الشرعية والانقلاب

إن طريقة عملية تغيير رئيس الدولة الشرعي المنتخب، وابتداع شكل حكم رئاسي جماعي من نماذج هي الأسوأ في البلاد،وبدون أي تاريخ سياسي وطني، ودون العودة إلى البرلمان وإلى الشعب، وبمخالفة للدستور، قطعاً هو أمر يضعف معنى وجود الشرعية في الوعي السياسي الجمعى للناس، وفي واقع الممارسة، ويشجع على فرض المليشيات المختلفة لسلطاتها الخاصة على الأرض (سلطة الأمر الواقع/ بدعم من الخارج)، ويؤسس بالفعل لتكريس وجود أكثر من شرعية سياسية وعسكرية وأمنية وجبائية، وهو حقيقة كان أمراً واقعاً قبل التغيير الرئاسي "رئيس الجمهورية" ومن بعده "المجلس الرئاسي"، أكثر، وهو ما نعيشه اليوم.

وهذا الوضع (الواقع المأزوم)، شجع بالضرورة على إنتاج حالة العنف السياسي في المجتمع والسلطة التي توزع عنفها على أكثر من سلطة مليشيوية، بعد تراجع احتكار الدولة (الشرعية) للعنف ولاحتكار حمل السلاح، بعد الانقلاب السياسي العلني على "الشرعية التوافقية"، بشرعية غير دستورية (انقلابية) فاقدة للطابع السياسي والوطني حتى في مسماها.

فالعنف، اليوم، هو القانون الوحيد المنفلت من عقاله ضد كل المجتمع، بعد أن فقدت سلطة الدولة شرعيتها ومشروعيتها السياسية والاجتماعية والوطنية والدستورية، وصار معه الانفلات والفوضى هو القانون العام، بعد أن تحول العنف إلى حالة اضطرارية وخيار وحيد، مما جعل من الافلات من العقاب ظاهرة سياسية بل وقانون حياة.

وكلما مر الوقت تراجعت الشرعية أكثر لصالح ما يناقضها (الانقلاب)، وقد تتحول تدريجيا سلطات الأمر الواقع في الشمال والجنوب إلى الشرعية البديلة!!.

ولا خيار أمامنا سوى تقديم رؤية سياسية بديلة، رؤية سياسية واقعية ديمقراطية ومستقبلية لنقض كل ما هو قائم، والبداية في توحيد الصف، والتفكير السياسي والعملي الجدي بتشكيل كتلة وطنية تاريخية برؤية فكرية وسياسية لا تتماهي مع هو قائم، على طريق استعادة الدولة بأيدينا بعيداً عن الاستنجاد والاستقواء بالأجنبي.. المهم، امتلاك إرادتنا الحرة المستقلة، ووضوح بوصلة الرؤية من نقطة البداية السياسية والعملية بالشروع في إعادة بناء الجيش وفقاً لعقيدة قتالية وطنية، باتجاه بناء دولة المواطنة والمؤسسات.