كالوجي البينيان!

كالوجي.. هو كالوجي البينيان الذي يراوغني اسمه كالسمكة الزلقة عندما اريد استحضاره... كالوجي.. لا اعرف له اسما ثلاثيًا.كان في زمن مضى وراح كما راحت الرحمة من ام المساكين عدن، لقد ورث عن ابيه مصبغة كاملة في حافة الصباغين في الشيخ عثمان، وسهمًا لا يستهان بقيمته في ملكية دار السينما الاهلية بكريتر، وبضعة بيوت في حافة الهنود ايضًا بكريتر، وكان عابثًا لا يرعي قيمة ثروته وقليل في حقه قول انه كان مستهترًا.

 

يمكن القول انه كان سفيهًا شديد الكرم بما تحت يده من اموال، وكان يعشق شرب البيرة الالمانية ماركة امستيل او ما يسميها عامة الشريبين من الناس العدنيين "بو بنت بيضاء" وليس "ابو بنت حمراء" لأن هناك فرق في التركيز الكحولي يعلمه موالعة البيرة.. لكنه لم يكن مدمن كحول.. ولا يفرط في التعاطي لدرجة السكر.. ثم انه بينيانًا هندوكي الديانة وان لم يلق اي اعتبار لتلك الشؤون التي تتعلق بالديانات.
من أبرز اصدقاء كالوجي كان السيد السوبراتي أشهر وأعظم محل لسمكرة السيارات في تاريخ عدن، يأتي اليه بسيارة مرسيديس او بيجو او حتى ستيريون، وما أكثر السيارات في جاراجه، ويخرجان في تمشية عصرية تتكرر عصر اغلب الايام نحو ساحل ابين الذي بنى العشاق فيه معبد طبقًا لقصيدة الشاعر الراحل لطفي امان، بصوت الفنان الراحل احمد قاسم.
عندما يغضب كالوجي ويشتم يقول كلمة واحدة مازلت أجهل معناها: "انت واحد بوسريجا"!!
مع ايام تدهور كالوجي المالي مرضت زوجته، وماتت، وتفرق أبناؤه وبناته بين مومباي ولندن.. وبقي هو وحيداً في عدن، ونقل مرة الى مستشفى الملكة اليزابيث الثانية(الجمهورية) للعلاج من تقرحات معوية اصابته، ومنعت عنه البيرة "ابو بنت بيضاء" التي بقيت هي السلوى الوحيدة في حياته مع سجائر (بلايرس بليز) والتي انتقل منها فيما بعد الى سيجارة ردفان.
كان جيرانه في البيت الملاصق لبيته في حافة الهنود "وهو ملكه" وهم مستأجرين منه يعودونه في مرضه كل يوم ويؤدون كامل الواجب تجاهه، وبكرمه المعهود كتب لهم ملكية ذلك البيت ودارت الدوائر على المسكين كالوجي.. وعلى كل البلاد، اممت البيوت، وفقد ما كان يتقاضاه من ايجار بخس، اما المصباغة فقد باعها قبل ذلك بزمن، وبرخص التراب، وبمشورة صديق عمره السبراتي.. اما حصته في السينما الاهلية فقد تبخرت بعد تأميم دور العرض السينمائي، وفقد المسكين اي مصدر له للدخل او ما يقيم اوده من معاش، لكن روعة جيرانه الاقرب والابعد في حافة الهنود تجلت بكل عظمتها عندما لم تنقطع ولا في اي يوم حاجته الى كل وجبات يومه بل انه عندما بدأ تولعه بالقات، كانوا يأتونه بالقات كل اسبوع، والسجائر كل يوم
في المسرح كنا نحن في فرقة المسرح الحديث بحاجة الى مقر.. وكان محمود اربد أبرز اعضاء فرقتنا يعمل في وزارة الاشغال والطرقات عند الوزير حيدر ابوبكر العطاس، فاستخرج منه تمليكًا لمقرنا الذي في بلدية كريتر قدام سجن عدن القديم ملاصق لبيت الشودري الذي لم يبق من سكانه غير امه برعاية خالد الهندي المجاور واسرته، وهو من ابرع من يشتغلون في خزانات(توانك) السيارات ومازالوا يقيمون هناك في كامل بيت الشودري، وبتعاون متواضع مني حين كنت في قيادة اتحاد الفنانين ومقره ذلك البيت، وناديه بقية المساحة التي تتبع فرقتنا المسرحية(نادي الفنانين) وكنا فعلًا بحاجة الى بواب قادر على حراسة المكان يومًا2/7.
ولقيت كالوجي لأول مرة، وعلمت انه يبحث عن عمل وسكن لأنه قرر ترك بيته في حافة الهنود لسكانه الذين اكرموا مقامه هناك ولم يتخلوا عنه في اي يوم، وطلبت منه الانتظار، وطرحت الامر لعيديد طه عيديد، ونائبه عبدالكريم توفيق وكانوا كرماء بموافقتهما الفورية مع دفع مرتب شهر مقدم لكالوجي، بوابنا الجديد.. وقام عبدالله الصنح، محاسب الاتحاد، وعضو فرقة الانشاد بتحضير المبلغ وناديت كالوجي للاستعلام والتوقيع، فخرج فرحًا وكافأني بقوله : "انت موش واحد بوسريجا" وخمنت عندها ان الكلمة ربما كانت قبيحة!!
كانت أعظم ساعات التجلي عند كالوجي هي تلك التي يخزن فيها القات، وينشغل بلصق سيجارتان ليدخنهما معًا.. ثم ينهمك في كتابة مخطوطات ورقية باللغة الاوردية!! وكان بيت خالد الهندي جار نادينا يزودون كالوجي بوجبات طعامه اليومية بلا انقطاع رافضين ان يأخذوا اي مقابل، وقد أكرموني يومًا بوجبة غداء عدنية/هندية، كانت فائقة المذاق ومازلت اذكرها.
في ذلك الزمن.. لم ارى ابدًا احدًا يمكن ان يطلق عليه وصف بوسريجا.. رغم جهلي بمعناها