من طاهش إلى ناهش

ينتقل البلد بكل سلاسة من أيادي لصوص قدامى إلى أيادي لصوص جدد، وكأنه لم تحدث ثورات شعبية، ولم يقدم الشعب تضحيات كبيرة من أجل التغيير إلى الافضل.

تسير في عدن هائمًا على وجهك في الشوارع والأزقة، وتزور المؤسسات والوزارات، فلا تجد أثرًا لدولة أو حكومة، كل شيء محطم، حتى الناس حطمهم الغلاء وضيق المعيشة، بسبب انحدار الريال المتواصل.

لا أمل في التغيير والإصلاح، مادام البلد ينتقل من "طاهش إلى ناهش"، كما يقول المثل اليمني، لقد نهشوا البلد وتقاسموا المصالح والنفوذ، من يوم أعلنوا الشراكة، في صورة تجسد المأساة، التي ربما تجعل الناس يترحمون على الطاهش الكبير.

لقد ذهبت الوعود أدراج الرياح، وتبخرت النزعات الثورية، وتحول الجميع إلى فاسدين من نوع جديد، باسم الثورة والتغيير والتحرير، حتى إن أحد الوزراء مايزال يذكر الناس بأنه جاء من الساحات، بينما هو هامور وفاسد نهم لا يشبع، لطخ حزبه كثيرًا، دون أن يقيم لتاريخه وزنًا إن كان له تاريخ يشفع له فعلًا.

حتى معين عبدالملك يقول أيضًا إنه قادم من ساحات الثورة، في محاولة لدفع الناس لتصديقه والتعاطف معه، لكنه في الحقيقة فاسد وفاشل وكارثة، لا تقل خطرًا عن كارثة هادي، الذي أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه.

لا يأتينا الخارج إلا بالكوارث، إنهم لا يحبون هذا الشعب الطيب، الذي كان العديد من رجاله وأبنائه المهاجرين، سببًا في نهضتهم وفي ما وصلوا إليه، إنهم يتقاذفون البلد من طاهش إلى ناهش، وكأن البلد خلا من الرجال المحترمين.

تحاول السلطة المحلية في عدن أن تبذل جهودًا في تحسين مظهر العاصمة، برصف الشوارع وإصلاح الحدائق ونصب عمدان جديدة للإضاءة، لكن كل هذا يبقى محدودًا، في حال ظل الإنسان، وهو الأهم، جائعًا ومرهقًا ومحطمًا، من سياسات الحكومة الخرقاء و المدمرة.

ثار الشعب على المستبدين والفاسدين، ولم يكن يعلم أنه سيأتي مسؤولون ولصوص جدد، ليثوروا عليه، ليقضوا على أحلامه وتطلعاته الجميلة، وليرموا به في مهب الفقر والحرمان من جديد، وربما بصورة أكبر وأفظع من ذي قبل.

لا بلد سيعود كما كان، ولا مؤسسات ستعود إلى حضن الدولة، بهؤلاء الفاشلين والفاسدين والأغبياء والعصبويين، بل سيجرون البلد إلى ما هو أخطر، في حال استمر الوضع كما هو عليه، دون حركة أو حراك.

* رئيس مركز مسارات للاستراتيجيا والإعلام