وحدويو الجغرافيا!

وحدويو الجغرافيا!

* سامي غالب
يصر البعض على اختزال الوحدة اليمنية إلى محض جغرافيتين زالت الحدود بينهما صبيحة 22 مايو 1990.
والجغرافيا عند هؤلاء ليست سوى جبال «وتباب»، شواطئ ووديان. وكذلك هي الوحدة اليمنية، على ما يظهر من ممارسات دوائر في الحكم كشرت مؤخراً عن أنيابها وواصلت توكيد وحدويتها عبر شن حملات إعلامية وميدانية ضد الصحف المستقلة.
في 22 مايو 1990 تَنَزَّلَ وعد الوحدة على الأرض اليمنية حاملاً معه وعود السلام والشراكة والمواطنة المتساوية والتداول السلمي للسلطة وحرية الرأي. وما هي إلا سنوات حتى تبخرت تلك الوعود، الواحد تلو الآخر. وبقي هامش من حرية الصحافة، تذكرة لليمنيين بنجاعة الوحدة رغم كل انتكاساتها.
لكن «الوحدويين الجغرافيين» ممسوسون بخطر حرية الصحافة على «وحدتهم» التي يستعدون للاحتفال بذكراها ال19 بعد أيام. أرادوا الاحتفال وحدهم، وفي اليوم العالمي لحرية الصحافة نزلت طواقم وزارة الإعلام لسحب 7 صحف مستقلة أسبوعية من الأكشاك، بينما كانت قوت الأمن تحاصر أول صحيفة يمنية يومية مستقلة تصدر في عهد الجمهورية اليمنية. طوقت الأطقم الأمنية مقر «الأيام» في عدن، بالتزامن مع حملة تشهير ضدها من الأجهزة الرسمية، إعلامية وأمنية.
الوحدة ليست بخير. وخلال الأسبوعين الماضيين سقط قتلى من ضباط وأفراد الجيش والأمن ومن المواطنين في ردفان والضالع، وتداخلت أصوات الأناشيد والخطب البليدة التي يبثها الإعلام الرسمي بأصوات ناقمة لم يتورع بعض أصحابها من المحسوبين على «الحراك الجنوبي» عن ترديد عبارات مقيتة تتناهض أخلاقياً مع مطالب الشراكة والمواطنة المتساوية والتحضر.
وفي اليوم العالمي لحرية الصحافة ذهب الممسوسون بـ«الانفصال الجغرافي» بعيداً في حربهم على الصحافة المستقلة، حد التطير من لفظة «جنوب» ما يذكرنا هنا بالمبصر عبدالله البردوني الذي تهكم بُعيد الوحدة من سذاجة حراس «الوحدة الجغرافية» الذين يعتقدون أن صون الوحدة يكون بطمس خطوط الطول والعرض من جغرافية اليمنيين. كذلك ينكرون علينا استخدام لفظتي «شمال» و«جنوب»، لكأن الخطر على الوحدة يزول بزوال الجهات من قاموس اللغة.
«وحدويو الجغرافيا» يريدون الاحتفال وحدهم في ذكرى 22 مايو، فقرروا التخلص من البقية الباقية من وعود ذلك «اليوم الأغر»، ضاربين الحصار على الصحافة المستقلة، توطئة للإجهاز عليها، إما عبر محاكم التفتيش التي نصبت في العاصمة وإما بالتصفية المعنوية التي تستهدف الزملاء في أسرة «الأيام» في مدينة عدن.
تدفع الصحافة اليمنية ضريبة التوتر مجدداً. وإذا استمرأ «وحدويو الجغرافيا» نهجهم البغيض في التعاطي مع روح وحدة 22 مايو، فإن احتفالهم بذكراها ال19 قد يكون «الاحتفال الأخير»!