رابطة أسر المختفين قسريا تستأنف نشاطها من صنعاء

انقلب الحزبيون على اسر الضحايا فسقط اليمن في الحرب!

سامي غالب والى يمينه درهم العبسي احد المعتقلين اليساريين في 78 وشقيق عبدالسلام المختفي قسريا
سامي غالب والى يمينه درهم العبسي احد المعتقلين اليساريين في 78 وشقيق عبدالسلام المختفي قسريا (صفحة الرابطة 2012)

استطاعت النخبة السياسية الحزبية الالتفاف على مطالب الأسر في المرحلة الانتقالية فغرقت اليمن في بحر من الدماء

لبعض الوقائع تأثير هائل على أشخاص بعينهم، ولأسباب تخصهم وحدهم حتى الآن من أسف!

نجاح اتفاق تبادل الأسرى و"المعتقلين" و"المختطفين" بين الحكومة اليمنية (المعترف بها دوليًا) وجماعة الحوثيين، تلقته أسر المختفين قسريًا في حرب 1994 وقبل 1990، بطريقة مغايرة عن باقي اليمنيين!

لقد أفرحهم الإفراج عن أسرى ومعتقلين من الطرفين، وشاهدوا معنى الفرحة العارمة لجموع اليمنيين وعائلات المفرج عنهم، لكنهم، كما هو حالهم طيلة عقود، عاشوا أيضًا، وفي الوقت نفسه، عذاباتهم التي لا يريد المحتربون وأنصارهم التوقف عندها؛ أين أحبتنا؟ ومتى ينتصر اليمنيون لنا؟

قبل 3 أيام تلقيت على بريدي رسائل عديدة من أبناء وبنات مختفين قسريًا، تفيد بأن 5 أسر اجتمعت في صنعاء، الأسبوع الماضي، وقررت تفعيل "الرابطة اليمنية لأسر المختفين قسريًا"، التي تأسست في مارس 2012، وتعطل نشاطها في مارس 2015 جراء الحرب.

فاجأتني رسائل أقارب المختفين قسريًا لعدة أسباب أفضل هنا بعضها:

- في 2012 بدأت الرابطة عملها بمظنة أن البيئة صارت مناسبة لتحقيق أهدافها بعد خروج الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، رحمه الله، من السلطة، ومجيء رئيس جديد وسلطة تملك المعارضة فيها حصة النصف.

لكن الأسر ما لبثت أن اصطدمت بالسلطة الجديدة (سلطة ما بعد ثورة 2011)، إذ إن أقطابها ومنظريها أظهروا عداء صارخًا للرابطة، وتجاهلًا مخزيًا لمطالبها، بل وسلوكًا دنيئًا ضد أنشطتها، كما حدث في شوارع العاصمة، وبخاصة تلك القريبة من مقر قائد الفرقة علي محسن الأحمر، ومناطق نفوذ الإصلاح غربي وشمال العاصمة، إذ تم طمس وتشويه الجداريات التي اشتهرت في أهم شوارع العاصمة التي رسمها فريق حملة "الجدران تتذكر وجوههم"، بقيادة الفنان مراد سبيع. كانت الرسالة التي تلقتها الأسر واضحة؛ مازال مرتكبو جرائم الاختفاء القسري في دار الرئاسة وفي الحكومة والأجهزة الأمنية!

قيامة عبدالسلام

- في مارس 2013، بدأت فعاليات "مؤتمر الحوار الوطني"، وظهر أن السلطة (المكونة من المعارضة السابقة وحزب الرئيس علي عبدالله صالح) ليست في وارد الكشف عن مصير المختفين قسريًا، أو طرح معالجات عملية للملف، رغم أن المؤتمر أفرد فريقًا للعدالة الانتقالية، لكن هذا الفريق غرق في تفصيلات فاضحة من شاكلة من أية نقطة في الماضي نبدأ!

وقد ظهرت أطراف ترى أن "الوحدة تجب ما قبلها"، بينما رأى آخرون أن الجرائم لا تقتصر على حرب 1994، بل تمتد فوق مسطرة الزمن إلى أواخر الستينيات، وتفشت في عقد السبعينيات، شمالًا وجنوبًا، ثم مورست بشكل ممنهج في النصف الأول من عقد الثمانينيات قبل أن تبلغ ذروتها في أحداث يناير 1986 في عدن ومحافظات جنوبية اخرى.

