أين رضوان الجفري؟!

رضوان عبدالله الجفري - مختفٍ قسرياً في عدن
رضوان عبدالله الجفري - مختفٍ قسرياً في عدن (النداء)

قضت أم رضوان عبدالله حسن الجفري عيدها الثاني في مأتم، بدون ابنها الذي اختطفته قوات أمنية عند مدينة الصالح بمحافظة عدن، يوم 10-11-2022.

كان رضوان يقود سيارته، وبجواره أمه التي شاهدت أصعب لحظات اختطاف نجلها من قبل مجموعة ملثمة يستقلون سيارة سوداء قاموا بتطويق سيارته وانتزاع رضوان من عالم أمه وأطفاله، وأخذوه إلى المجهول! تاركين خلفهم أم شبه منهارة.

 

لحظات لا تنسى

في صبيحة يوم الخميس 10-11-2022م، كان رضوان، 39 عامًا، يستعد لأخذ والدته بالسيارة إلى الممدارة (وهو حي يقع إلى الشرق من مدينة الشيخ عثمان بمحافظة عدن). وبينما هما في الطريق، وتحديدًا عند مدينة الصالح، تفاجآ بسيارة سوداء معكسة يقال إنها تتبع قوات مكافحة الإرهاب -بحسب ما قالت سحر، ابنة خال رضوان- تتوقف فجأة، ويترجل منها مُلثمون قاموا بسحب رضوان من داخل السيارة، وهو بجانب والدته وسط صراخها وبكائها الذي لم يحرك شعرة واحدة في رؤوسهم، واقتادوه إلى داخل السيارة.

ذهبت السيارة بعيدًا، تاركةً خلفها أمًا من هول صدمتها لم تعد تستوعب شيئًا حولها، لا تتذكر سوى نظرات رضوان لها وهم ينتزعونه من داخل سيارته.

 

شكوك حول مكان اعتقال رضوان

يعمل رضوان في ميناء الزيت مُنذ عشر سنوات، وهو أب لثلاثة أطفال أكبرهم 6 سنوات، وأصغرهم يبلغ عامًا واحدًا، وهو شخصية اجتماعية مرحة ومحبوب بين الناس، بحسب ما أخبرتني به ابنة خاله سحر.

وأكدت سحر في حديثها لـ"النداء"، أن رضون لم تكن لديه أية مشاكل مع أحد، ولم يدخل السجن في حياته، وهو ما أثار استغراب أسرته التي تحركت للبحث عنه في كل مكان، ولكن دون جدوى، فجميع السلطات الأمنية أنكرت وجوده لديهم، حتى التحالف أكدوا أنه ليس لديهم.

واستمرت أسرة رضوان في البحث عنه دون كلل أو ملل، وتواصلت مع عدة جهات حكومية، ومنظمات حقوق الإنسان، وشخصيات وقادة، ولكن جميعهم لم يتفاعلوا معهم، فقط كانوا يقولون لهم: "رضوان غير موجود".

ولم تخفِ سحر شكوكها هي وأسرتها في أن يكون ابن خالها معتقلًا في أحد السجون، حيث قالت: "لدينا شك أن رضوان معتقل في ميناء الزيت نفسه، ولكننا لا نملك أي دليل يؤكد لنا تلك الشكوك التي مازالت تراودنا حتى اليوم".

أمل اللقاء.. انتكاسة أخرى

وكحال كل أم، تعيش اليوم والدة رضوان في حال شبه منهارة لدرجة فقدت فيها شهيتها في الأكل والحديث مع الآخرين، كما تقضي معظم وقتها وحيدة وكأنها في عالم آخر، مما زرع الخوف في أفراد عائلتها الذين يخشون من موتها قهرًا وكمدًا على فلذة كبدها التي انتزعت من جسدها ذات صباح.

