تعز وطارق.. العودة والمصالحة

طارق صالح في تعز
طارق صالح في تعز (شبكات تواصل)

"لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، إنما مصالح دائمة"، قد تكون هذه من أشهر العبارات تداولًا ‏في عالم السياسة والحكم، وقد كان التجلي الأوضح لهذه العبارة في تعز، حين زارها العميد طارق ‏محمد صالح، أو المعروف باسم "الفندم طارق"، قائد قوات حراس الجمهورية، ورئيس المكتب ‏السياسي للمقاومة الوطنية؛ الظهير السياسي لقوات حراس الجمهورية المتمركزة في مديرية ‏المخا التابعة لمحافظة تعز، وبعض مديريات جنوب محافظة الحديدة، ولكن العلاقة التي تربط ‏مدينة تعز بالعميد طارق علاقة معقدة، وشابها مراحل من العنف والدماء التي جعلت هذه الزيارة ‏في الأول من مارس من هذا العام، لها ما لها وعليها ما عليها من الاهتمام والأهمية.‏

فمنذ اندلاع الحرب في اليمن، 26 مارس 2015، شكل طارق صالح رمزية سيئة ودموية لدى ‏أبناء تعز، باعتباره ابن أخ الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وقائد شبكة عمه العسكرية ‏المتحالفة في ذلك الوقت مع قوات أنصار الله (الحوثيين)، والتي خاضت معارك عنيفة مع ‏المقاومة في تعز، وكان من نتائجها دخول المدينة في حصار محكم إلى يومنا هذا.‏

ولكن مع تغيرات مجريات الحرب، الممتدة منذ ثماني سنوات، وتبني طارق صالح الخطاب ‏الوطني والوحدوي، وتوحيد الصف الجمهوري، وعضويته في مجلس القيادة الرئاسي كنائب ‏لرئيس المجلس المتضمن سبعة نواب، أصبحت فكرة المصالحة بين طارق صالح والأوساط ‏السياسية والعسكرية في مدينة تعز، وبخاصة المحسوبة على "التجمع اليمني للإصلاح"، مقبولة، ‏وقد كان أحد الذين تبنوا فكرة المصالحة ضياء الحق الأهدل، أحد قيادات حزب الإصلاح في تعز، ‏قبل اغتياله في العام الماضي.‏

تبقى أهمية هذه الزيارة أو المصالحة على حد سواء، منبعها احتياج كل طرف إلى الآخر، فتعز ‏أصبحت مقسمة كمدينة وريف بين قوات أنصار الله وقوات الحكومة الشرعية التي هي عبارة عن ‏خليط من المجموعات المسلحة مختلفة الميول والانتماء، وإن كانت الغلبة فيها للمجموعات ‏الموالية لحزب الإصلاح، في مناطق ومواقع معينة داخل مدينة وريف تعز، ويبقى التوتر قائمًا ‏بين حزب الإصلاح والتحالف، هو سيد الموقف، وقد ينتهي بصدام مسلح كما حدث في محافظة ‏شبوة، أدى لخروج القوات الموالية للإصلاح من المدينة، أو التغافل عن دعم قواته ضد قوات ‏أنصار الله في حالة هجوم الأخيرة على مواقع الأولى.‏

وفي تعز يبقى هذا الاحتمال واردًا وقائمًا، وبخاصة أن قوات طارق مدعومة وممولة من دولة ‏الإمارات التي تحاول تقليص نفوذ حزب الإصلاح، باعتباره فرع جماعة الإخوان المسلمين في ‏اليمن، التي تصنفها كجماعة إرهابية رغم نفي وإنكار قيادة الحزب ذلك في مناسبات ومواقف ‏مختلفة.‏

على الطرف الآخر، طارق يبحث عن تعزيز وضعه السياسي والعسكري، ويحمل رمزية النظام ‏السابق الذي يعتبره الكثير اليوم أنه كان النظام الأفضل على ما يوجد اليوم من آلية حكم ودولة ‏ونظام. صحيح أن تمركز قوات طارق حراس الجمهورية في مدينة المخا وباب المندب ذات البعد ‏الاستراتيجي، لكن تظل هذه المنطقة محصورة جغرافيًا، وذات مناخ متقلب، وشحيحة الموارد، ‏وهذا يؤثر على شريحة كبيرة من ضباط وجنود قوات طارق من أبناء المحافظات الشمالية الذين ‏لهم مصالح وارتباطات اجتماعية والاقتصادية في الشمال، ولا يتمتعون بنفس النفوذ الاجتماعي ‏والقبلي في مناطق مثل المخا وباب المندب والتربة (منطقة في ريف تعز تستقر فيها كثير من ‏عوائل الضباط والجنود القادمين من المحافظات الشمالية)، هذا ما يدفعهم إلى العودة إلى مناطقهم ‏ومحافظاتهم في الشمال، مستفيدين من العفو الذي يقدمه لهم أنصار الله، لإدراكهم صعوبة تحرير ‏صنعاء والعودة إليها كالفاتحين.‏

