سيدة الكرم!

في السبعينات من عمرها.‏

هي أم لكل منا.‏

جاء إلى بيتها رجال غاضبون.‏

يريدون أبنها.‏

بسبب إشاعة.‏

لم يجدوه.‏

فجردوها هي من ملابسها.‏

وسَحلوها أمام بيتها. عارية.‏

في قريتها. أمام الملأ.‏

قامت الدنيا حينها.‏

حتى الرئيس واساها.‏

لكن القضاء تحول إلى أداة للتنفيس عن طائفية بغيضة.‏

وبدلًا من أن ينصفها.‏

برأ المعتدين.‏

ولم يخجل.‏

لأن القضية أكبر من سيدة الكرم على فداحتها.‏

***

القضية طائفية في الصميم.‏

وليست جديدة.‏

وهي تعكس تمييزًا منهجيًا يتعرض له المصريون والمصريات من الأقباط، لاسيما في بعض المحافظات، ‏التي تعاني من توتر طائفي، كالمنيا.‏

هي أيضًا مرآة لتوتر مجتمعي، قوامه تفشي فكر الإسلام السياسي، وفكر من نسميهم الوسطيين، كالشيخ ‏الشعراوي، وعبدالله رشدي. فكر يكفر المختلف عنهم، والمسيحيين على رأسهم، ولا يؤمن بمفهوم ‏المواطنة المتساوية. فكر مازال مقتنعًا بمفهوم أهل الذمة. يدفعون الدية وهم صاغرون. هذا هو فكر ‏الشعراوي ورشدي.‏

والأدهى انحياز السلطات القائمة في بؤر التوتر الطائفي، إلى المواطنين والمواطنات من المسلمين.‏

رفضهم تطبيق القانون المدني أو بنود الدستور المصري، الذي يضمن المساواة في المواطنة. وإصرارهم ‏على اللجوء إلى القوانين العرفية. والتي نادرًا ما قدمت حلولًا أو أنصفت مظلومًا. في الواقع، ما يحدث ‏عادة، هو أن من نهب وسلب وسحل وحرق بيوت الأقباط، ثم طردهم من قراهم، هو من يخرج منتصرًا.‏

سجل تطبيق القوانين العرفية يظهر تحيزًا ومعاملة تفضيلية، واستخدامها كأداة للعقاب الجماعي ضد ‏الجانب المصري القبطي. وهو سجل وثقته في كتابي "المرأة والشريعة: نتائج التعددية القانونية في ‏بريطانيا"، الصادر باللغة الإنجليزية عام 2016، عن دار النشر الأكاديمية أي بي تاورس، وترجم إلى ‏الألمانية عام 2022.‏

‎.‎

في كثير من الأحيان، يندلع التوتر الديني لسبب ما. بعضه غريب. كقميص مملوك لمصري مسلم، يُحرق ‏أثناء كيّه في مغسلة مملوكة لمصري مسيحي. ‏

والبعض الآخر أكثر "حساسية". مثل علاقة حب بين فتاة مسلمة وشاب مسيحي، أو العكس.‏

فتندلع أعمال العنف، وتُضرم النيران في منازل ومتاجر المسيحيين، ثم تُجبر العائلات المسيحية على ‏مغادرة القرية، وترك ممتلكاتهم، بيوتهم، وأرضهم.‏

استخدام القوانين العرفية لم يعالج أبدًا الأسباب الكامنة وراء هذا العنف الديني، كما أنه لم يقدم الجناة إلى ‏العدالة أو يحاسبهم.‏

في الواقع، ما يفعله هو تعميق شعور المصريين المسيحيين بالاضطهاد داخل وطنهم.‏

‏-------‏

وهذا ما حدث من جديد في قضية سيدة الكرم.‏

دعونا نستمع إلى خلفية ما حدث، والذي وثقت له المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.‏

‏"شهدت قرية الكرم بمركز أبو قرقاص جنوب محافظة المنيا يوم الجمعة 20 مايو 2016، اعتداءات ‏طائفية على أقباط القرية، على خلفية شائعة بوجود علاقة عاطفية بين مسيحي وسيدة مسلمة، حيث قام ‏عدة مئات من مسلمي القرية بالاعتداء على السيدة القبطية سعاد ثابت (74 عامًا) والدة المسيحي، ‏وتجريدها من ملابسها أمام منزلها، كما تم نهب وحرق 5 منازل مملوكة لأقباط، بالإضافة إلى تنظيم ‏مسيرات جابت شوارع القرية، تخللها ترديد هتافات وصيحات غاضبة وعدائية تجاه الأقباط.‏

هذا، وقد بدأت أجواء التوتر داخل القرية في اليوم السابق -الخميس 19 مايو- حيث وزعت منشورات ‏تتضمن الشائعة وتحث على الاعتداء على الأقباط، وطردهم من القرية، وتضمنت المنشورات دعوة إلى ‏التجمع عقب صلاة الجمعة في اليوم التالي، على إثر ذلك غادر الشخص المسيحي القرية مع زوجته ‏وأبنائه، تاركًا والده ووالدته المسنين بالمنزل، ثم قام والد الشاب بتحرير محضر بقسم شرطة أبو قرقاص ‏يتضمن مخاوفه من التهديدات التي تلقتها الأسرة وخشيتها من تنفيذها عقب صلاة الجمعة، إلا أنه لم ‏يحضر أي شرطي إلى القرية. وعقب صلاة المغرب، تجمع مئات من مسلمي القرية وهم مدججون ‏بالسلاح أمام منازل الأقباط، وأشعلوا النيران في خمسة منازل منها منزل والد الشاب المتهم بإقامة ‏العلاقة، ثم قاموا بتجريد والدته وزوجة شقيقه من ملابسهما أمام المنزل".‏

السلطات عادة ما تخذل المواطن والمواطنة القبطية في هذه الحالات.‏

لم يحضر أي شرطي لحماية من لجأ إليهم. تركوهم وحدهم.‏

خمسة منازل قبطية أُحرقت. واضطر أصحابها بعد ذلك إلى التراجع عن بلاغاتهم بسبب الضغط الذي ‏مورس عليهم.‏

وسيدة الكرم، التي سُحلت عارية أمام بيتها، برأ القضاء من سحلها.‏

ومر الخبر هذه المرة صامتًا.‏

خجلًا. متواريًا.‏

لكن جوهره كان عاريًا.‏

أشارت إليه المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في عبارة واحدة، لا لبس فيها.‏

‏"عدم إدانة المتهمين رسالة دعم لتكرار الاعتداءات الطائفية والعنف ضد المرأة".‏

ولا عزاء لسيدة الكرم.‏