أن تختفي دون أن يعلم أحد

متى يفهم الجميع بأنهم ليسوا مجرد أسماء وأحرف متناثرة على أوراق الصحف وألسنة منظمات الدفاع عن الحقوق وعن الانسانيه المهدورة، بمرأى ممن يدعون ويتشدقون بإحقاق العدل وترسيخ العدالة؟!!

إنهم أرواح اختفت دونما أسباب اقترفتها سوى أنهم حملوا بداخلهم أفكار وولاءً سياسياًً لم يُرض البعض عنه.وربما لم يكن لهم في السياسة ناقة ولا جمل، ولم يكن لهم ذنب يذكر، سوى أنهم وضعوا دون ضمير على لائحة غيرالمرغوب فيهم منهين حياتهم دون أدنى حق لمن فعل ذلك ودون منح للضحية حق الرفض أو حتى المقاومة!

ما معنى أن تختفي قسريا ؟

معناه أيها السادة الرافعون أعينهم استغراباً أو استخفافاً بهذه القضية، أن تُقتل ولا يعرف أحد بموتك، ويخمنه الأحباء من خلال اللاعودة التي تزداد وضوحاً كلما مر يوم آخر على اختفائك، وانقضاء الزمن دون أدنى أمل بالرجوع !

وفي أحسن الحالات ربما تكون مرميا في زنزانة لايعرفها حتى من أمر بحبسك لتسقط بكل بساطة من كشف الأحياء، وتدخل عالم من النسيان، الذي لايرحمك، ولا يرحم من ينتظرونك...

وهنا أتساءل، ألا تتساءلون معي: هل من الصائب تسمية الاختفاء القسري بذلك الاسم أو أن نطلق عليه أسمه الحقيقي، دون تزييف وهو جرائم قسريه، وقتل وحشي لايمت إلى روح الأنسانيه بصلة! ؟

إن ملف المختفين قسريا هو الملف الأكثر إيلاما، والأطولٍ عمراً، كونه ملفاً مليئاً بالتساؤلات: لماذا، وكيف، ومتى، وأين ؟؟ولكون عمره ممتدا بين أمل ويأس وشك ويقين القابعين خلف سراب الوهم والانتظار...

وعندما تقرر الصحافة وبلمسة إنسانية خالصة فتح هذا الملف المغلق. فهي كمن يفتح النار عليها من جميع الجهات؛ فالجميع متورطون، والجميع قد يكونون شارك، بتلك الجرائم، تحت مسميات عديدة ومختلفة باسم الدفاع عن القضية، أو الحفاظ على النفس والمصالح. ومعنى أن تطرق الصحافة هذا الباب فهي كمن يطرق باباً للفجيعة والألم، ولن يتحرك بداخله سوى الغول النائم عن جرائمه، المتلبس طيبة عبر الزمان المليء شراً ووحشية. يعيش بيننا اليوم وكأن يديه لم تقترفا شيئا يوماً ما، في زمن ما.

كما أن تسليط الضوء على أسر المختفين قسريا، بقدر ما يبعث في قلوبنا رعشة الرهبة والرأفة، بقدر ما يجعل الأمر حقيقة قائمة وليس مجرد أكاذيب وإثارة، لا أكثر. نعم من حق الصحافة أن ترفع صوتها عاليا ضد كل من يحتكر حق الحياة والكرامة، لتطالب بمطالب عادلة,ألا وهي مطالب الناس قبل أن تكون مطالبها هي:  من الإيمان بحق الحياة والحرية والمحاكمات العادلة وعدم التعذيب، إلى المطالبة بظروف احتجاز إنسانية وأي خروج على ذلك هو جريمة،لابد أن نعاقب عليها المقترفين لها والتساهل أيا كان، سيقودنا ذات يوم إلى أن نختفي دون أن يعلم أحدا ممن حولنا متى وأين نحن؟؟ والمختفون قسريا هم أحد هذه الجرائم البشعة والكثيرة العدد والبعيدة الأثر...

نعم أعلم أن ما يحدث لنا في الغالب قسري، لايد لنا فيه، كأن الحياة من حولنا تفرض علينا قسرا ما لانريد. ولكن استخدام القوانين الأستثنائيه لأغراض خاصة، ضحيتها هو حياة الإنسان، فهذا ما لايعقل أن نقبل به بجانب ذلك أبدا.

قرأت أن صحيفة "النداء" تعرضت لتهديدات من مجهولين، كعادة من يقترب من الخطوط الحمراء والمحرمة، وقرأت بالمقابل عن تعاون الأجهزة الأمنية مع الصحيفة ضد هذه التهديدات !!

ما يشعرني بالحيرة هو: ما مدى جدية الأجهزة المعنية بالبحث عن حقائق قصص الأرواح الهائمة حتى اليوم، دونما نهاية موثقه أو معترف بها،مقارنة بجديتها في حماية الصحيفة والقائمين عليها من هذه التهديدات!؟..

وبدلا من مراعاة الصحيفة، أفلا نحترم هذه الشجاعة التي تسلحت بها، وهي تفتح هذا الملف الغامض، بالبحث جديا عن المختفين وتخفيف الألم النفسي الأعمق الذي خلفه ذلك الاختفاء في نفوس الأرامل واليتامى من أسر المفقودين !؟ ليس ذلك استنقاص لما يمر به الباحثون في هذا الملف، ولكنها كلمة حق عن معانات أسر المختفين، وطول استمرارها، حيث لانهاية تلوح في الأفق لتنهي حياة البرزخ التي يحياها المختفون المتأرجحون حتى اليوم.. فلا هم من الأحياء ولاهم من الأموات !!

ألم حاضر

الخيواني... أغنية البائسين والمخنوقين والمتسلقين والمتشدقين والمتحررين والمستبدين... لقد أختارك الإجماع على أن تكون كبش فدائهم، وعلى أن تكون مظلتهم وممثلهم، الذي يؤدي دوراً بالنيابة عن الجمع نفسه الذي يتفرج عليك فقط، وأنت ترقص رقصة موتك الأخيرة، وربما ليست الأخيرة، فالخير لاينفذ عند أهل الخير.

الخيواني... وسيلة السلطة لضرب الأمثال للناس لعلهم يتعضون، ووسيلة المعارضة لضرب أمثلتها للناس من اختباء أمام ما يحدث لمن تتشدق بالدفاع عنهم...

لماذا لم نتحدث حتى اليوم ونعتصم بساحة الحرية لنرفض ما قام به الحزب تجاه الخيواني والاستغناء عنه، دون إنذار أو مبرر، سوى ما في نفس يعقوب وذلك لايعلمة إلا الله والحزب، بينما نكاد نقتلع عيون السلطة غضبا لأجله...!؟

ليكن غضبنا عادلا ورفضنا لما يحدث عادلا...فذلك الشجاع المرمي وراء الزنزانة لم يقل يوما إلا ما آمن به، ولم يدافع يوما إلا عنا جميعا.

***