لهذا زادت وتستمر الأخطاء الطبية!

عقب مقالة الأسبوع الماضي عن الأخطاء الطبية، علمت من أصدقاء كثيرين أنهم أو أقاربهم كانوا ضحايا لأخطاء طبية شنيعة، ولم يتمكنوا من محاكمة مرتكبيها، إذ تسبب أحد الأطباء بإصابة قريبة بمرض السرطان، فيما أكد آخر أنه أحد ضحايا "هؤلاء القتلة"، وأنه ينتظر التعافي من آثار إحدى العمليات التي أجريت له، حتى يتمكن من ملاحقة هذا الطبيب قضائيًا. في حين أرسل نايف الغادري تقريرًا طبيًا يؤكد أن ابنهم البالغ من العمر 20 عامًا، فارق الحياة نتيجة الإهمال الطبي في مستشفى الريان الأهلي بمحافظة عمران، حيث تعرض الشخص لنزيف داخلي في القصبة الهوائية والرئتين، ومع ذلك لم يقم الأطباء بأي إجراء لوقف النزيف الداخلي، ما أدى إلى وفاته.

وخلافًا لما كنت أعتقد أن أسهل مهمة يمكن القيام بها في هذه البلاد المنكوبة بالحرب والصراعات، هي مقاضاة من يتعاملون بدون مسؤولية مع الأرواح البشرية، لكن الصديق المحامي جميل شرف أجهز على هذه التطلعات، وأبلغني أنه منذ ثلاثة أشهر، يسعى لإحالة ثلاثة أطباء إلى القضاء، لكنه عجز عن ذلك، بسبب أن القانون يمنح المجلس الطبي الأعلى سلطة فرض العقوبة أو الإحالة إلى النيابة لتحريك الدعوى، ولأن أغلب أعضاء المجلس من الأطباء أو مسؤولي وزارة الصحة، لهذا لا يفرطون بزملائهم، ويماطلون في تحديد موقف من القضايا المعروضة عليهم، ويمكن القول بأن المجلس أصبح جدار الحماية الصلب لمرتكبي الأخطاء الطبية، ويمنحهم الحصانة لاستمرار ارتكاب الجرائم، وهم في مأمن من العقاب.

وعند العودة إلى القانونين الثلاثة المرتبطين بمهنة الطب، والمنشآت الطبية، وقانون المجلس الطبي الأعلى، وجدت أن المشرع اليمني قد أناط بالمجلس الطبي مهمة التحقيق في الشكاوى والمخالفات المرفوعة إليه وفقًا لأحكام القانون رقم 28 لسنة 2000، إذ نصت المادة 10 الفقرة (ف) منها أن من مهام المجلس: "التحقيق في الشكاوى والمخالفات المرفوعة إليه والبت فيها، وتوقيع العقوبات الواردة في المادة 24، أو إحالتها إلى النيابة العامة إذا رأت لجنة التحقيق أن موضوع الشكوى يتعلق بجريمة من الجرائم التي تختص النيابة العامة فيها".

وسنجد أن المادة المشار إليها سابقًا -أي المادة 24- تنص على أنه "مع عدم الإخلال بأحكام المسؤولية الجزائية والمدنية، يكون مزاول المهنة محلًا للمساءلة التأديبية إذا أخل بأحد واجباته المهنية، أو خالف أصول المهنة وآدابها، وفي هذه الحالة يحق للمجلس أن يطبق إحدى العقوبات التأديبية التالية: وهي لفت نظر، الإنذار، غرامة مالية لا تتجاوز خمسين ألف ريال".

كما تنص هذه المادة على عقوبات أخرى، مثل السحب المؤقت لترخيص مزاولة المهنة لمدة لا تزيد عن ستة أشهر، وأحالت إلى اللائحة الداخلية تحديد تفاصيل تنفيذ ذلك. وعقوبة شطب الاسم من سجلات المجلس، وإلغاء ترخيص مزاولة المهنة.

وزيادة في تحصين الأطباء من المحاكمة، تنص المادة 21 الفقرة (أ) من القانون، أن "على أية جهة تتولى التحقيق في شكاوى مهنية ضد مزاولي المهنة، أن تستطلع رأي المجلس فنيًا وعلميًا قبل السير في إجراءات التحقيق، ما لم تكن الشكوى محولة أصلًا من المجلس طبقًا للفقرة (ف) من المادة 10 من هذا القانون".

غير أن نشرة صدرت عن مكتب النائب العام في مناطق سيطرة الحكومة، في العام 2020، وأثناء جائحة كورونا، تذكر أن القانون اليمني "يعتبر الخطأَ الطبي جريمةً جسيمة إذا نتج عنه وفاة المريض"؛ مستندة إلى نص المادة 241 من قانون العقوبات، التي تقول: "يعاقب بالدية المغلظة أو الحبس مدة لا تزيد عن خمس سنوات من اعتدى على سلامة جسم غيره بأية وسيلة، ولم يقصد من ذلك قتلًا، ولكن الاعتداء أفضى إلى الموت".

كما تنص المادة 245 من القانون ذاته على أنه، وفي حال لم يفضِ الخطأ الطبي إلى وفاة، "يعاقَب بالدية أو الأرش على حسب الأحوال، مَن تسبب بخطئه في المساس بسلامة جسم غيره، وبالحبس مدةً لا تزيد عن سنة أو بالغرامة، وإذا نشأت عن الجريمة عاهة مستديمة أو إذا وقعت نتيجة إخلال الجاني بما توجبه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو مخالفته للقوانين واللوائح أو كان تحت تأثير سكر أو تخدير عند وقوع الحادث، كانت عقوبته الحبس مدةً لا تزيد عن سنتين أو الغرامة".

شخصيًا، أتمنى أن أسمع رأي القاضي الفاضل د. يحيى الماوري، في هذه القضايا، بخاصة وأن الشكاوى المرفوعة مازالت في أدراج المجلس الطبي الأعلى في صنعاء، حتى اليوم، ويرفض الفصل فيها، كما أكد لي ضحايا آخرون أنهم فضلوا مقاطعة الأطباء في اليمن، والذهاب للخارج، لأن الدخول في منازعات قانونية غير مجدٍ، وربما يخسر المرء أضعاف تكاليف السفر للعلاج في الخارج.

موضوع ذو صلة: الأخطاء الطبية جرائم بلا عقاب