رسالة إلى الأستاذ يحيى الحوثي: اتركوا الله وشأنه

يحيى بدر الدين الحوثي
يحيى بدر الدين الحوثي (صورة ارشيفية)

استمعت إلى تسجيل صوتي منسوب لكم بثته قناة "الحدث"، قلتم فيه في أحد المراكز الصيفية المختلف عليها، مايلي: "كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم"، وتساءلتم: "كيف سنكون ممن يقدم للعالم حضارة الله، ودولة الله، وجنود الله، وخدام الله، وعباد الله، وثقافة الله، ونحن عوج. نحن بحاجة أن ندعو أنفسنا إلى الاستفادة من الأنبياء إلى كتاب الله وقائد ثورتنا الصالح، الرشيد، العالم، العابد عبدالملك حفظه الله ورضي الله عنه، لأنه هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم".

بداية أقول لكم إنه لا علاقة لعيسى عليه السلام بالمراكز الصيفية المختلف عليها، وإنكم قد أتيتم بما لم تأتِ به الأوائل حول الحضارة التي يبنيها البشر لمنافعهم، وليس لها علاقة بما قلتم عن ألوهيتها، وبمن ذكرتم، لأن كل حضارات البشر ليست من صنع السماء.

وثانيًا إن الانطباع العام لدى الناس أنكم لستم في وادي الله، وأنكم في وادٍ والله في وادٍ آخر، وهناك من يزعم أن سلوك سلطتكم في الناحيتين المالية والإدارية، بعيد كل البعد عما أمر به الله، وأنكم كغيركم من المسلمين، حكامًا أو محكومين، تلبون داعي العبادات، وتهجرون هجرًا تامًا المعاملات.

للتذكير: عندما استسلم علي بن حسن المكرمي، داعي يام، عام 1884، للخليفة العثماني، استسلم له بعد أن قبل بأنه "خليفة الله وظله على الأرض"، وشتان بين الأمس اليوم. بالأمس كانت خلافة اندثرت ولن تعود، وكانت عبارة ظل الله على الأرض أو خليفة الرسول، مقبولة. أما اليوم فنحن نعيش، ولو ظاهريًا وشكليًا، وكذبًا، في نظام جمهوري كنتم من نوابه في البرلمان، وأقسمتم يمين الولاء له.

إن من استمع إلى ما قلتموه، سيذهب إلى أنكم ترفضون الجمهورية، وتحنثون بقسمكم كنائب في البرلمان، بمطالبتكم بإقامة دولة إلهية، مستحيلة الحدوث على الأرض، ولم يقمها أو يدعِ إقامتها حتى الخلفاء الراشدون. الدولة، إدارة مصالح، وتقوم لخدمة الناس، وبجودة حكمها ونزاهة إدارتها وعدلها تقوى قيم وتضعف قيم، بما فيها القيم الدينية. ولعلمكم يقال عن اليمن في عهدكم وعهد عاصفة الدمار والتشظي الوطني والإفقار، إن التدين تراجع، وأن منحنى الإلحاد في تصاعد.

إني لست في وارد مناقشة فساد ما ذهبتم إليه، وبخاصة وصفكم لأخيكم عبدالملك بصفات تقترب من صفات النبوة، أو قل الكمال على الأقل، الذي هو لله وحده، كـ"العالم. الصالح. العابد والرشيد". هذا طبعًا حق من حقوقكم قوله، ولكن كان يستحسن قوله لأخيكم في مجلس خاص يجمعكما وحدكما، ولا يقال علنًا، لتتجنبوا شبهة المحسوبية العائلية، والتقرب لصاحب سلطة لم ينتخب، والمبالغة غير المستحبة وغير المستحقة.

إن من حق الغير أيضًا التحفظ أو رفض ما زعمتم، وتذكيركم بأننا لا نعيش في نظام لاهوتي من نظم العصور الو سطى، بل في نظام جمهوري. صحيح أن الكساح أصابه منذ ولادته، لكن الشعب ارتضاه، وقد تنوعت مقاومته لاعوجاجه، وكانت ثورة 2011 إحدى التجليات العظمى للمقاومة الشعبية لنظام غير جمهوري حقيقي. لقد دفعنا ما لم يدفعه شعب آخر من أثمان، من أجل استمراره، ولن نقبل له بديلًا.

النظام الجمهوري بطبيعته نظام دولة مدنية لا مكان فيه لمن يزعم أنه محتكر لتمثيل الدين أو ناطق باسم الرسول أو خليفته، أو أنه يقيم دولة الله على الأرض، لأن هذه الدولة، دولة الله مجازًا، مكانها الآخرة، وليس في الدنيا، دنيا المصالح المتعارضة والتقصير والذنوب والأطماع.

لقد جانبكم الصواب، لأن ممارسات سلطتكم لا تدل على أنها تراعي بعض أسس الإسلام الراسخة ومبادئه السامية، ومنها المساواة بين خلق الله، واحترام المال العام، مال الله، مال كل الناس، الواجب تصريفه في النفع العام، وبين كل خدام الدولة بدون تمييز.

نحن يا معالي الوزير، قادمون على عيد أضحى ستتسلمون فيه بدون أدنى شك راتبكم كوزير، ولا شك أيضًا أن في حوشكم أكثر من كبش، بينما غالبية موظفي الدولة، دولة اللهكم! لا يجدون ما يسدون به رمقهم.

إن ما قلتموه ردة واضحة عن الجمهورية والثورة والدستور، ويمهد كغيره من مشاريع التقسيم الداخلية والخارجية، إلى تمزيق اليمن، لأن الأغلبية الساحقة للشعب لا تقبل منهجكم، وأن أقلية محدودة، قصيرة النظر، نفعية، لا يمكن أن تسوق بنجاح مشروعًا ماضويًا لا يصلح لمتطلبات العصر وتحدياته، ولم يختبر شعبيًا.

تصوروا أنكم وزير في وضع طبيعي لكل اليمن، فهل تتجرؤون على قول ما قلتموه في تعز وعدن وحضرموت والحديدة وشبوة وسقطرى الخ...؟

لقد تم اختراع عجلة التغيير في اليمن ثلاث مرات في 62 و67 و90، وليس هناك من حاجة لتعبكم لإعادة اختراعها.

ختامًا، هل تُدخِلون التاريخ وذاكرة الناس في حسابكم، أم على قلوبكم أقفالها؟ وهل استفدتم من إقامتكم كلاجئ سياسي تمتع بالرعاية وبالأمان في ألمانيا التعددية سياسيًا، والديمقراطية مؤسسيًا، والتي لا تمييز مذهبيًا وأسريًا ومناطقيًا فيها، ولا بين هذا وذاك، ولا بين ذكر وأنثى، ومن يحكمه علاقته بالله كعلاقة كل المواطنين به.

إن هناك من يقدر حتى من معارضيكم، مقاومتكم للعدوان، والحيلولة دون احتلال صنعاء وسعودتها، ولكن هذا لا يكفي.

وأخيرًا، رجاءً اتركوا الله عز وجل وشأنه، واهتموا بشؤون الناس، كل الناس.