د. ياسين سعيد نعمان لـ"النداء": وضع الرياضة في عدن مرتبط بالوضع العام في مناطق الجنوب وهي وليدة البيئة التي خلقت بعد حرب 94م

د. ياسين سعيد نعمان لـ"النداء": وضع الرياضة في عدن مرتبط بالوضع العام في مناطق الجنوب وهي وليدة البيئة التي خلقت بعد حرب 94م

هناك جانب آخر للدكتور ياسين سعيد نعمان، أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني، يجهله الكثيرون، والمتمثل في عشقه للرياضة ومتابعته لها برغم مشاغله الكبيرة بحجم الوطن. لقد تولى رئاسة نادي التلال الرياضي عميد أندية الجزيرة والخليج.
التقيناه وسألناه عن بعض القضايا الهامة، وجدناه مطلعا وملما بكثير من القضايا الرياضية على الساحة المحلية، وكعادته وبعين الخبير ينظر للأمور ويحللها ويضع الحلول بواقعية.
ما قاله الدكتور ياسين في سياق الحوار التالي جدير بالقراءة وجدير بالدراسة ممن يصنفون بأنهم قائمون على الشأن الرياضي في البلد.

 حاوره: شفيع العبد

> بداية ممكن تحدثنا عن تاريخك الرياضي؟
- أولاً أنا لست رياضيا بالمفهوم المتعارف عليه بين الرياضيين ولكن كنت أنتمي للرياضة من خارج ملعب الرياضة، إلا في المراحل الأولى طبعاً عندما كنا في المدرسة الابتدائية والإعدادية وبعد ذلك في مرحلة متأخرة كان في 58م كنت عضوا في نادي الشباب الرياضي بعدن وكنت نصيرا لهذا النادي  لفترة طويلة، وبعد ذلك انتقلت للدراسة في القاهرة في بداية الستينيات، وكنت من مشجعي نادي الزمالك، وكنت قريبا جداً من كرة القدم حتى أوائل السبعينيات عندما بدأ الجميع يفكر في إعادة بناء حركة رياضية قوية بالذات في عدن وجرى تأسيس نادي التلال  في كريتر تولية رئاسته في عام 75م عندما أطلق عليه التلال واستمريت حتى نهاية 76م  والذي كان يتكون من ناديين رئيسيين هما الأهلي والأحرار مع العلم بأن الناديين الرئيسين تكونا تاريخياً من عدة أندية؛ النادي الأهلي تكون من الشباب الرياضي والحسيني، والأحرار تكون من نادي التضامن والأحرار، وكان قبلهما هناك أندية أخرى: نادي القطيعي والمحمدي والعيدروسي والأهلي... جمعت هذه الأندية في ناد واحد في كريتر اسمه "نادي التلال الرياضي" عام 75م. وبمقابله تشكل ناد في الشيخ عثمان وهو نادي الوحدة الرياضي، وكان قد تكون من ثلاثة أندية كبيرة: الهلال، والواي، والفيحاء؛ ولكن بدرجة رئيسية من الهلال والواي، باعتبارهما الناديين الكبيرين. بقية الأندية الأخرى في عدن، طبعاً في المعلا تشكل نادي شمسان من ناديي الجزيرة والروضة، وفي التواهي كان هناك نادي الميناء والذي تشكل من شباب التواهي والشعب، أما في البريقة كان نادي البريقة الذي أصبح نادي الشعلة... كل هذه الأندية كان فيها لاعبون كبار اشتهروا في فترة مبكرة من الخمسينيات. هذا جزء من تاريخ الحركة الكروية في عدن، والذي بدأ في بداية القرن الماضي، وهي من أقدم البلدان العربية على الإطلاق، ولا يضاهيها في القدم إلا مصر إلى حد ما، وكانت قد بدأت الكرة منذ فترة مبكر جداً.
> هل مازلت متابعا للرياضة في خضم انشغالاتك بهموم الوطن؟
- بدرجة رئيسية أتابع كرة القدم، أتابع الكرة العالمية والعربية والمحلية.
