عطلت السلطة صفقة الانتخابات مانحة المشترك فرصة استجماع أنفاسه

عطلت السلطة صفقة الانتخابات مانحة المشترك فرصة استجماع أنفاسه - سامي غالب

انتهت اللعبة السياسية اليمنية بخاتمة مدوية صباح الاثنين. قررت الكتلة البرلمانية للمؤتمر الشعبي رفض مشروع تعديلات القانون الانتخابي، مقدمة هدية ثمينة للحزب الاشتراكي وحلفائه في اللقاء المشترك.
بعد ساعات كان قيادي بارز في الاشتراكي يعبِّر في تصريحات لـ«النداء» عن امتنانه للمؤتمر الشعبي، مؤكداً على أن «ما حصل اليوم (الاثنين) يعزِّز موقف اللقاء المشترك، ويعيد إليه التماسك».
تجمع الاصلاح والتنظيم الناصري (حليفا الاشتراكي) كانا قد أنجزا مهمتهما مساء اليوم السابق (الأحد). سمَّيا مرشحيهما لقائمة اللجنة العليا للانتخابات، وانتظرا قرار الاشتراكي. لكن أياً من هيئات الأخير لم تلتئم لتسمية مرشح الاشتراكي. وقد توجب على الحليفين انتظار ما ستسفر عنه المشاورا ت مع الاشتراكي صباح اليوم التالي. لم يكن بوسعهما الذهاب وحدهما إلى البرلمان لإتمام الصفقة، لأن ذلك سيمثل، بالحتم، بداية إجراءات تصفية اللقاء المشترك، التكتل الذي نشأ أصلاً لدواعٍ محض انتخابية، ثم أخذ أبعاداً سياسية بلغت ذروتها في اتفاق أطرافه على برنامج مشترك للاصلاح السياسي، والتوافق على المهندس فيصل بن شملان لخوض الانتخابات الرئاسية باسمه.
إلى الأحزاب الثلاثة الممثلة، على تفاوت، في البرلمان، يضم المشترك أحزاب الحق، واتحاد القوى الشعبية، والبعث الاشتراكي (عبدالوهاب محمود) الذي انضم مؤخراً إلى المشترك بعد استهدافه من السلطة. والأحزاب الثلاثة بدت كأعضاء منقوصي العضوية في نادي المعارضة.
والحاصل أن المشترك أفلت بأعجوبة مؤتمرية (رفض مشروع التعديلات) من مأزق وجودي. أفلت حتى حين، إذْ إن القضايا ذاتها التي كانت سبب تباعد أقطابه، ستنتظره في محطات مقبلة. وخلال اليومين الماضيين صدرت تصريحات عن معارضين بارزين تعلِّق آمالاً على حكمة الرئيس علي عبدالله صالح، وتدعوه إلى إجهاض مخطط «أصحاب المصالح الشخصية والضيقة» الذين عرقلوا إتمام الصفقة. وفي يد الرئيس ممكنات عديدة لن يتوانى مستشاروه القانونيون في إضفاء الشرعية الدستورية عليها. والمؤكد أن قنوات الاتصال التقليدية بين الرئيس ومعارضيه لن تصدأ في ظرف مدة بسيطة، في 24 ساعة! والالتياع الذي طبع علاقة بعض أقطاب المعارضة بالرئيس خلال الأسابيع الماضية لن يستسلم لإرادات «أصحاب المصالح الشخصية» الذين تحملهم قيادة المشترك مسؤولية القرار الأرعن لكتلة الرئيس في البرلمان.
الثابت أن قادة المعارضة ضبطوا إيقاعهم، قبل أعصابهم، على نغمتهم القديمة: التمييز بين الرئيس وحزبه. لا ضير في مجاراتهم، فالاتفاق بين الرئيس والمشترك الذي تولد من مجرد «تواصل»، حقق للمشترك مكاسب صغيرة في ما يخص الاجراءات الانتخابية، وتمثيل المشترك في اللجنة العليا للانتخابات وفق قاعدة 4 إلى 5، بحيث يحظى المشترك بأربعة مقاعد في اللجنة بينها مقعد الرئيس، مقابل 5 للمؤتمر الشعبي وحلفائه «المجهريين». وإلى هذه المكاسب الصغيرة شملت «الصفقة الوطنية» بنداً يتعلق بإطلاق المعتقلين.
