لن نكون بديلاً لـ"الأيام"

عندما قررت صنعاء إنشاء صحيفة في عدن تحت اسم "أخبار عدن" العام 2009، لتكون مع مرور الأيام بديلة لصحيفة "الأيام" اليومية، التي أزعجت حكام صنعاء بتغطياتها المهنية والمكثفة لثورة الحراك السلمي، اجتمعت لأول مرة مع إدارة الصحيفة بعد أن وقع عليّ الاختيار لتأسيس وترؤس الصحيفة الجديدة، وأخبرتهم بأنه من الصعوبة أن نجاري "الأيام" أو أن نكون بديلاً لها، فـ"الأيام" صحيفة يومية ومدرسة صحفية كبيرة عمرها ما يزيد على نصف قرن، متجذرة في وعي واهتمامات الإنسان اليمني جنوبا وشمالا معاً.

بدأنا العمل في صحيفة "أخبار عدن" الأسبوعية في ظل تنامي موجة الحراك السلمي، وتعقد المشهد جنوباً بسبب ممارسات النظام الخاطئة في التعامل مع الثورة الجنوبية، فوجدنا أنفسنا أمام تحدٍ كبير، إما أن نواكب حركة الشارع ونقوم بتغطية الأحداث التي تحدث في عدن والجنوب، في ظل رفض اصحاب الصحيفة، وإما أن نرضخ للسياسة التي أرادوها ونصبح معزولين، وتصبح الصحيفة معزولة لا يهتم بها أحد على الأقل في عدن.

خضنا التحدي وكان أول عدد من الصحيفة يحمل أخباراً عن فعاليات الحراك وتصريحات لعدد من قياداته، أتذكر تصريحاً للدكتور ناصر الخبجي وضعناه في الصفحة الأولى، وهو ما أثار انزعاج الجماعة وحنقهم، ومن العدد الثاني بدأوا يرسلون لنا مقالات وأخباراً ضد الحراك وفيها تسفيه لقياداته وناشطيه، ولكننا كنا نرفض نشرها والتعاطي معها، وقررنا كطاقم للصحيفة بأن نلتزم المهنية والموضوعية في تغطية الأحداث، وأفسحنا مساحة للرأي، ولكنه الرأي الملتزم الذي لا يعرض الصحيفة وطاقمها للمشكلات والملاحقات.

كانت "أخبار عدن" بالنسبة لنا تحدياً كبيراً، وكنا نعرف أننا سوف نخسر علاقتنا بمسؤولين كثر، وسوف نخسر حظوات وامتيازات كثيرة، لكن ذلك لا يهم مادمنا سنكسب مهنتنا وشرفها في المقام الأول، وثانياً علاقتنا بالناس العاديين الذين تبنينا قضاياهم وعملنا من أجلهم.

لن أغوص في الشرح طويلاً، ولكنني أؤكد بأننا اختلفنا مع الجماعة وحدث ما حدث بعدها، لكن الأهم من ذلك هو ما حدث لصحيفة "الأيام" في ذلك العام، 2009، من اقتحام مقرها وقتل حراسها واعتقال ناشرها واثنين من أبنائه. وفي تلك الليلة العصيبة أرسلت لنا إدارة الأمن، بقيادة عبدالله قيران، صور اقتحام "الأيام"، وفيديوهات ومقالات كيدية ضد الصحيفة، وطلبوا منا نشرها في عدد الصحيفة الجديد، ما الذي حدث؟ رفضنا وبشدة نشر ما وردنا من إدارة الأمن، وأخبرناهم بأننا متضامنين مع "الأيام" وناشرها وإدارتها، وأغلقنا الحديث معهم.

كنا مؤمنين برسالتنا الصحفية حتى ونحن نعمل مع الرئيس "صالح"، لم تُخِفنا تهديدات ضباطه ولا تقارير مخبريه، كان لدينا مشىروعاً عملنا من أجله وعبرنا عنه في عملنا الصحفي والإعلامي وما زلنا.. صحيح دفعنا ثمناً باهظاً وما زلنا ندفع، لكن ذلك لن يهم ما دمنا راضين عن أنفسنا وعن ما قدمناها لبلدنا.. أخفقنا وأصبنا وتلك سنة الحياة.. لكننا لم نرضخ لمشاريع الخراب، ولم نكن مطية للعمل ضد شعبنا أو الإساءة لأحد.. والأجمل أننا لم نكن بديلاً لـ"الأيام"، تلك المدرسة التي تعلمنا فيها أبجديات الحرف والكلمة، ولكن الأهم أيضاً أننا عملنا من "أخبار عدن" صحيفة مميزة وجديرة بالاحترام، تم القضاء عليها بأيادٍ عابثة وطائشة، مثلما تم القضاء على الوطن.

رئيس مركز مسارات للاستراتيجيا والإعلام