> لو طلبنا منك مقارنة بين رياضة الأمس واليوم؟ ولمن الأفضلية من وجهة نظرك؟
- الخامات اليوم جميلة ولعل الظروف التي يلعب في ظلها الشباب اليوم من حيث الإمكانات لا بأس بها، فهي أفضل مما كانت عليه في السابق. لكن في تقديري الشخصي أن كرة القدم بالأمس كانت أفضل وكان فيها مهارات فردية عالية. الملاحظ أنه كلما تقدم الزمن بالكرة اليمنية تراجعت المهارة الفردية لصالح المهارة الجماعية. فمثلاً في الخمسينيات والستينيات كانت المهارة الفردية عالية جداً وتستطيع أن تقول إن الكرة كانت تتميز بالحديث عن أفراد عن لاعبين ماهرين، وهذا اللاعب يفرض على الفريق شهرة من نوع ما بسمه كلاعب. وهذه طبيعة كرة القدم، لكن أستطيع القول إن كرة القدم  بالأمس كما عشنا أكثر إثارة مما هي عليه اليوم. الملاحظ أنه اليوم تبدأ خامات جيدة وممتازة في سن ما قبل الشباب والمهارات عالية ثم عندما ينتقلون إلى مستوى آخر تبدأ مهاراتهم تقل، هنا علينا أن نبحث عن السبب؛ لماذا؟
ربما في المرحلة الأولى في تقديري يبدأ الشخص في التكون الرياضي وهموم الحياة بالنسبة له أقل، يعني أسرته تتحمل نيابة عنه مشاكل وهموم الحياة  وعندما يبدأ بالتنقل من مرحلة إلى أخرى تبدأ مشاكل الحياة تزداد، وتبدأ البيئة تؤثر فيه ويبدأ بتعاطي القات والرخاوة، والرياضة تحتاج نوعا من الامتناع عن كثير من الأمور حتى يصل الإنسان إلى سن لا يستطيع معها ممارسة الرياضة وبعدين بإمكانه أن يعمل ما يريد، لكن الحماية بالإضافة للتأهيل الفني والذي كما يبدو لي مازال متخلفا، وتمارس الأساليب التقليدية القديمة اليوم كرة القدم ليست فقط تدريبا على الكرة في الميدان، ولكن بناء كيان الإنسان، جسمه، رياضياً وعقلياً وذهنياً، حتى يتكامل مع مهاراته في مجال كرة القدم.
> عدد كبير من الكوادر الرياضية لدولة الجنوب سابقاً، ذات الخبرة والكفاءة، تشكو من التجاهل والتهميش، جراء التعيينات في وزارة الشباب والرياضة المستندة للمحاباة، كيف تنظر لهذا الوضع؟
- هذا يبدو لي ليس خاصا بميدان الرياضة، ولكن ربما ببناء الدولة بشكل عام. لكن أعتقد أن مجال الرياضة يحتاج اليوم إذا أردنا أن نبني رياضة حقيقية وجادة لا بد أولاً أن يكون هناك جهاز فني استشاري بعيد عن السياسة وتأثيراتها، يعني جهاز فني استشاري وطني من أكثر الكفاءات الرياضة التي أنتجتها اليمن خلال الفترة الماضية سواءً كان في الشمال أم في الجنوب، وحتى أولئك الموجودون خارج البلد من كثيرين ممن أنتجتهم الرياضة اليمنية هؤلاء يوكل إليهم مهمة التفكير في كيف نستطيع أن نبني رياضة بالاستفادة مما هو متاح من إمكانيات، ثم الحديث عما هي الإمكانات  المطلوبة في مجال كرة القدم أم غيرها.
وإذا ركزنا على كرة القدم فإنني ألمس هناك بعض التوجهات الجادة إلى حد ما، لكنها مازالت دون المستوى المطلوب، ربما اندفاع الشباب نحو كرة القدم والإبداعات التي يحققونها في المرحلة الأولى تطرح أمام الجهات المسؤولة مسؤولية البحث الجاد في تطوير هذه اللعبة.
وقبل أيام كنت أتحدث مع كثير الإخوة في هذا المجال من رياضيين وبعض المسؤولين نتحدث كنا حديثا عابرا، وجدت أن الجميع يحمل هذا الهم، هم كرة القدم، وهم الرياضة في اليمن، ولذلك أنا شخصياً أشعر أن علينا ألا نكتفي بتشكيل لجنة أولمبية ذات طابع رسمي أو شكل تقليدي فقط لمجاراة أن هناك لجان أولمبية في العالم، تتشكل لجنة أولمبية لكن لا بد من تشكيل جهاز فني يكون ذا صوت مسموع إذا أردنا فعلاً أن ننتقل بالرياضة إلى مصاف أعلى.
نحن سنستقبل "خليجي 20" المرحلة القادمة ويجب ألاَّ ننظر إليه على أنه فقط بمثابة هبة تعطى لليمن من باب الإحراج.
