مطرقة خارجية ثقيلة

مطرقة خارجية ثقيلة - ماجد المذحجي

لا تستجيب السلطة في اليمن عادة للمطالب العقلانية، حيث تميل إلى إنجاز أجندتها القمعية بأقل قدر من الاهتمام بالقانون وحقوق الإنسان، ولذلك يصبح الجهد الحقوقي المحلي في الانتصار للضحايا مجرد إيذاء لصرامتها الأمنية، ومحاولة بائسة لتشويه سمعة البلد كما تميل لوصف الأمور عادة. الأمر يبدو بحاجة لمطرقة "خارجية" ثقيلة لتذكير السلطة بفداحة الانتهاكات لحقوق الإنسان التي يتم ارتكابها من مسؤولي الأجهزة الأمنية وبشكل متناقض مع التزامات اليمن الدولية المعلنة، إذا استثنينا التزامها للدستور والقوانين باعتباره فعلاً غير قائم بالأصل. يصبح بذلك التقرير الصادر عن منظمة مراقبة حقوق الإنسان "هيومان رايتس ووتش" الدولية تلك المطرقة التي هشمت التجاهل الرسمي للمطالب الحقوقية المحلية، ليجعل اليمن عرضة لعين خارجية صارمة استطاعت أن ترصد بعمق الانتهاكات في اليمن على ذمة حرب صعدة و"ما يصاحب هذا من أجواء الإفلات في العقابـ" لتطالب بمحاسبة "كل من يُكتشف تورطه في الاعتقالات التعسفية والاختفاءات القسرية، بغض النظر عن المنصب أو الرتبة". وما بين الحاصرتين هو مجتزأ نصاً من التقرير. تُذكر هذه المطالبة الدولية بمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات في اليمن، بمقدمات المطالبة الدولية لمحاسبة مسؤولي الانتهاكات لحقوق الإنسان في دارفور بالسودان بالضرورة، حيث أصرت السلطات في الأخيرة على تجاهل الأمر في البداية ليرتفع سقف المطالبة الدولية لينال من رأس الدولة هناك "البشير". بالتأكيد لا حاجة لليمن للوصول بالأمر إلى هذا المستوى، وهو ما لم يحدث قبل وقف هذه الانتهاكات وإطلاق المعتقلين بالتأكيد.
إن هذا التقرير يمنح الإطار الدولي مادة معلوماتية خصبة عن مستوى الانتهاكات في اليمن، وهو يؤسس لتحركات دولية لاحقة لمساءلة اليمن عن ماذا فعلت في هذا الشأن، كونه صادراً من منظمة ثقيلة الوزن، ولكون مستوى الانتهاكات المرصودة فيه يبدو أيضاً من الوزن الثقيل مثل جرائم الإخفاء القسري، علاوة على كون التقرير أشار ضمنياً إلى إمكانية وصف الممارسات والانتهاكات الأمنية قد تصبح جريمة ضد الإنسانية، حيث أشار التقرير إلى انه "حين يتم ارتكاب أعمال "الاختفاء" كجزء من حملة موسعة أو منهجية على سكان معينين، فهي تُشكل جريمة ضد الإنسانية، وفي مذكورة في اتفاقية مناهضة الاختفاء القسري ونظام روما للمحكمة الجنائية الدولية"، وهو ما يجعل القائمين على الانتهاكات عرضة للملاحقة من قبل العدالة الدولية، إذا لم يقم القضاء المحلي بدوره، أو لكونه غير مستقل، وهو ما أشار له التقرير أيضاً، حيث أشار إلى أن المحكمة الجزائية المتخصصة التي تتولى النظر في الجرائم الخطيرة والتي تتعلق بالأمن القومي، وبكل ما يتعلق بحرب صعدة عادة، بكونها "ليست المحكمة مستقلة ومحاكماتها لا تفي بالمعايير الدولية للعدالة".
بالتأكيد سيصبح من الصعب على السلطة أن تتجاهل هذا التقرير، والمضي بسهولة في تمكين أجهزة الأمن من ممارسة الانتهاكات بالشكل الواسع الحاصل حالياً، ولكن عليها على المستوى السريع الاستجابة لبعض ما فيه وإطلاق المعتقلين، ووقف ظاهرة الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي التي انتشرت بشكل واسع أخيراً، كي لا تصبح اليمن تحت المجهر الدولي، مما يرتب ليس فقط "تشويها" لسمعة اليمن فقط، بل ربما يؤسس قاعدة لملاحقة قانونية عالمية لبعض المسؤولين عن هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان في اليمن.
maged