الشارع ليس حلا

الشارع ليس حلا - محمد الغباري

لا يمكن للشارع أن يحل مشاكل اليمنيين, وليس بمقدور طرف لوحده أن يدعي امتلاكه القدرة على مواجهات المشكلة الاقتصادية والإرهاب, بل إن اليمن تبدو اليوم أكثر احتياجا لكل جهود أبنائها، أكانوا أفرادا أم منضوين في إطار أحزاب سياسية.
ومع الإقرار بحداثة التجربة الديمقراطية وارتفاع نسبة الأمية وضعف مؤسسات الدولة، فإن ما جرى في صبيحة الخميس الماضي في العاصمة  لا يثير القلق، بقدر ما يعكس غياب الرؤية في التعامل مع المطالب السياسية ومقتضيات الممارسة الديمقراطية, بحيث يصبح من حق الناس التظاهر أو الاحتجاج ومن واجب الطرف الآخر أن يناقشهم فيما يطرحون، لأن جزءا من الحقيقة لا شك سيكون معهم مثلما هو الجزء الآخر منها لديه.
لقد عكس استمرار إطلاق الرصاص الحي لنحو ساعتين في قلب العاصمة، ومن ثم الاعتداء على المشاركين في تلك المسيرات بالضرب، الرؤية القاصرة للقائمين على أجهزة الأمن تجاه الحقوق السياسية للناس وكشفت عن أن مثل هذا الأداء سيدفع بالأوضاع نحو الصدام بغرض تفجيرها. لأنه لو ترك للناس الحق في التجمهر لانتهت الأمور بسلام بعد أن عبر هؤلاء عن مواقفهم ومطالبهم.
القمع مناقض للنهج الديمقراطي والتعددية السياسية، إلى جانب أنه مخالفة دستورية, ومن شأن الركون إليه أن يدفع الغاضبين على الحكم إلى اللجوء إلى العنف مادام وقد سدت أمامهم الطرق السلمية. كما أن ما شهدته مرحلة القيد والتسجيل، والمخاطر التي يواجهها الاقتصاد الوطني بفعل مخاطر نضوب النفط، تؤكد صوابية الدعوات المتتالية للشراكة الوطنية وتفرض بقوة  أهمية إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية تجعل الكل يعمل من أجل تخطي هذه المرحلة.
اليمن بلد فقير في الموارد، هذا أمر ينبغي الاعتراف به على الأقل في الوقت الراهن وفي ظل المعطيات القائمة. ورهاننا على قطاع السياحة وعلى جذب الاستثمارات خاسر بفعل تنامي العمليات الإرهابية وعجزنا عن إيجاد بيئة ملائمة لجذب الاستثمارات وقد ضاعف من هذه المشكلة الأزمة المالية العالمية, وعدم رغبة دول الخليج في مساعدة اليمن على تخطي عتبة الفقر والبطالة.
الانتخابات إذا ما جرت من طرف المؤتمر الشعبي  فلن تكون بوابة لعبور هذا الوضع وستزيد من حجم المشكلة وتعقدها, وذهاب الناس إلى صندوق الانتخابات ليس غاية بحد ذاته, ولن يكون له معنى إلا متى ما شعر هؤلاء أن هذا الصندوق هو الأداة لاختيار من يحكمهم أو يعبر عنهم, والحاصل أن الانتخابات المتعاقبة لا تحقق هذه الغاية بل تعيد إنتاج نفسها, حتى أصبح لدى عائلة واحدة ثالث كتلة نيابية في البرلمان وهي اليوم تسعى لأن تصبح العائلة ممثلة لمحافظتين متجاورتين.
بإمكان الرئيس علي عبد الله صالح الانتصار للغالبية العظمى من مواطنيه إذا ما عمل من أجل تجاوز الأزمة الراهنة, وتمكن من تحقيق وفاق وطني حول التحديات التي تواجهها البلاد ينتج عنه لرؤية للمعالجة الشاملة, وسيكون بمقدور هذه الرؤية أن تخلصه من مراكز “النفوذ” بمختلف مسمياتها والتي تؤمن أن تأزيم الأوضاع يحقق غاياتها في الحصول على المزيد من المصالح.malghobariMail