هل نستطيع أن نثبت أننا كنا جديرين باستضافة خليجي20؟
هذا هو السؤال المطروح أمام الجميع. لذلك يجب ألاَّ تبقى قضية الرياضة مهمة وزارة أو مهمة مؤسسة الرياضة، يجب أن تتحول لتصبح مهمة مجتمعية وتبدأ حتى بعض الأحيان من داخل الأسرة، وهذا سيشكل ضغطا حقيقيا على الدولة في أن تهتم بالرياضة على الشكل المطلوب.
> على ذكر "خليجي 20"، لم يتحقق شيء ملموس إلى اللحظة على أرض الواقع، كيف تنظر لذلك؟
- أستطيع أن أقول إني أسمع جعجعة ولا أرى طحيناً، وهذا المخيف. أعتقد أن "خليجي 20" إما أن يكون محطة لإثبات أن اليمن جديرة بأن تكون جزءا من هذا المحيط وإما أنها تؤكد ما يقال عن أننا نحتاج إلى تأهيل لسنوات طويلة حتى نصبح جزءا من هذا المحيط.
> هناك توجه يتبناه البعض يهدف إلى نقل الاستضافة من عدن إلى محافظة أخرى بحجة عدم توفر مقومات الاستضافة في عدن؟
- سيقعون في خطأ قاتل، لأنه طالما قد أعلن أن تكون عدن هي المحطة المضيفة لـ"خليجي 20" من البداية فعلى الدولة أن توفر الظروف اللازمة  والإمكانات الضرورية للاستضافة ولا يعني أن هذه الدولة تستطيع أن توفر الإمكانات في مكان ولا تستطيع أن توفرها في مكان آخر. لكن إذا كانت هناك حسابات من نوع آخر ربما سيضر بالدورة وسيضر بإمكانات الاستعداد لها بالشكل المطلوب.
> كيف تنظر لتراجع الرياضة العدنية وهبوط أنديتها وآخرها التلال؟ وما هي أسباب ذلك التراجع بحسب رأيك؟
- عندما هبط التلال قلت حينها: آخر شيء من الزمن الجميل يُضرب، وفعلاً أنا شخصياً فوجئت بهبوط التلال. التلال ناد عريق كغيره من الأندية كالوحدة وشمسان وغيرها، لكن إذا كانت هذه الأندية قد واجهت بعض الأحيان مشاكل إدارية لا مشاكل فنية، التلال يبدو لي أيضاً عندما هبط، هبط لأسباب تنظيمية وانتقال الرعاية والاهتمام بالنادي من يد إلى يد، ولأسباب أيضاً سياسية، وللأسف عندما تدخل السياسة في مجال الرياضة تخرّب ولا تفيد. ويبدو لي أن هبوط هذه الأندية ليس بسبب انخفاض الجانب الفني الكروي ولكن لأسباب أعتقد أنها مرتبطة بالوضع العام في مناطق الجنوب، بالتالي لا بد من معالجة الوضع العام لكي نعالج أيضاً مشكلة الرياضة، لأن الرياضة لا يمكن أن تتميز عما عداها من ظروف وأوضاع وبيئة، فهي لا بد أن تكون وليدة البيئة التي خلقت من بعد حرب 94م.
> هناك محاولات لبيع ملعب الحبيشي واستثمار أرضيته لصالح جهات غير معروفة، كيف تنظر لهذا الأمر؟
- والله أنا أسمع أشياء كثيرة، عندك "حقات" كان ميدانا وأغلق وحرم نادي التلال من أهم منشأة رياضية. ميدان الحبيشي هو ميدان تاريخي، يمكن أن يكون ميدانا خاصا بحي كريتر، وهو حي كبير، ويمكن أن ينشأ ميدان آخر في الشيخ عثمان  والمعلا، لكن يبدو أن هذا الهلع على الأراضي أفقد الكثيرين رشدهم ولا يتذكرون أن هناك حاجة للرياضة وللشباب ولمتنفسات هذه المدن، وأن تبقى هذه المنشآت قائمة لحاجة الشباب، لذلك فإن أي تفكير في بيع ميدان الحبيشي سيكون تعبيرا عن هذا المزاج السائد في الوقت الحاضر، مزاج الهلع على الأراضي على حساب كل شيء.
