انتهاك الحريات الصحفية.. تقليد تتنافس عليه أطراف الحرب

كنت مكلفًا بمراجعة تقارير نقابة الصحفيين اليمنيين، وإعداد تقديم، وعندما ذهبت إلى المقر وجدته مغلقًا، وحمدت الله أن العاملات والعاملين لم يُعتقلوا

ترسخ تقليد رصد انتهاك الحريات الصحفية بصورة واسعة وأساسية. احتفت النقابة الصحفية بهذا التقليد، وتأسست منظمات مهنية وحقوقية لرصد الانتهاكات، وقمع حرية الرأي، ومصادرة حقوق الإنسان.

يرتبط إطلاق الحريات الصحفية بقيام الوحدة اليمنية التي أقر دستورُها التعدديةَ السياسية والحزبية، وصدور قانون الصحافة رقم 25 لعام 1990، رغم القصور، وصدور الصحف الحزبية المعارضة، والأهلية المستقلة، وبعض المنظمات المهنية المدافعة عن الحريات والحقوق، واهتمت كلية الإعلام في عهد الإعلامية والأكاديمية الفقيدة رؤوفة حسن الشرقي، بهذا الجانب، ولعبت الصحافة الأهلية المستقلة دورًا مهمًا في التصدي للانتهاكات، وكشف خنق الحريات العامة، وبالأخص حرية الرأي والتعبير، وكان للمنظمات التخصصية بالغ الأثر في رصد الانتهاكات: نقابة الصحفيين، مؤسسة حرية، صحفيات بلا قيود.

وأصدر شابات وشباب مدعومون من مؤسسة إيبرت، ومنتدى التنمية السياسية "أوراق بيضاء"؛ لدراسة الجوانب الحقوقية عن المساواة، وحقوق الإنسان، وأسهمت صحفيات بلا قيود في المبحث.

وإذا ما رجعنا إلى ما قبل ثورة الربيع العربي وإبانها، فقد أصدرت النقابة الصحفية تقرير لجنة الحريات للأعوام 1999، وحتى 2003، وتولى الزميل أحمد علي الزرقة -سكرتير تحرير لجنة الحريات، إعداد التقرير، وأصدر الصحفي خالد الحمادي تقرير الحريات الإعلامية في اليمن لأكثر من عام، وباللغتين العربية والإنجليزية، وتقرير الحريات الإعلامية في اليمن للعام 2013، وهو تقرير مهني شمل مختلف الجوانب الصحفية والإعلامية، وفيه رصد وتوثيق الانتهاكات في عموم اليمن، وعملت صحفيات بلا قيود على رصد الانتهاكات لبضعة أعوام، ولم تتمكن من الإصدار بسبب إغلاق صالح وأنصار الله (الحوثيين) لمقرها فور دخول صنعاء، وقد قدم الزميل عيدي المنيفي لبعض من هذه الانتهاكات. كنت مكلفًا بمراجعة التقارير، وإعداد تقديم، وعندما ذهبت إلى المقر وجدته مغلقًا، وحمدت الله أن العاملات والعاملين لم يُعتقلوا.

دور الصحف الحزبية المعارضة في رصد الانتهاكات مائز ومهني وشجاع، ومنها: الشورى، والتجمع، والثوري؛ والأخيرة صدر بحق رئيس تحريرها أكثر من ثلاثة عشر حكمًا أخفها الحبس، وحوكمت الشارع، والأولى، وهما من الصحف الأهلية المستقلة، بتهمة الخيانة العظمى، وتعرض المحرر الصحفي نبيل سبيع لمحاولة اغتيال، كما تعرض جمال عامر -رئيس تحرير الوسط، للاختطاف، والضرب، والمحاكمة والمنع من الكتابة، وحوكمت الأسبوع غير مرة، وكان نصيب صحيفة النداء وافرًا من القمع، ونهب المعدات، وتهديد محرريها، واختطاف بعضهم.