ظهيرة السبت الماضي كانت الصفقة قيد الانجاز. لكن قيادات مؤتمرية بادرت أولاً إلى تأويل التوجيه الخطي للرئيس بإطلاق المعتقلين على أنه لا يشمل أولئك الذين تورطوا في قضايا جنائية، أو يمثلون أمام المحاكم. وفي المحصلة الصافية للتأويل المؤتمري فإن أغلب قيادات الحراك الجنوبي لن يُتاح لها متابعة الشأن الانتخابي أو الانخراط فيه (وهذا أمرُ غير متصور)، لأن زنازين الأمن السياسي لا توفر خدمة التلفزيون والانترنت.
التأويل تجسد واقعاً في اليومين التاليين، حيث لم تتخذ أية إجراءات لتنفيذ التوجيه الرئاسي. كان لذلك تفسير وحيد مفاده أن السلطة لا تريد أن تفتح منفذاً واحداً أمام الإشتراكي ليدخل في اللعبة، وبالتبعية دق إسفين داخل المشترك ذاته، وفك الارتباط بين الاصلاح والاشتراكي، بما يخدم «العروة الوثقى» التي تجمع السلطة ببعض الأقطاب داخل الاصلاح والمشترك.
لم يكن الإصلاح ليقبل أن يفلت العصفور (المشترك) الذي في يده من أجل عشرة عصافير في دار الرئاسة. والحاصل أن المؤولين في المعارضة وبعض جيوب السلطة ذهبوا إلى اتهام الإصلاح- أقله بعض رموزه -وشخصيات أخرى في الاشتراكي والناصري، بإبرام صفقة استراتيجية مع الرئيس علي عبدالله صالح، تتجاوز الشأن الانتخابي المعلن، إلى التعديلات الدستورية، وبخاصة دورتي الرئاسة، تحقيقاً لأمل قديم لبعض المعارضين يقول بإمكانية الفصل بين رئيس الدولة وحزب الرئيس، بما يُعلي من مقام «ولي الأمر»، تتفرغ المعارضة لمقارعة «أصحاب المصالح الشخصية والضيقة» في المؤتمر.
وطبق مصدر خاص، فإن الصفقة الخفية تلبي جزئياً مطلب المعارضة في اعتماد نظام التمثيل النسبي لثلث مقاعد البرلمان بعد القادم، تماماً كما حصل لمطلب المعارضة (والاتحاد الاوروبي وآيفس) بحصر الموطن الانتخابي في مكان الإقامة الدائمة أو مكان الميلاد (الأسرة)، حيث تم تلبية جزء يسير من المطلب قبل الانتخابات الحالية، وتلبيته كلياً في الانتخابات التالية، حسبما ورد في الوثيقة التي وقعها رئيس المشترك عبدالوهاب الآنسي ونائب رئيس الوزراء رشاد العليمي.
 من المقامرة بعد هذا الحد اتباع دعاة التأويل وشياطينه (!) على أن الصفقة المعلنة لا تبرِّر هذه الحماسة التي أبداها بعض قادة المعارضة، فهي لم تحقق أياً من المطالب الرئيسية للمعارضة بخصوص الشأن الانتخابي، نظاماً وإدارة وسجلاً، وتجاهلت كليةً المطالب التقليدية للمعارضة الواردة في وثيقتها للاصلاح السياسي، وأبرزها تغيير النظام السياسي من رئاسي إلى برلماني.
إذا صرفنا الآن شياطين التأويل، فإن حماسة بعض قيادات المشترك لـ«الصفقة الوطنية» ليست بالأمر الخارق. فالمشترك الذي اجتاز استحقاق الانتخابات الرئاسية بسلام، عجز لاحقاً عن استثمار الفرص التي تخلَّقت له من الاستحقاق، ثم ما لبث أن استعاد روحيته السابقة على مناطحة الرئيس في سبتمبر 2006، روحية المعارض التقليدي في اليمن، الذي يعمل تحت مظلة الأب القائد أو «ولي الأمر».