> التلال هبط إلى دوري الثانية لأول مرة في تاريخه وعاد مرة أخرى، لكنه يمر حالياً بظروف صعبة جراء الفراغ الإداري إضافة إلى حرمان أبنائه من حقهم في اختيار من يدير شؤون ناديهم وبالتعيين يفرضون عليهم أشخاصا معينين... ما رأيك في وضعية التلال الراهنة؟
- نادي التلال في تقديري، إذا كان هناك حكمة في هذا البلد، يستحق كل الاهتمام من الدولة، لأنه ناد عريق وتاريخه طويل ولست مع التعيين إلا في حالة واحدة إذا كان هدف الدولة من التعيين أن يسخّر الشخص جزءا من الإمكانات المتاحة لديه لرعاية النادي، هذا شيء طبيعي، دون أن يتدخل في فرض سياسة معينة على النادي. لذلك أنا أعتقد أن بعض من تعاقبوا على النادي أدوا أدوارا طيبة من رشاد هائل إلى عبد الوهاب راوح إلى حسن سعيد، لعبوا أدوارا طيبة ويُشكرون عليها، ولكن لا يكفي أن تكون عند الإنسان فقط روح طيبة ما لم تتوفر عوامل أخرى، يعني عوامل مثل البيئة المتمثلة في: ماذا تريد الدولة من الأندية؟ ولذلك أنا أشعر أن المطلوب من الشباب والرياضة ومن الدولة أن تهتم فعلاً بنادي التلال لأنه واحد من العناوين التاريخية لكرة القدم في اليمن، يعني باسترجاع تاريخ الحركة الرياضية وحركة كرة القدم ستجدها بالفعل في هذا النادي تاريخياً، ومن الخطأ أن يصل إلى ما وصل إليه من وضع إداري.
> بعض جماهير التلال طالبوا بالدكتور ياسين لتولي رئاسة النادي، على اعتبار أنك أول رئيس للنادي بعد دمج الأندية في السبعينيات، هل ستقبل برئاسة التلال؟
- في ظروف الأندية اليوم لا يحتاج إلى مجرد أن يكون محبا لهذا النادي أو متعاطفا معه، لكن ما الذي يستطيع أن يقدمه لهذا النادي من إمكانات؟ ظروف البلد اليوم هكذا عندما تعين رئيسا لأي ناد عليك أن تنظر ما هو الشيء الذي لديك حتى تقدمه لهذا النادي، ولذلك يفضل في هذه الحالة أن يكون هناك اهتمام من قبل الدولة بالأندية ومثلما يتم التعامل مع  الأندية الأخرى بتعيين شخصيات لديها القدرة على أن تساعد هذا النادي أو ذاك. أعتقد أن نادي التلال يحتاج مثل هذه الرعاية.
أما بالنسبة لي شخصياً فأنا حقيقة أحب هذا النادي ومستعد لأن أعمل معه ليس فقط من رئاسة النادي ولكن من أي موقع كان.
> ختاماً ما هي الآلية المناسبة لإخراج رياضتنا من حالتها الراهنة والدفع بها نحو الأمام؟
- الرياضة هي دالة في الوضع العام ومن الصعب أن نشق طريقا لتطوير الرياضة بمعزل عن الحياة العامة بشكل عام. الرياضة اليوم هناك إمكانات كبيرة جداً لتطويرها. وكما قلت في البداية، لن يستطيع أن يطوّر الرياضة أو يفكر في تطوير الرياضة أو يطرح مقترحات لتطوير الرياضة إلا أبناء الرياضة أنفسهم، وهناك الكثير من الكوادر الرياضية المجربة والتي عاشت في جو الرياضة وواكبت كل مراحل الرياضة، وبعضهم دكاترة في مجال الرياضة وفنيون. هؤلاء يتطلب فقط تجميعهم وتكوين فريق استشاري منهم ونتركهم يبحثون لفترة معينة من الزمن عما هو المطلوب لتطوير الرياضة في اليمن؛ فقط تكون هناك آذان صاغية لكي تستمع لهؤلاء، وبالتالي كما حدث في أكثر من بلد في العالم  يمكن أن تضع لكل لعبة خطة زمنية معينة، وبالتالي بقدر ما تتاح للبلد من إمكانات نبدأ بأولويات معينة؛ كرة القدم الأكثر شعبية مثلاً ومتاح لها أن تتطور أكثر من غيرها من الألعاب الأخرى، بعدها تأتي مثلاً ألعاب من نوع ما إلى آخره... وهذا الفريق أعتقد أنه هو الذي يستطيع تطوير الرياضة في اليمن خلال العشرين السنة القادمة وبدون رياضة متطورة تستوعب الشباب والناس وتنتج إمكانيات رياضية عالية أعتقد سنظل في هذا الوضع من جيل إلى جيل ومن زمن إلى زمن نشكو همَّ الرياضة والرياضيين وعدم القدرة على خلق رياضة متطورة في البلد.