السودان اولاً واخيراً

أنموذج الصومال واليمن وربما أخطر منهما هو ما يراد للسودان

محمد حمدان دقلو وعبدالفتاح البرهان وكالة أنباء السودان
محمد حمدان دقلو وعبدالفتاح البرهان وكالة أنباء السودان (مدمجة من النداء)

تدخل الحرب في السودان اسبوعها الثالث وخطر الحرب في السودان انها تقع في ‏مجتمع فسيفسائي شديد التنوع والتعدد. وتركيبته شديدة التعقيد حد التباين. ‏قابلية التعايش والتسامح فيه اساسية بفضل التنوع والتعدد او امتزاج إثنيات ‏واعراق وعقائد ولغات عديدة.‏

كان الاستقلال عام ١٩٥٦ سلمياً وكان النفس الديمقراطي الديموقراطي حاضراً ‏وقوياً. ‏
الانقلابات العسكرية منذ انقلاب ابراهيم عبود عام ١٩٥٨ كان بداية الكارثة. ‏كان الانقلاب متمازج مع المهدية (حزب الامة) الذي شجع الانقلاب، وحزب ‏الامة آت من حركة القائد محمد احمد المهدي الذي قاد ثورة ضد الوجود ‏المصري تحت الوصاية البريطانية كانت حركة دينية شديدة التعصب والغلو. عام ‏‏١٨٨٦ فهو المهدي المنتظر واتباعه الانصار. كانت مزيجاً من التحرر والهوس ‏الديني وظلت خصومتها مع مصر حاضرة حتى بعد الاستقلال.‏
‏ اتسم طابع الصراع في السودان منذ مؤتمر الخريجين عام ١٩٣٨ بالصراع بين ‏التقليد والتجديد وبين الحداثة والتحجر، الانقلابات العسكرية منذ عبود مازجت ‏بين حكم الغلبة والقوة وبين تصعيد الحروب ضد الجنوب وخلفت اشكالات أكثر ‏تعقيدًا للصراعات الاثنية والدينية والجهوية. وكان اكثرها خطورة؛ انقلاب النميري ‏‏١٩٦٧ الذي وضع القوة بديلاً للتداول السلمي للسلطة والعروبة بالمعنى العرقي ‏بديلا للتعدد والتنوع. ‏

عبرت الانقلابات العسكرية في السودان عن الحفاظ على الارث الوبيل من قيم ‏الجمود والتحجر والعنف والاحتكام الى القوة في مواجهة الاخر المختلف. ‏
الصراع بين الانقلابات العسكرية وبين الانتفاضات الشعبية صراع بين الغلبة ‏والقوة، والاحتجاجات السلمية وبين التقليد والجمود والتفتح والحداثة وبين ‏التعصب القومي العرقي والاستعلاء الديني وبين طبيعة السودان العربي والافريقي ‏والزنجي والديني الاسلامي المسيحي والاعتقادات الاخرى المحلية. ‏

الجبهة القومية الاسلامية جمعت وورثت كل المعاني المقيتة منذ المهدي ‏المنتظر (التطرف الديني) ونهج الثورة والعنف والارهاب في الانقلابات العسكرية: ‏عبود النميري والبشير ووارثاه: البرهان ودقلو (حميدتي).‏

الخطر المحدق بالسودان جد خطير فاذا كانت القوة والشوفينية القومية ‏والاستعلاء الديني قد كان لها كبير الاثر في انفصال الجنوب فان حرب الجنرال ‏حميدتي الاتي من الجنجويد صاحب جرائم حرب دارفور وأحد أذرع البشير. ‏والطرف الاساس في حروب اليمن وليبيا والبرهان الذراع الاخر للبشير وهما ‏المسؤولان عن جريمة قتل ١٢٠ من المعتصمين امام القيادة العسكرية عام ‏‏٢٠١٩، والمتشاركان في قتلى الاحتجاجات منذ العام ٢٠٠٣، دارفور والنيل ‏الازرق وكردفان والنوبة وعموم السودان. ‏

التدخل السريع والجيش الملغوم بجماعة الجبهة القومية الاسلامية في ‏الحزبيين الوطني والشعبي هم مشعلو الحرب الحالية والتي تهدد الكيان السوداني. ‏
الانقسام في صف نداء الحرية والتغيير منذ تحالف جماعة الحرية والتغيير ‏‏(المركزي) مع البرهان وحميدتي والقبول ان يكونوا واجهة لحكم العسكر والعودة ‏مجددا للعبة اياها. والتوقيع معهما على (الإطاري) له دخل في هذه الحرب التي ‏تهدد السودان برمته. ‏

ما يجري في السودان منذ الـ١٥ من يناير اخطر مما تشهده العراق سوريا وليبيا ‏واليمن. ‏ إن أنموذج الصومال واليمن وربما أخطر منهما هو ما يراد للسودان. ‏

استمرار الحرب في بلد كالسودان متعدد الاثنيات والتكوينات العربية والافريقية ‏والتركيبة القبلية الكاثرة والتباين الجهوي والتعدد اللغوي والمعتقدي خطره كبير. ‏للسودان جوار ٧ دول ومفتوح على البحر الاحمر وجواره متعدد وخطر مكانته ‏وموقعه وثرواته ومساحته محل اغراء كبير والمؤامرات موجودة والمطامع عديدة. ‏وتوجد حالياً العديد من الحركات العسكرية في مناطق عدة؛ فخطر استمرار ‏الحرب امتدادها الى الداخل السوداني والى الجوار قائم والمشكل أن العديد من ‏الوسطاء على كثرتهم ليسوا بعيدين عن الشبهات كما ان القارة الافريقية موبوءة ‏بالتيارات الارهابية. ‏

في منتصف ستينيات القرن الماضي أصدر الشاعر الكبير محمد الفيتوري ديوانه ‏الثالث وربما كان الرابع (أحزان افريقيا)، كتب مقدمته الناقد الكبير محمود أمين ‏العالم. واشاد بإبداعه وروحه الثورية منتقداً حضور اللون الاسود بينه وبين ‏مجتمع مدينة الاسكندرية التي نشأ وتربى ودرس فيها. ‏
في هذه الحرب استحضر بعض من الكتاب والادباء قصيدته (قلبي على وطني) ‏وهي القصيدة التي رثى بها صديقة عبدالخالق محجوب - الامين العام للحزب ‏الشوعي السوداني لكأن القصيدة تتحدث عن حرب البرهان وحميدتي وليس فقط ‏عن اعدام النميري لمحجوب ورفاقه عام ١٩٧١. ‏

لماذا يظن الطغاة الصغار وتشحب الوانهم
‏ ان موت المناضل موت القضية ‏
اعلم سر احتكام الطغاة الى البندقية لا خائفاً ‏
ان صوتي مشنقة للطغاة ‏
ولا نادماً ‏
ان روحي مثقلة بالغضب ‏
كل طاغية صنم دمية من خشب ‏
وتبسمت كل الطغاة دمى ‏
ربما حسب الصنم الدمية المستبدة ‏
وهو يعلق اوسمة الموت فوق صدور الرجال ‏
انه بطل ما يزال ‏

الملحمة (المرثاة) يستعاد نشرها موجهة للطغاة الاصغر من الصغار لإصرارهم ‏على وأد الارادة السودانية وكأنها تقول لهم قتلوني وانكرني قاتلي. وهو يلتف بردان ‏في كفني. ‏
وانا من؟ سوى رجل واقف خارج الزمن ‏
كلما زيفوا بطلاً قلت قلبي على وطني.‏