مما غير تركيبة هذه القوات البشرية لصالح أبناء تعز وبعض مدن الوسط والجنوب اليمني، وهذا ‏داعٍ ودافع أكبر لمصالحة القوى الأخرى في تعز. ولا ننسى أن الخطاب السياسي الذي يتبناه ‏طارق يركز على الوحدة الوطنية وتوحيد البندقية وإعادة الجمهورية التي تقبل وتحتوي كل ‏المواطنين اليمنيين بمختلف توجهاتهم وانتماءاهم الجغرافية والثقافية، وهذا النوع من الخطاب ‏السياسي يلاقي تأييدًا وقبولًا كبيرين في مدينة تعز.‏

الأحزاب السياسية الأخرى في تعز كالناصري والاشتراكي، هم من أكبر المؤيدين والمناصرين ‏لهذه المصالحة لعدة أسباب، من أهمها:‏

إن من المصلحة السياسية والوطنية أن تتوحد كل الأطراف والشخصيات السياسة في مواجهة ‏الانقلاب، بغض النظر عن مواقفها السابقة، وللبداء بصفحة جديدة من التعاون والعمل المشترك.‏

وإن ما قدمه طارق صالح في المخا ومديريات جنوب الحديدة من إصلاحات وتنمية شاملة، يقدم ‏نموذجًا حقيقيًا للدولة التي يرغب فيها جميع اليمنيين.‏

وتواجد طارق بشكل قوي ورسمي في تعز، سوف يعمل على توازن قوى داخل مدينة تعز، ‏وينهي تفرد حزب الإصلاح بالمشهد السياسي داخل المدينة.‏

على مستوى المدينة، تعاني مدينة تعز من حصار خانق عليها، وتمثل هذه المصالحة والتسوية ‏السياسية فرصة جيدة لتحسين أوضاعهم داخل المدينة من حيث فتح طرق جديدة، طريق (الكدحة ‏والبيرين) للسفر والتنقل، وافتتاح مطار جديد (مطار المخا)، وتوسيع ميناء المخا.‏

بجانب افتتاح مشاريع بنية تحتية كمشروع المياه وربط مدينة تعز بكهرباء المخا، فهذه المشاريع ‏التي وعد بها طارق صالح، لها قبول واستحسان من أبناء المدينة المحاصرة.‏

وعلى ما يبدو، فإن زيارة وفد من قيادات التجمع اليمني للإصلاح إلى الإمارات، في نهايات العام ‏الماضي، حل الكثير من العقد والإشكاليات، حتى التحالف العربي بقيادة السعودية تغيرت نظرته ‏إلى تعز، وتم إعطاؤها زخمًا واهتمامًا أكبر، فتعز رغم افتقارها إلى أي موارد نفطية أو غازية، ‏لكنها تعتبر الرافعة السياسية لأي عمل أو مشروع سياسي بما تملكه من ثقل سكاني وتنوع ‏سياسي ورؤوس أموال تجارية كبيرة، وحتى على مستوى توزيع السلطات حظيت تعز برأس ‏السلطة في الرئاسة والوزراء والبرلمان، وهذا يعني أن قبول تعز بشكل من أشكال الحل السياسي ‏قد يكون مقدمة لحل سياسي شامل لليمن ككل.‏

زيارة طارق إلى تعز، مهما اختُلف عليها، تبقى مهمة، قد تفتح صفحة جديدة تخفف من معاناة هذه ‏المدينة، أو تعزز موقفها السياسي في أية جولة مفاوضات قادمة، ويبقى المهم الآن هو استقرار ‏وتطبيع الأوضاع داخل مدينة تعز.‏

تعز، وخلال هذه الحرب التي تدخل عامها التاسع، بعد أيام، حافظت على تنوعها السياسي ‏والثقافي، وتعتبر المدينة الوحيدة في اليمن التي لايزال فيها النشاط الحزبي والمدني نشطًا، حتى ‏وإن نتج عن هذا النشاط بعض المشاكل والإشكاليات، ولكن يبقى العمل السياسي، وآخره افتتاح ‏مقر المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، وحضور قيادات سياسية وحزبية من مختلف الأحزاب، ‏مؤشرًا جيدًا ومبشرًا بحالة القبول والتفهم لمعطيات المرحلة بصورة أكثر مرونة من مدن ومناطق ‏أخرى.‏