خلاف عائلي أم استهداف سياسي وراء العبث بإرث البردوني

الأستاذ الراحل عبدالله البردوني
الأستاذ الراحل عبدالله البردوني (أرشيف)

عبدالله البردوني صرح مرارا أنه أنجز ديوانين جاهزين للطبع هما "ابن من شاب قرناها" و "العشق في مرافئ القمر"، وانجز كتابا جاهزا للطبع هو "الجمهورية اليمنية".
هذه ثلاث أعمال البردوني كانت قيد الانجاز، أي دفعت للطبع أو جاهزة لأن تطبع.
شخصيا سمعتها منه في مارس 1998 ونشر كلامه في حوار صحفي أجريته معه لجريدة "الوحدوي".

مات البردوني بعد عام ونصف تقريبا. وترددت أقاويل يوم وفاته عن السطو على مخطوطة كتابه "الجمهورية اليمنية"من قبل "مندوب الرئيس"!
واكتسبت الأقاويل قوة الحقيقة مع انصرام السنين. وقد أشرت إلى هذه "الحقيقة" أولًا في جريدة الأسبوع في مايو 2000، وكررتها لاحقا في أكثر من مناسبة في جريدة "النداء".
والحاصل أن رواية "سلطوية" بدأت تنتشر على استحياء، تتكلم عن خلاف بين الورثة (فتحية الجرافي ارملته، وأقاربه من اخوته)، وحينها - اي عامي 1999 و 2000- لم يكن هناك مجال للشك حول مصير الديوانين فهما في الحفظ والصون لكن مصير مخطوط كتابه "الجمهورية اليمنية" بدأ غامضا خصوصا وبعض الاساتذة في "اتحاد الأدباء" ذكر صراحة - لكن دون أي دليل - أن الاستاذ علي الشاطر زار، مبعوثا من الرئيس صالح، بيت البردوني بعد ساعات من وفاته وغادر حاملا مخطوط كتابه!

هكذا، ومع الوقت، استقرت روايتان؛ الأولى تتحدث عن مبادرة السلطة الى وضع اليد على مخطوط كتاب "الجمهورية اليمنية" غداة وفاة البردوني، والاخرى ابرز خلافات الورثة كمبرر وحيد لعدم طبع اعماله. وقد ظهر أن هذه ذريعة "السلطة" تلوح بها في وجه كل متشكك أو متسائل عن مآل اعمال البردوني غير المنشورة. وكم هو محزن أن يطبع ديوان البردوني (الاعمال الكاملة) في 2004 منقوصا؛ أي من دون آخر ديوانين!

والحق أن خلاف الورثة لا سبيل إلى انكاره أو انكار صلته بعدم ظهور الديوانين. لكن الأكيد أن اتحاد الكتاب والأدباء اليمنيين يتحمل المسؤولية الأولى عن العبث في إرث البردوني، إذ يعرف أن السلطة حينها كانت تناصب الشاعر العداء جراء مواقفه منها، خصوصا بعد حرب 1995، الى حد أنه شكا من مضايقات أمنية وحصار "اعلامي" يستهدفه. وأكثر من ذلك فإنه سألني، شخصيا، عما إذا كان لأحد معاونيه صلة بالأمن (المخابرات). والمغزى أن علاقة الشاعر بالسلطة كانت في أسوأ أطوارها، وهذا يفسر جزئيا كيف صار "خلافا عائليا" لعبة سلطات بعد رحيل صاحب الصوت الأشد حدة في فضح أفعالها!

في 2012 والسنوات التي تلت تجدد الحديث عن أعمال البردوني غير المنشورة في غياب الحاكم الذي ناصبه العداء، وفي ظل وزراء لا يمتون بصلة إلى النظام السابق لكن بالتركيز على ديوانيه دونا عن الأعمال الأخرى، نثرا وسياسة.

وبعد سيطرة الحوثيين على صنعاء بدا وكأن البردوني إحد خصومهم التاريخيين إذ أن موقعه في الانترنت الذي يحتوي على أعماله الشعرية المنشورة تم حذفه دون ان تحرك الوزارة واتحاد الأدباء ساكنا. ثم بعد سنوات (تقريبا 2019) ابلغني الصديق أحمد العرامي أن الديوانين في الحفظ والصون، وأنه يتابع مع آخرين امكانية طبع الديوانين من قبل وزارة الثقافة (حكومة الشرعية). وكان الحديث، مرة أخرى، يتركز على الشعر لا النثر! وحسبما فهمت من العرامي فإن الورثة يطالبون مالا مبالغا فيه، وهذا هو السبب الوحيد لعدم ظهور الديوانين!

ماذا جرى بعد ذلك؟
كيف ظهر الديوانان في صنعاء؟
وهل تم العبث في إرث البردوني الشعري وغير الشعري؟
هذا أسئلة يجيب عنها ورثة البردوني (العائلة) واتحاد الأدباء اليمنيين.
كذلك يكون ما كتبه الصديق الروائي اليمني علي المقري عن العمل الذي طبع في صنعاء مؤخرا ونسب للبردوني جدير بالوقوف والتحقق من جميع محبي البردوني وتلاميذه.