سندباد حضرمي

هذه رحلة شائقة في عالم محمد عبدالقادر بافقيه. رحلة على الورق مع «سندباد حضرمي» يشارك فيها باحثون وسياسيون وشعراء ومريدون يستبد بهم الحنين إلى النور الذي كانه شيخهم، العلَم الذي غادر محزوناً دنيا الذين لا يقرؤون، وإذا قرؤوا لا يفهمون، وإذا فهموا فإنهم لا يقبلون، دنيا «مخلوقات عجيبة» كما كتب في صحيفة «الرائد» الحضرمية قبل نحو 45 سنة.

هي بالضرورة رحلة شاقة. ففي دنيا الذين لا يتطورون، يثير استدعاء «آية النابغين» الكثير من الألم والحسرة. يكفي أن طلاب الآثار والتاريخ لا يتلقون دروسهم الجامعية في قاعة تحمل اسمه، لا يرتادون مكتبة تحوي تراثه. يكفي أن النسيان يلف أدواره وعطاءاته وآثاره التي تريد «المخلوقات العجيبة» أن تواريها التراب توطئة لتهريبها إلى متحف التاريخ اليمني المستباح.

والحاصل أن بافقيه، القامة والقيمة، النابغة الذي عانى في حياته من ضغائن جهلة لا يقرؤون، ومن ألاعيب ومناورات أنصاف مثقفين دفعت بهم الفوضى والانقلابات إلى راس الهرم البيروقراطي للمؤسسات والوزارات المعنية بالثقافة والتراث، مايزال، رغم مضي 8 سنوات على غيابه، عرضة للجحود.

استغرق التحضير لهذا الملف أسابيع طويلة. على أن أسرة «النداء» تدرك أن الإمساك بأبعاد شخصية بافقيه المتنوعة لا يطيقه حيز أسبوعي في صفحاتها. فإلى دوره التربوي في المدرسة الوسطى في الخمسينيات، ووزارة التعليم بعد الاستقلال، لم يسعفنا الوقت ولا الإمكانات ولا مجايلي الفقيد ورفاقه، في إلقاء الضوء على دوره في تأسيس النادي الثقافي بالمكلا، وجهوده المبكرة في ضم مدينة شبام إلى مدن التراث العالمي، وعلاقاته في المحيطين العربي والدولي، وخصوصاً أثناء توليه وظائف دبلوماسية، ثم خلال عمله الاستشاري في الإمارات في الثمانينيات.

عدا ذلك، فقد حالت الظروف الصحية للمهندس فيصل بن شملان دون تسليط الضوء على التوجهات السياسية لبافقيه في الخمسينيات والستينيات، علاوة على اشتراكهما معاً بعد 22 مايو 1990 في تأسيس حزب المنبر. وكان المهندس بن شملان وافق متكرماً على إجراء حديث عن بافقيه واهتماماته السياسية والثقافية.

ويبقى أن تلاميذ لبافقيه، بعضهم لعب أدواراً سياسية مهمة في الجنوب، وعدوا بالإسهام في الملف لكنهم لم يتمكنوا من الوفاء بالوعود جراء اعتبارات خاصة، ومشاغل كبيرة.

لأجل التاريخ الذي بات موضع وجهة الجاهلين وعبثهم، ومقصد نابشي القبور ومهربي الآثار، ولأجل القيمة التي كانها بافقيه، القيمة التي راحت بعد رحيله تهيم في دنيا «المخلوقات العجيبة» كان هذا الملف.