حرب إبادة إسرائيلية

حرب إبادة إسرائيلية - عبدالباري طاهر

تدخل حرب الإبادة الإسرائيلية ضد شعب لبنان أسبوعها الرابع. وهي حرب مسنودة من أمريكا وبريطانيا ولقيت تبريرا من قبل العديد من البلدان العربية والدول الثمان الكبار. وفي حين بدا المجتمع اللبناني منقسما من حول المقاومة، فإن المجتمع الإسرائيلي قد احتشد من حول الجيش الإسرائيلي الجيش الأقوى من كل جيوش المنطقة، ومَكَنته الحربية من أحدث آلات الحرب دوليا، تضطر لشرائها دول مثل الصين والهند وتركيا والعديد من البلدان المتقدمة.
اعتاد الجيش الأقوى عدة والأحدث تدريبا والأشهر تنظيما حسم معاركه في بضع أيام وربما ساعات. فمنذ حرب 48 وحرب السويس56 وحرب الأيام الستة 67 وحرب أكتوبر 73 وكلها دارت مع جيوش البلدان العربية المجاورة: مصر سوريا الأردن، وشاركت وحدات من العراق وبعض البلدان العربية.
وكان التفوق والغلبة من نصيب الجيش الإسرائيلي “الذي لا يقهر”. وغالبا ما يخوض معاركه خارج حدود الدولة اليهودية.
جيش الدفاع الإسرائيلي مختلف نوعيا عن الجيوش الأخرى فهو مؤسس دولة إسرائيل مما يجعل هزيمته ذات دلالة ومغزى كبيرين. فالهزيمة للجيش المؤسس للدولة اليهودية القائمة على الحرب والاغتصاب منذ التأسيس يعني فيما يعني مؤشر الخطر للأساس الذي قامت عليه الدولة.
والأخطر ان هذه الدولة تنظر إلى نفسها، وينظر إليها الغرب الاستعماري وبالأخص امريكا، كوكيل لحماية المصالح الاستعمارية. وفشلها في حماية نفسها يلغي وظيفة من اخطر وأهم وظائف وجودها كمخفر أمامي وكحام للمصالح الأمريكية.
لم يكن بيريز مبالغا عندما قال ان معركة إسرائيل ضد حزب الله “ معركة حياة أو موت”؛ فهو كأحد القيادات العمالية الصهيونية المؤسسة لهذه الدولة يدرك عميقا خطورة عدم “ الانتصار “ الذي يعني الموت!
وفي مجتمع استيطاني كولونيالي كإسرائيل فإن التفوق العسكري والانتصار الدائم في الحروب هو ما يخلق اللحمة والنزعة الشوفينية في مجتمع هجين ينتمي لأكثر من بيئة وحضارة وأمة، وتقوم تركيبته على الخرافة الدينية والتمييز العرقي وعسكرة كل شيء.
والمأزق الأكثر حرجا ان يعجز الجيش، الذي لا يقهر، عن هزيمة حزب صغير في دولة صغيرة، محاصر بالخلافات الداخلية، وبموقف عربي غير مؤيد ان لم يكن متواطئا أو خائفا أو متطلعا لرضا السيد الامريكي وخائفا من حرب دولة طالما أذلت كبرياءه القومية.
صحيح ان هذا الجيش نفسه قد هزم في الجنوب اللبناني في 82، وأدت هزيمته إلى موت آخر أنبياء الحرب الفاشية (مناحم بيجن) بالاكتئاب، بعد عزلة قاتلة؛ ولكن غرور أولمرت الذي هو بضعة من شارون – إله الحرب – قد دفعه إلى الانزلاق إلى حرب أشباح حزب الله مما نجم عنه وترتب عليه السقوط في الهاوية أو الحفرة حسب توصيف التوراة للجحيم!
