أيوب طارش: الصوت والنشيد والوجهة!

الفنان أيوب طارش عبسي
الفنان أيوب طارش عبسي (الصورة من صفحته على فيسبوك)

أيوب طارش اسم مرتبط بأحبة بعضهم رحل. أخر الأحبة هو الصديق ‏عبدالسلام جابر الذي تصادف ذكرى رحيله الثانية هذه الايام. كان يدهشني إذ ‏يحفظ اغاني أيوب جميعها، يحفظها ويؤديها بسلطنة. كان يقول إن أيوب هو الفنان الأول في الضالع… ينفرد بالصدارة ثم يجيء بعده، ‏وبمسافة، كبار الفنانين في اليمن مثل المرشدي وأبوبكر ومحمد سعد وغيرهم، ‏

والحق أن أيوب أحد الثوابت في الضالع. كنت أقول له ممازحا: كيف سيكون ‏الوضع في السنوات القادمة في حال تحقق مطلب كثيرين من أبناء الضالع بفك ‏الارتباط؟

**

هناك أسماء تستعصي على التصنيف! ‏

أيوب طارش من هؤلاء، تماما مثل المرشدي وأبوبكر سالم بلفقيه ومحمد سعد ‏عبدالله احمد السنيدار وفيصل علوي وعلي الآنسي وعلي السمة ومحمد حمود ‏الحارثي، وقبل هؤلاء جميعا يحل ابراهيم الماس وقاسم الأخفش وعلي أبوبكر ‏باشراحيل (شيخ الاغنية الصنعانية) والمسلمي والعنتري… الخ.‏

هؤلاء فنانون صاغوا وجدان اليمنيين والخليجيين على مدى قرن من الزمان. ‏وبعيدا عن الحساسيات القُطرية. فالمؤكد أن هؤلاء الرواد (بدءا من العشرينات) ‏هم الإرث المشترك، الى جانب طلال مداح ومحمد عبده وعبدالكريم عبدالقادر ‏وغيرهم من رواد الغناء في المنطقة، لمجتمعات الجزيرة والخليج العربي.‏

يمكن اعتبار فيصل علوي وعبدالرحمن الحداد وايوب طارش اخر العنقود ‏الغنائي اليمني، وآخر حبات العقد اليمني الفريد.‏

أكثر من ذلك يمكن القول إن "الهوية اليمنية" عبر عنها هؤلاء دون شيء من ‏اعراض العصبية والانغلاق. ‏

لا يمكن قراءة أيوب طارش خارج هذا السياق، حتى وهو يخط له مسارًا خاصًا ‏يعبر عن أصالته كفنان لا يشبه أحدًا.‏

‏ كذلك صار أيوب لصيقا بالأغلبية الساحقة من اليمنيين (وهم من الريف أو من ‏أصول ريفية). ومن المدهش ان جمهور أيوب ليس محصورا على سكان ‏المرتفعات الزراعية من صعدة الى الضالع ولحج، ومن جيزان وعسير الى أبين ‏وشبوه وحضرموت وصولا الى المهرة وسقطرى. ‏

ان أيوب طارش هو فنان الشعب أو -إن شئتم- فنان المجتمع اليمني الزراعي ‏وبالتالي فنان الشعب. هو صوت اليمني الفصيح إذ يتطلع الى الحرية والتعاون ‏والعمل… والوحدة! وهو الابن النجيب لرواد الغناء اليمني من قاسم الأخفش ‏وباشراحيل الى محمد جمعة خان. ‏

‏**‏

يحضرني هنا توصيفاتي المشبعة باليقين وقد تنازلت عن مدينتي- مدينة تعز ‏فصنعاء- بأنه يمكن فهم السياق الذي جاء منه كل مطرب يمني الا أيوب فهو ‏‏"العبقري يستعصي على التفسير"!‏

هو رائد ما يمكن تسميته بأغنية الريف. وإليه يعود الفضل في تحويلها الى اغنية ‏اليمن بحواضره وأريافه، بشماله وجنوبه، بمرتفعاته وقيعانه ووديانه وجزره. ‏

بكلمة اخرى هو "النشيد الوطني" يحيا معنا. ومن الظلم والاجحاف أن يطلب ‏منه البعض أن يلتزم الحصافة فلا يتغنى بوحدة الشعب اليمني معتقدا أنه أحد ‏سياسيي المرحلة أو الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي. ‏

**

كبرنا مع صوت أيوب. كل منا معه اغنية على الأقل تذكره بأسلافه في القرية أو ‏المدينة أو المهجر. لذلك فأيوب له في الوجدان مهابة، تماما كسابقيه الى الغناء في ‏عدن وحضرموت وصنعاء. ولسوف تحتفظ ذاكرتي بأيوب الكبير الذي يذوب ‏خجلا في أول مقيل يجمعني بهذا الانسان الجميل. ‏

كان المقيل في منزل الشاعر اليمني الكبير عبدالعزيز المقالح. رحمه الله. أمامه ‏كان يجلس الفنان أيوب طارش وانا على يسار المقالح. ‏

سأل أحد الحضور المقالح عن اغنيته المفضلة من أغاني أيوب.‏

رد المقالح دون تردد بنبرة هادئة: كل أغانيه تعجبني! ‏

كانت أنظار جميع من في المقيل تتجه نحو المقالح بينما كانت عيناي ترصدان ‏انفعالات أيوب… كان تلميذا في الابتدائية يتلقى اطراء من معلمه. ‏

يومها أكبرت الرجلين؛ المقالح وأيوب.‏

بعد عشر سنوات زرت رفقة صديقي وزميلي بشير السيد، الفنان الكبير في منزله ‏في تعز. كنا ننصت لحكاياه المدهشة بدءا من قصته مع الشيخ البيحاني في عدن ‏ولحج. لدى أيوب الكثير من الأسرار بعضها تسرب أو نشر بإذن منه (كالحوار الذي ‏أجراه ل"النداء" الحاضر في قلوبنا بشير السيد) لكن أغلبها ظل في "قصر ‏مرصود"، هو وحده يقرر موعد نشره. ‏

سلامٌ لأيوب؛ الصوت والنشيد والوجهة.‏

اقرأ أيضاً على النداء:

وديعة "الفضول" التي صارت "نشيد" اليمنيين العابر للانقلابات والحروب والحدود

الفنان أيوب طارش لـ«النداء»: اتصل بي محافظ تعز وهذا ما دار