بعد حرب 1994 كان القمع شاملاً؛ فالسلطة حريصة على القضاء على كل مكاسب الوحدة السلمية، والعودة باليمن إلى عهد الشمولية والاحتراب، ومصادرة أبسط الحقوق والحريات، وكانت الصحافة والصحفيون، وبالأخص في الجنوب، والإعلاميون بصورة عامة، الضحية الأولى لحرب 1994؛ فقد اتُّهِموا بالانفصالية، والكفر، وتسيد السلفيون والإسلام السياسي (الإخوان المسلمون)، والتيارات الإرهابية (حلفاء السلطة)، المشهد؛ فشنت حربان ضد صحيفة الأيام: حرب في صنعاء، وأخرى في عدن، وعطلت الصحافة المقروءة، والمرئية، والمسموعة، واعتقل الصحفي القدير هشام باشراحيل، وبعض أبنائه، وآخرون كثر، ودافعت النقابة الصحفية عن أعضائها الذين غادروا البلاد خوفًا من الاعتقال، وكانت السلطة تضغط لفصلهم وتجريمهم، وجلهم آتون من الجنوب، وهم أعضاء في المجلس المركزي، والأمانة العامة.

وقف الاتحاد الدولي للصحفيين، ممثلاً برئاسة الأستاذ جيم بو ملحة، وزار صنعاء، وتخاطب مع الرئيس صالح مدافعًا عن الصحفيين، والحريات الصحفية.

كانت تقارير النقابة دورية وسنوية، ومن أهمها تقارير الأعوام: 2009، و2010، و2011، والأخير عام انبلاج فجر الربيع العربي في اليمن.

الأهم انتظار تقارير النقابة في سنوات الحرب منذ العام 2014 -سنوات الحرب المدمرة- التي خفتت فيها الأصوات المدافعة عن الحريات والحقوق. كان لمحامي ومحاميات "منظمة مواطنة" دور مهم في حضور محاكمة العشرات من الصحفيين الذين حُكم على بعضهم بالإعدام، وكان المحامي القدير عبدالمجيد صبرة من أهم رموز الدفاع عن الحريات والحقوق، وعن الصحفيين بصورة أخص.

الزميل محمد صادق العديني -رئيس مركز التأهيل وحماية الحريات الصحفية، وعبر الصحيفة التي أصدرها في ليل الأزمة، تعرض للإيذاء بسبب ما ينشر.

إعلان صنعاء بشأن استقلالية وتعدد وسائل الإعلام العربي من صنعاء، 1997، كان من أهم الإعلانات العالمية، ويعود الفضل في الإعلان للفقيدين: الدكتور أحمد الصياد -الأمين المساعد لمنظمة الثقافة والعلوم اليونسكو، والدكتورة رؤوفة حسن الشرقي -عميدة كلية الإعلام.

انتظمت تقارير النقابة عن الانتهاكات منذ انفجار الحرب في 2014، وميزة هذه التقارير رصدها للانتهاكات في الشمال والجنوب، والممارسات القامعة والسالبة للحرية وللمعيشة والحياة للصحفيين من قبل سلطات الأمر الواقع، والمليشيات في عموم اليمن.

تقرير النقابة الأخير رصد وإعداد أشرف الريفي، وسكرتير لجنة الحريات محمد شبيطة -الأمين العام. يتناول التقرير المحاكمات الجائرة ضد الصحفيين حد صدور أحكام بالإعدام بدون محاكمة عادلة، وإغلاق الصحف ووسائل الإعلام، وقطع المرتبات، وفقدان الأعمال، والحرمان من حق ممارسة المهنة، والإخفاء القسري، وتحويل البعض إلى أسرى حرب، والحرمان من الزيارة، والتعذيب الشنيع. والفاجع أن أطراف الحرب تتنافس وتتسابق على قمع الحريات.

المليشيات المتقاتلة، والعدوان على اليمن، يريان في الصحفي العدو اللدود؛ لأنه الشاهد على جرائم الحرب، والدمار الذي تلحقه الحرب باليمن، وتجعل اليمن الأرض الخراب غير الصالحة للسكنى أو الحياة.

تقرير العام 2022 يرصد 92 حالة انتهاك طالت وسائل إعلام، وصحفيين، ومصورين ومقتنياتهم، وتوزعت الانتهاكات بين المحاكمات، والتهديد، والتحريض، وتعذيب، وحرمان من حق التطبب والرعاية، وإيقاف الإذاعات، ومصادرة مقتنيات، وقطع المرتبات، وحالات قتل. ويأتي إصدار مدونة السلوك، والهوية الإيمانية في صنعاء، في صدارة وذروة مصادرة الحق في الحرية، واحترام حقوق الإنسان، وجعل المواطنة الإيمان الذي لا يدرك كنهه إلا الله.