اللافت ان الولايات المتحدة الأمريكية كانت ولا تزال أكثر حماسا للحرب من الاسرائيلين. وربما ان تصريحات السيد بوش وتشدده في رفض دعوات وقف إطلاق النار حتى من بعض حلفائه الأوروبيين، مما يؤكد ذلك. وعلى لسان رايس قفزت المبررات، من إطلاق الجنديين إلى شرق أوسط جديد. وليس من جديد غير تدمير لبنان، وتطويع سوريا وإيران للقبول بمطالب الإمبراطورية الجديدة.
لقد دفعت إسرائيل -ومنذ الساعات الأولى- بطليعة جيشها، ثم واصلت دعوة الاحتياط والدفع بأعداد كبيرة وصلت حد العشرين ألفا حسب الوكالات. وغزت لبنان الصغير من البر والبحر والجو. وكان التدمير الشامل وقتل كل ذي نفس هو العنوان الأبرز لهذه الحرب الفاشية بامتياز.
ولم يستطع التدمير الشامل و التقتيل الجماعي، خصوصاً للمدنيين وأكثر تخصيصا للأطفال، حسم المعركة، وكان ذلك إشارة رمزية للقضاء على الحياة و المستقبل في لبنان.
يتأكد الآن لقادة الحرب الإسرائيليين استحالة القضاء على حزب الله، ومن باب اولى القضاء على لبنان. و اثبت البلد الصغير (لبنان) انه في عقل العالم وضميره ووجدانه و معارفه اكبر من خطط الإمبراطورية الأمريكية القادمة والغاربة في آن، ومن نوايا صناع الهولوكوستات الجدد، ومن الخذلان الرسمي العربي الذي يتوارى فيه النظام العربي برمته.
تضارب التصريحات وتكرار الإعلان عنها لا يخفي النوايا الحقيقية لدعاة النظام الدولي الجديد فالهدف الرئيس تدمير الكيانات القائمة حتى الحليفة لها، وإعادة الصياغة على الأسس الطائفية و الولاءات القبلية و الجهوية و الاثنية.
لا يدرك النظام العربي الخائب ان صمود المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان قد أعاق قطار “ الشرق الأوسط الجديد “ الذي صاغه بيريز بطل مجزرة قانا الأولى منذ أكثر من عقدين وتلوكه رايس كلازمة أو تعويذة.
عجز جيش الدفاع عن حسم المعركة رغم الغطاء الدولي والمهل المتكررة، و التغاضي كلية عن جرائم حرب حقيقية، كلها ترتد إلى نحر هذا الجيش الذي احترف الانتصار وفاخر به وصدره إلى مناطق مختلفة من العالم.
وفي ظل العجز الواضح الفاضح عن الحسم العسكري فإن فاشية هذا الجيش سوف تتوسع وتمتد للمزيد من أعمال التقتيل و التدمير الشاملين. و لا يستبعد ان تمتد اذرعه الجهنمية إلى سوريا. والحقيقة ان الموقف الدولي و العربي يغري بما هو ابعد من تدمير لبنان!.
وتدرك أمريكا وإسرائيل عمق الترابط بين قضايا العراق وفلسطين وسوريا أكثر من النظام العربي البليد الذي يراهن على الخلاص من المقاومة في هذه البلدان لأنها تفضح هشاشته وتبعيته.
المحظور ان يتزامن التدمير الهستيري والتقتيل مؤزراً بالتغاضي الدولي مع ممارسة ضغط سياسي عربي ودولي على لبنان و المقاومة لإجبارها على القبول بما عجز الجيش الإسرائيلي عن تحقيقه.
وتعول أمريكا على أتباعها في المنطقة العربية لتسويق هذه البضاعة الفاسدة.
الدروس البالغة الفصاحة و العظة التي يقدمها لبنان منذ السبعينات، وبالتحديد منذ انهيار الأنظمة العربية المستبدة والمتعالية، ان قوة الإرادة الشعبية وتحررها عامل مهم في الانتصار على قوة إسرائيل البالغة الحداثة و الجبروت، بل و على قوات الانتشار السريع و المارينز تحديداً.
والحرب الأخيرة رغم طابعها الثأري و الانتقامي الكبيرين فإن نتيجتها لن تكون أحسن من سابقاتها.