- اتضح أيضًا أن "مظلومين" جددًا لا يطيقون فتح ملفات قديمة، بمظنة أن فتح هذه الملفات سيحدث وقيعة بين "المظلومين الجدد"، ويعطل مسيرة "الجنوب" نحو الحرية.

والحق أن هواجس "الضحايا" كانت قد ظهرت، أول ما ظهرت، في يونيو 2007، عندما تلقى الصديق والزميل الراحل فهمي السقاف، تهديدات من مجهولين تتوعده بالعقاب إذا لم تتوقف "النداء" عن نشر حلقات ملف المختفين قسريًا، باعتبار أن ما تفعله الصحيفة هو محاولة إثارة الفتنة بين الجنوبيين الذين أغلقوا ملفات الماضي بدعوة التصالح والتسامح. والظريف أن الزميل فهمي السقاف تم تجريده سنتذاك من "جنوبيته"، وإلحاقه بالحجرية، هو ورئيس تحرير الصحيفة الذي يقيم في صنعاء!

مجهولون يتوعدون محرري «النداء» بالإخفاء القسري

- اتضح أيضًا أن الكلمة العليا في مؤتمر الحوار الوطني (وضمنه فريق العدالة الانتقالية) هي لقيادات سياسية لها تاريخ أمني و"سجل نضالي" في صنعاء وعدن وأبين وإب ولحج وتعز… وغيرها! وقد ظهر أن هؤلاء يتفذلكون ويسرفون في الحديث عن المستقبل والديمقراطية والعدالة، في حين كانوا يعملون كل ما بوسعهم من أجل عدم معالجة ملفات الماضي؛ كانوا يبنون مشروع المستقبل فوق أجساد ضحاياهم!

- يتوجب دومًا التنويه بجهود عشرات المخلصين في مؤتمر الحوار الوطني، وبين هؤلاء الزميلان فهمي السقاف وعبدالكريم الخيواني، رحمهما الله. لقد حاولت والعديد من الأصدقاء في ربيع 2013، إقناع أصدقائنا في فريق العدالة الانتقالية، بأن جهدهم سيضيع هدرًا إذا لم يتم فرض نقاط فورية على حكومة الوفاق برئاسة محمد سالم باسندوة، تبدأ بأن يقدم وزير الداخلية وقادة الأجهزة الأمنية كشفًا بالمعتقلين داخل السجون والمعتقلات في محافظات الجمهورية، وبيانًا بمصير أولئك الذين لا يظهرون في الكشوفات منذ نهاية الستينيات. ذلك أن المبدأ هنا يقول بأنه لا يمكن معالجة آثار الماضي في حين أن جرائمه مستمرة.

ويحضرني هنا الصديق عبدالكريم الخيواني وهو يروي قصة لقاء عدد من اعضاء فريق العدالة الانتقالية باللواء غالب القمش، رئيس جهاز الأمن السياسي قبل 1990 في اليمن الشمالي، وبعد 1990 في الجمهورية اليمنية. قال الخيواني، بنبرة تفاؤل، إن القمش أبدى استعداده للتعاون مع فريق العدالة الانتقالية إذا تلقى أوامر من رئيس الجمهورية؛ والملاحظ ان القمش كان يدرك أن هذه الأوامر لن تخرج أبدًا من دوائر السلطة لأنها مدججة بمرتكبي جرائم الاختفاء القسري.

***

والحاصل أن مؤتمر الحوار الوطني فشل من يومه الأول، ثم آل إلى حروب صغيرة في 2013 و 2014 قبل أن تحترق أوراق الموتمر ووثائقه في 26 مارس 2015، باندلاع حرب أهلية يمنية إقليمية، معلنة استمرار الماضي وتسيده على مستقبل اليمنيين.

وقبل 3 أيام اجتمع 4 من أقارب المختفين قسريًا، هم سلوى علي قناف زهرة (1977، صنعاء)، وناديا شعفل عمر (أمها وأخوها اختفيا قسريًا في عدن، في 7 يوليو 1994)، وشفيع علي عبدالمجيد (اعتقل أبوه في 1983، في صنعاء)، وندى مطهر الإرياني (اعتقل أبوها في الحديدة، عام 1981). وقرروا خطوات استئناف نشاط الرابطة، مؤمنين بالحق الذي تنص عليه شرائع السماء والأرض، وباليمنيين الذين يؤمنون بأن المستقبل لن يأتي فيما جرائم الماضي لم تغلق، بل إن مرتكبيها يبشروننا بمستقبل واعد!

اقرأ أيضاً على النداء:

المختفون قسرياً