وتتذكر سحر موقفًا مُبكيًا لوالدة رضوان، حيث إنه وفي أحد الأيام، وبعد سماعها بمبادرة لإطلاق سراح المعتقلين في جنوب اليمن، أملت في خروج ابنها، ومن كثر فرحتها دخلت ذلك اليوم إلى المطبخ، وقامت بإعداد كل المأكولات التي يحبها رضوان، وانتظرت قدومه حتى المغرب، ولكنها صدمت بواقع مُر تمثل في عدم خروجه أو معرفة حتى مصيره، فدخلت مجددًا بأزمة أشد من سابقتها، وهو ما جعل أفراد الأسرة يعيشون حالة خوف عليها أكبر من ذي قبل.

ولم تلقِ هذه المأساة بظلالها على والدة رضوان وحسب، بل كانت زوجته هي الأخرى تعاني، حيث اختطف زوجها وهي لاتزال "نفاس" لم يمر على ولادتها سوى أربعة أيام، وقد تعرضت للصدمة والانهيار وتحمل المسؤولية وحيدة، خصوصًا بعد أن قررت إدارة ميناء الزيت قطع راتب رضوان، وهو ما انعكس سلبًا على الوضع الاقتصادي لأسرته.

وتؤكد سحر أنه، وبعد قطع راتبه، قاموا بالمتابعة، وتم تسليم راتبه لمدة ثلاثة أشهر، وبعدها عادوا مجددًا لقطعه. وتشدد على ضرورة أن يراعي مدير ميناء الزيت الوضع الاقتصادي لأسرة رضوان كأقل واجب يقومون به تجاه أسرة موظف كان يعمل لديهم.

وهنا يقول رئيس منظمة الراصد لحقوق الإنسان أنيس الشريك، في حديثه لـ"النداء"، إن قيام مدير الميناء بقطع راتب رضوان أدى إلى انعكاس كارثي على زوجة رضوان وأطفاله.

تخاذل الجهات الرسمية

عانت أسرة رضوان كثيرًا وما تزال تعاني حتى اليوم لأن كل تحرك يقومون به يصلون فيه لطريق مسدود في ظل تخاذل الجهات المعنية.

وبصوت كله حسرة وحزن تقول سحر: "للآن مش عارفين أيش تهمته أو أي جهة تبنت الاختطاف، ولا أيش مصيره بالضبط". وتردف بالقول "نحن نطالب بمعرفة مصيره ومكان اختفائه حتى نعرف تهمته، وهذا حق قانوني لأي شخص مختطف أو مسجون".

تحمّل سحر، الجهات المعنية والمسؤولة عن اختطاف رضوان، مسؤولية ما قد يحدث لخالتها التي تعيش أسوأ حالاتها بعد اختطاف نجلها.

ورغم اختفاء الأب، ما يزال أبناؤه يتوعدون كل من يتسبب لهم بالإزعاج، بأنهم سيخبرونه حال عودته، وعندما يتأخر الوقت يدخلون في حزن شديد لأنه لم يأتِ كما تأملوا.

شعور مر تعاني منه الأسرة إلى جانب غياب رضوان وهم يرون أطفاله يعانون بسبب غيابه.

ووصفًا للحال الذي تعيشه أسر المختفين قسريًا، تقول سحر: "نحن نعيش بغابة ما فيش قانون يحكم الدولة برغم كل اللي عاملين السياسة والأمن لكن نحن نعيش بغابة". وتُطالب الجهات المعنية بالاهتمام بالمختطفين المختفين قسريًا كأقل واجب يقومون به تجاههم.

من جهته، يقول رئيس منظمة الراصد لحقوق الإنسان أنيس الشريك: "رصدنا ووثقنا الاختفاء القسري لرضوان، ولاتزال الجهات الأمنية في عدن ولحج تنفي تواجده، وترفض التجاوب في الكشف عن مصيره، ونحن هنا نطالب الجهات الأمنية والرسمية بالكشف عنه.

وبحسب إحصائية قدمتها مؤسسة دفاع للحقوق والحريات، فإن عدد المختفين قسريًا الذين اعتقلتهم قوات مكافحة الإرهاب في عدن والحزام الأمني التابع للتحالف، وصل إلى ما يقرب 47 مختفيًا، مازال مصيرهم مجهولًا لم تعرف أسرهم حتى اليوم مصيرهم.