ولئن بُرِّر هذا النهج في الحرص على تطبيع الحياة السياسية وتفريج التوتر الذي تسيد العلاقة بين الرئيس ومعارضيه التقليديين منذ 2005، فإن رجفة سرت في أوصال كثيرين داخل السلطة والمعارضة.
في ضفة السلطة لم يخف كثيرون انزعاجهم من الصفقة المعلنة، فضلاً على محاذير الصفقة السرية، لأنها تمهِّد، بالضرورة، لإعادة توزيع القوة بين مكونات السلطة وأدواتها، بما يصب في إضعاف الأداة الانتخابية والواجهة العصرية للسلطة (المؤتمر). ويمكن عزو الانفعالات الحادة، والغيرة الشديدة على المؤسسات الدستورية لدى قيادات في المؤتمر، إلى القلق الوجودي في سرائرهم الذي ولدته الصفقة التي أبرمها حزب الاصلاح، الحليف الاستراتيجي السابق للرئيس، والذي يتعامل أقطاب المؤتمر معه بروحية «ضُرَّة»!
وفي ضفة المعارضة، تفاقمت أزمة الثقة بين أطرافه، وتباعدت المواقف لأول مرة منذ 3 أعوام، وبدا وكأن «العقد الفريد» على وشك الانفراط جراء دفع الاشتراكي جنوباً من أجل حفنة مقاعد في برلمان كسيح.
استطراداً، فإن أولويات أحزاب المشترك تضاربت بشكل صريح. انغمس الاصلاح في تفاصيل التفاصيل الانتخابية، في امتثال أمين وصارم لنهجه السياسي في المشاركة تحت أي ظرف في العملية السياسية، وهذا ملمح بارز في سلوك التنظيمات السياسية الاسلامية المنبثقة من حركة الاخوان المسلمين في العالم العربي، وجميعها يتمتع بقدرة عالية على التكيف مع الأمر الواقع، وتوليد آليات تعويضية تمتص أية خسائر سياسية أو انتخابية.
مقابل الانغماس الاصلاحي، تعاظم النفور الاشتراكي من «حديث الانتخابات»، ذلك لأن الاشتراكي لا يملك ترف الانخراط في لغو الانتخابات فيما قاعدته الانتخابية تتآكل جراء «الحالة الجنوبية». البقية الباقية من القيادة التاريخية للحزب الجريح تعلم أن الحصاد البئيس الذي سيتحصل عليه الحزب من المشاركة في انتخابات تتم طبق النظام الانتخابي الحالي (الدائرة الفردية والاغلبية النسبية) سيكلفه الخروج من المعادلة الجنوبية. والمغزى أن «الخيار الجنوبي» للاشتراكي بات بعد 14 سنة على حرب 1994، «مسألة وجودية».
 ومن هذه الزاوية يمكن القطع بأن المعتقلين الجنوبيين كانوا «قلعة الحزب الأخيرة»، والدرع الذي صد به سهم الانتخابات المسموم!.
ذلك تأويل (التأويل مجدداً!) نبرة الابتهاج في تصريحات قياديي الاشتراكي فور تعطيل صفقة الانتخابات. فالثابت أن تنفيذ التوجيه الرئاسي بإطلاق معتقلي الحراك السياسي (الجنوبي) كان من شأنه أن يضع الاشتراكي في حالة انكشاف غير مسبوقة، خصوصاً وأن هؤلاء المعتقلين لن يسرهم مغادرة الزنازين لقاء انخراط «الممثل السياسي للجنوب في اتفاقية الوحدة» في انتخابات تكفلت مدافع حرب صيف 1994 بوضع إطارها.
بكلمة واحدة، تلكأت السلطة في إطلاق سراح المعتقلين، مقدمة خدمة جليلة للمشترك كي يستجمع أنفاسه، ويعيد ترتيب أولوياته على قاعدة تحالف الحد الأدنى التي منعت، على الدوام، السلطة من المضاربة بين أطرافه.
Hide Mail