفة لإخراج اليمن من هذا الوضع الصعب الذي يرزح تحت وطأته.. الخ.

ولا يسعنا إلا ان نقدم جزيل شكرنا وتقديرنا لفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي - حفظه الله، على تلك النصيحة الغالية التي بالإمكان تحقيقها في حال خلصت نوايا الاطراف اليمنية المتنازعة ازاء حل مشترك انطلاقا من مخرجات مؤتمر الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة او بما يتفق عليه بين جميع الأطراف على طاولة الحوار.كما نسجل ايضا امتنانا لفخامته على التسهيلات الجديدة التي وجه بمنحها الى الوافدين اليمنيين الذين يربو عددهم على (المليوني وافد) بسبب الحرب المستعرة لأكثر من ثمان سنوات، واعتبرهم ضيوفا على مصر تقديرا منه للعلاقات التاريخية الراسية جذورها ببن البلدين الشقيقين والمعمدة بالدم على مر الازمان دفاعا عن القضايا المشتركة.

وفي سياق آخر، ومن منظور إستراتيجي يتعلق بالبعد القومي الامني المصري الممتد من بحر العرب جنوبا الى البحر الابيض المتوسط شمالا، ومن الخليج شرقا الى المحيط الأطلسي غربا،فإن ابناء اليمن يتعشمون خيرا بدور (مصر السيسي) القيادي للامة العربية التي تمر في احلك ظروفها التاريخية، في مقدمتها اليمن باعتبارها خاصرة الأمن القومي العربي المصري، وذلك من خلال ممارسة الضغوط اقليميا ودوليا وبالوسائل المناسبة تجاه انسحاب القوات العسكرية الدخيلة من الجزر، والموانئ، والمياه الإقليمية اليمنية قبل تنفيذ المخطط الاستعماري الصهيوني التمزيقي للمنطقة بذريعة المصالح.فلا نقف متفرجين، والله والله، من لم يصله الدور فهو ليس ببعيد عنه.